«البابا» يفتتح نهضة السيدة العذراء مريم بكنيسة محرم بك فى الإسكندرية    إبراهيم عبد الرازق قائمًا بأعمال عميد "التربية للطفولة المبكرة" بجامعة بني سويف    ساعات إضافية.. محافظ قنا يعلن عن مواعيد عمل المحال التجارية    الكهرباء: تدعيم موقف الأراضي المخصصة للدراسة حاليا لتنفيذ مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة    في 3 خطوات.. كيف تحمي الأجهزة الكهربائية من تذبذب التيار؟    إعلام عبري: انفجار مسيرة في مستوطنة شمال إسرائيل وسقوط إصابات    رئيس وزراء بريطانيا يندد "ببلطجة اليمين المتطرف" مع تجدد الاضطرابات    إعلام فلسطيني: دوي صفارات الإنذار في مناطق عدة ب الجليل الأعلى شمال إسرائيل    طيران الاحتلال يستهدف مسجد الشيخ رضوان شمال غزة    البنتاجون: أوستن اتصل بجالانت ( المزعور) لبحث دعم الدفاع عن إسرائيل    سى إن إن: بلدية القدس تنصح السكان بتجهيز ملاجئهم خوفا من هجوم إيرانى محتمل    بعد فضيحة "منينديز" .. "العدل الأمريكية" :السيسي قدم لترامب رشوة ب 10 مليون دولار!    موعد مباريات اليوم الاثنين 5 أغسطس 2024.. إنفوجراف    جمال علام يكشف موقف زيزو النهائي من مباراة مصر ضد فرنسا    محمود ناصف حكمًا لمباراة الزمالك وإنبي في الدوري    وزير الرياضة: ميكالي يجب أن يبقى.. وتناقشت مع الخطيب وهذا مخرج الدوري الوحيد    وائل جمعة: زيدان كان القطعة الناقصة فى جيلنا.. وهذه حقيقة زرع شعرى    جمال علام لإدارة الأهلي: انا أجلت لكم ماتشات عشان تعرفوا تاخدوا بطولات    إنفوجراف| مجاميع نجوم الفن بالثانوية العامة.. الهضبة 60% وآسر ياسين 100%    حريق هائل يلتهم محتويات شقة بشبين الكوم    «تقترب من ال45 مئوية».. هل تشهد مصر موجة شديدة الحرارة؟ الأرصاد تحذر من طقس اليوم    انقلاب سيارة ميكروباص أعلى كوبري الجيزة    رئيس مركز باريس بالوادي الجديد: رفع آثار تجمعات مياه الأمطار في درب الأربعين    ألفت عمر تعلق على جنازات منتجي سينرجي الأربعة    رامي جمال يشوق الجمهور لأغنيته الجديدة "مش عايشين"    «عالم خيالي».. طرح الأغنية الرسمية لمهرجان العلمين | فيديو    هايدي موسى: نفسي اتعلم إسباني وممكن نقدم ميكس غنائي يجمع الثقافات    بهاء الدين محمد يعلن مفاجأة ل شيرين سايس مع عمرو دياب (فيديو)    وزير خارجية إيران: سنستخدم حقنا المشروع لردع الكيان الصهيوني    مفاجأة منتظرة من محمد صلاح للاعبي الأولمبي.. إعلامي يكشف التفاصيل    عيار 21 يسجل رقما جديدا.. أسعار الذهب اليوم الإثنين في الصاغة بعد الانخفاض العالمي    سعر الطماطم والبصل والخضروات في الأسواق اليوم الإثنين 5 أغسطس 2024    بينهم طفلان، إصابة 5 في حادث مروري بالوادي الجديد    وفاة والدة لاعب الملاكمة ضحية نادي الترسانة    داليا البحيري عن دورها بفيلم السفارة في العمارة: مصدقتش نفسي لما الزعيم كلمني وعرض عليا الدور (فيديو)    وزير الزراعة: سيتم تنقية البطاقات الخاصة بالحيازات الزراعية لوصول الدعم لمستحقيه    انقلاب ميكروباص من فوق كوبري الجيزة وإصابات بين ركابه (فيديو وصور)    إقبال كبير من الطلاب وقيادات الجامعات على ملتقى ومعرض التعليم العالي EduGate    الجالية المصرية بالسعودية: الخارجية وافقت على تحمل تكلفة نقل المواطنين المتوفين لمصر    وزير الطيران عن شائعة بيع المطارات المصرية: حملة ممنهجة لتشويه صورة الدولة    إرضاء الفلاح.. يبدأ من هنا    عاجل.. كولر يهاجم إدارة الأهلي في المؤتمر الصحفي بسبب ملف الصفقات الجديدة    جامعة حلوان تستقبل 16785 طالب وطالبة منذ بداية اختبارات القدرات