كان حكم محكمة القضاء الإدارى بإبطال كشف العذرية، والأمر بوقف تنفيذ هذه الممارسات فورا بمثابة بلة ريق فى يوم قائظ بالنسبة إلى كل الوطنيين الشرفاء الذين ساندوا البطلة سميرة إبراهيم. كنت قد التقيت سميرة يوم الخميس الماضى 22 ديسمبر، وقبل موعد انعقاد جلسة القضاء الإدارى بخمسة أيام فى صالون الأديب علاء الأسوانى بمركز إعداد القادة. يومها وقفت سميرة تحكى لنا حالها وتشكو لنا ضعف قوتها وقلة حيلتها وهوانها على المجلس العسكرى.. قالت سميرة بالنص: أشعر أن طاقتى أوشكت على النفاد ولا أدرى هل أستطيع أن أكمل الوقوف فى وجه القوى العاتية التى ارتكبت الجريمة الشائنة بحقى أم أسقط إعياء قبل تحقق العدالة.. لا أدرى كذلك هل بوسعى الوقوف فى وجه من يسعون إلى إثنائى عن مواجهة من ظلمونى، وبعضهم محسوبون على القوى الثورية.. أنا تعبت ولم أعد أحتمل كل هذا الضغط وكل هذه القسوة.. ثم أكملت سميرة: لا تتركونى ولا تتخلوا عنى. فى هذه الليلة شرفت للمرة الأولى بلقاء سميرة، تلك الفتاة المصرية البسيطة التى تعرضت فى شهر مارس الماضى مع سبع عشرة فتاة أخرى إلى جريمة هتك عرض قام بها أطباء من ضباط الجيش بعد القبض على الفتيات بتهمة الاعتصام فى ميدان التحرير.. كلهن آثرن السكوت خوفا من البطش بهن.. سميرة وحدها أصرت على مقاضاة جلاديها الذين انتهكوا حرمة جسدها وأجروا عليها ما سموه كشف العذرية فى غرفة مليئة بالجنود الذين لم يكفوا عن الهزء بها والسخرية منها فى جريمة وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها جريمة مرعبة. لقد تلقت سميرة فى تلك الليلة دعما معنويا هائلا، وأكد لها الجميع أنهم سيكونون معها يوم 27 ديسمبر فى المحكمة لمؤازرتها والوقوف إلى جوارها وهو ما تحقق بالفعل، وهو ما يعطى تأكيدا بأن تلاحمنا مع البسطاء الأقوياء من أمثال سميرة هو ما يمنحنا انتصارات نحن فى حاجة إليها فى مواجهة نظام حسنى مبارك الرهيب. إن منظمة العفو الدولية عندما تدخلت وقدمت اعتراضها للمجلس العسكرى، فإن الرد الذى تلقته كان شديد الغرابة ويكاد لفرط عبثيته أن يكون نكتة. لقد قيل للمنظمة إن هذا الكشف قد تم إجراؤه حتى لا تزعم الفتيات أنهن قد تعرضن للاغتصاب على يد الجنود.. وقد كان هذا التبرير بمثابة فضيحة لا تقل قبحا عن الجريمة ذاتها، إذ لو كانت هذه السلطة التى تعتقل الفتيات تعمل وفقا للقانون فما الذى قد يحمل الآخرين على الظن بأن جنودها يمكن أن يغتصبوا الفتيات؟ ولماذا هذه البطحة الكبيرة على الرأس التى جعلتهم يدفعون تهمة محتملة بارتكاب جريمة مؤكدة؟ ثم ما قيمة هذا الكشف لو أنهم كانوا يعتزمون اغتصاب الفتيات فعلا؟ وما الدليل الذى يقدمونه على عدم ارتكاب الجريمة؟ إن اهتمامنا بالمصيبة جعلنا لا نتوقف كثيرا عند الهطل الكامن وراء ما حدث، ذلك أننى لم أفهم حقا هل إثبات أن الأنثى التى وقعت فى أيديهم غير عذراء يعنى أنهم أبرياء من اغتصابها فى ما لو اغتصبوها؟ إن غرابة الأمر تكمن فى أن أحدا لم يتهمهم باغتصاب البنات، فلماذا بحق الأبالسة فعلوا ما فعلوا؟والأغرب أنهم أنكروا فى البداية أن هتك العرض المسمى بكشف العذرية قد وقع ثم اعترفوا به وبرروه بحسبانه أنه أمر طبيعى، ثم اعترفوا بأنه جريمة وأن مرتكبها ستتم محاسبته، ثم أخيرا وجهوا له تهمة الفعل الفاضح. مراحل عجيبة تثير الريبة فيمن كنا نحسبهم شركاء فى الثورة وأمناء عليها.. ثم كيف تكون التهمة فعلا فاضحا؟ صحيح أن ما ارتكبه الطبيب العسكرى بحق سميرة هو فاضح له ولمن تواطؤوا معه لإخفاء جريمته، لكن سيادته لم يكن يتبول فى الشارع ولم يضبطوه يبوس خطيبته فى السينما حتى تكون جريمته فعلا فاضحا.. ما فعله الأفندى هو جريمة اسمها هتك عرض أنثى يا سادة، وهذه الأنثى هى ربة الصون والعفاف ابنة مصر الجميلة البريئة الرقيقة الطاهرة البتول صاحبة السيادة والرفعة.. سميرة إبراهيم.