حتى الآن    المدارس التي تم قصفها تشرف عليها الأونروا والاحتلال يعرف إحداثياتها    حظك اليوم في 5 أغسطس 2024 لمواليد برج الدلو    قبل نتيجة الثانوية العامة 2024.. دعاء للنجاح والتوفيق «اللهم عوضني خيرًا واجعل آخر صبري رضا وجبرا»    الإفتاء توضح حكم صلاة التوبة ومتى وكيف تصلى    حسام حسني: كورونا لم يعد الخطر الأكبر.. وهذا الأمر هو التهديد الأكبر للصحة    «صحة الإسكندرية» تستضيف اجتماعًا تنسيقيًا مع مستشفيات القطاع الخاص لتنفيذ «الألف يوم الذهبية» (صور)    فوائد الفول النابت، يقوي المناعة والعظام ويخفض الكوليسترول بالدم    وزير الأوقاف: مهما توجهنا للعالم ستظل مصر مرتبطة بأشقائها الأفارقة    فى يومها الثالث.. حملة «100 يوم صحة» تقدم 3.5 مليون خدمة طبية مجانية    رئيسا جامعتي عين شمس والجلالة يشهدان انطلاق معسكر "تبدع باختلاف"    أمينة الفتوى ب«الإفتاء»: يجوز تغسيل الرجل لزوجته بدليل من السنة النبوية    رمضان عبد المعز: الاستخدام المفرط لكلمة "الطلاق" تعدي على حدود الله    أمين الفتوى: يمين اللغو ليس عليه كفارة «فيديو»    «مدبولي»: توجيهات رئاسية بتطوير الطاقة الإنتاجية المحلية من لبن الأطفال    نقيب الأطباء: رفع رسوم البورد المصري ل8 آلاف جنيه زيادة للأعباء المالية على الطبيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف خضع النيل للمصريين؟
نشر في التحرير يوم 16 - 05 - 2014

كدت أُولد فى أسوان لولا أن أمى -رحمها الله- أصرّت أن تلحق بقطار النوم لتضعنى فى الإسكندرية مسقط رأسها، وبقىَ أبى -رحمه الله- إلى جانب السد العالى حيث عمل سنوات قبل تحويل مجرى النيل وبعده ضمن 34 ألفا من المقاتلين المدنيين الذين خاضوا خلف القيادة السياسية معركة استقلال القرار وانتصار الإرادة المصرية وإخضاع الطبيعة لإرادة الإنسان.
وبقيت ذكريات وقصص تشييد السد العالى وتفجير الأنفاق ضمن أكثر ذكريات أبى الممتعة التى كنا نلتفّ حوله كلما تحين الفرصة لنسمعه وهو يكررها أكثر من مرة، إلى جانب ذكرياته فى فرقة المظلات الجوية، فإذا أعجبه انتباهنا -أنا وإخوتى- فتح ضلفة مكتبته وأخرج منها أَظُرفًا كبيرة قديمة ليؤمِّن على حكاياته بصور التقطها بنفسه وكتب على ظهرها أسماء زملائه والمواقع التى أُخذت بها. ومرت السنون وأصبحت أسوان عشقًا لى، ولم تنقطع زيارتى السنوية لها منذ الجامعة حتى الآن مع الأبناء، وكلما توقفتُ أمام توربينات محطة الكهرباء وأرقب خروج الماء أمام السد أكاد أنفذ بروحى وقلبى وراء ماكيناته العملاقة، أرى وأسمع ملحمة آلاف العمال والمهندسين الذين واصلوا الليل بالنهار لينجزوا أعظم إنشاء أُقيم على نهر فى القرن العشرين، وعندما أعيد قراءة السيناريوهات التى سجّلها الرموز المشاركون من ذكريات فى إنجاز القرن أكاد أسمع صوت أبى وأشعر بمزيد من الفخر لأنه شارك فى هذا الإعجاز «السد العالى»، كما يفخر أصدقاء لى بأن آباءهم شاركوا فى نصر أكتوبر، ولا أملك إلا الامتنان لأنه زرع بداخلنا هذا المزيج من حب الوطن والافتخار بالانتساب إليه، فقط بعمله الصادق المخلص فى كل موقع عمل به. اليوم تمر خمسون عاما منذ ذلك اليوم التاريخى لتحويل مجرى النيل فى 14 مايو 1964، والذى أذن بانتهاء المرحلة الأولى واكتمل فيها ترويض النهر العجوز وإخضاعه لإرادة الإنسان المصرى، فتحية وعرفان لكل من استُشهد داخل أنفاق قناة التحويل، خصوصا النفق رقم 1، وكل التقدير والامتنان «لبناة السد» الذين رفضوا أن يستريحوا لعشر سنوات قائلين: «الريس قال لازم الشغل يخلص فى الميعاد وكلمته سيف على رقابنا ح ننفذها لو كان الثمن إيه».
(1) قصة 39 جنيها تبرع بها عبد الناصر لبدء بناء السد
9 يناير 1960 لم ينم الآلاف من أبناء أسوان ليلتهم انتظارًا للاحتفال ببدء العمل فى السد العالى
ما بين التفجير الأول والتفجير الثانى نحو 14 شهرا رسمت ولادة حلم مصرى بعد مخاض صعب استمر نحو أربع سنوات من 1956 إلى 1960، مخاض عاش معه المصريون معارك سياسية للتمويل، وعسكرية وشعبية ضد العدوان الثلاثى، كلها مهّدت الأرض لمعركة أشرس وهى أن يثبت المصريون أنهم قادرون على إنجاز استحقاقات كل هذه المعارك.
فى 9 يناير 1960 لم ينم الآلاف من أبناء أسوان ليلتهم فى انتظار احتفال بدء العمل فى السد العالى، مئات العمال والمهندسين أنهوا حفر ست فتحات فى الجبل القريب من خوركوندى ووضعوا داخلها نحو تسعة أطنان من الديناميت، وعند الظهيرة قام الرئيس عبد الناصر بوضع حجر الأساس للمشروع وبداخله وضع صندوقا خشبيا به مصحف ولائحة هيئة بناء السد وعملات مصرية كانت فى جيب عبد الناصر بلغت 39 جنيها و34 قرشا، وعملات سورية ومغربية وضعها الرئيس السورى شكرى القوتلى والملك محمد الخامس اللذان حضرا التفجير الأول.
وعندما ضغط عبد الناصر على زر التفجير قذف الجبل أكثر من عشرين ألف طن من الصخور هزت جبال النوبة من حولها، وقبل أن تنقشع الأتربة بدأت الحفارات والبلدوزرات الضخمة السوفيتية فى نقل الركام ليبدأ العمل فى قناة التحويل التى ستحول إليها مياه النيل.
وخلال تفقده معرض النموذج المجسم للسد توقف عبد الناصر ليناقش مع العاملين فى المشروع تفاصيله وسألهم عن موعد انتهاء المرحلة الأولى -وهو يعلمه دون شك- ثم طلب منهم أن يحترموا هذا الموعد لأنه سوف يعلنه على العالم، وقد كان، إذ جعل العاملون كلمة الرئيس سيفًا على رقابهم.
أما التفجير الثانى فكان بعد خمسة عشر شهرا من التفجير الأول فى مارس 1961، عند الشلال الأول إلى الجنوب من أسوان حيث تم تفجير عشرين طنًّا من الصخور على الضفة الشرقية للنهر، لكن هذه المرة لم تصاحبها أى احتفالات مهيبة ولم يشهدها إلا بعض السائحين وأهل أسوان وعمال السد وذلك لحفر القناة الفرعية التى ستحوَّل إليها المياه لتؤمِّن انسياب المياه فى قناة التحويل بعد انتهاء السد.
المرحلة الأولى من السد العالى شملت حفر قناة التحويل وأنفاقها وإقامة بوابات السيطرة على المياه عند الجانب الداخلى للأنفاق وبناء سدَّين مؤقتين عند الطرفين الخلفى والأمامى للسد، وكان لازما الانتهاء من السدين فى موقعهما فى توقيت محدد، لترتفع مياه النيل فوق السد الأمامى وتتجه شرقا عبر قناة التحويل وتعود بعدها إلى مجراها الطبيعى إلى الشمال من السد المؤقت الخلفى الذى تنحصر مهمته فى منع انسياب المياه من الخلف إلى موقع السد على أن يظل النهر بين السدين هادئا للمرحلة الثانية وهى بناء السد الرئيسى.
وهنا نقف عند تقرير المستشارين الدوليين حول التصميم الذى وضعته مؤسسة «هوشتييف - دورتموند»، الذى ذكر نَصًّا «أن تحقيق المشروع يعتمد على ما إذا كان فى الإمكان تحويل مياه النيل إلى أنفاق التحويل دون المجازفة بانهيار السد المؤقت الذى يحمى موقع السد من خطر الفيضان فى أثناء وقت التشييد»، وبدا واضحا أن الحفاظ على الجدول الزمنى بدقة مهم للغاية نظرا لسلوك النيل، حيث تقرر انتهاء المرحلة الأولى فى مايو 1964، على أن لا يتجاوز بأى حال يوليو من نفس العام، عندما يصل الفيضان إلى أسوان، أما إذا حدث التجاوز فسيتعرض العمل فى الأنفاق وفى السدين المؤقتين لخطر التهدم ويتأخر استكمال العمل بصورة نهائية سنة كاملة.
ولم يكن ممكنا استكمال العمل فى التوقيتات المحددة إلا إذا تمت أعمال الحفر فى وقت واحد من الجانبين الأمامى والخلفى من قناة التحويل وفى الأنفاق وهو ما تطلب مضاعفة أعداد العمال من ستة آلاف فى بداية المشروع، ليصل إلى 34 ألفا عند تحويل مجرى النيل، لكنه أيضا اصطدم بعدم توافر القوة الكهربائية التى عطلت العمل بقوة فى بناء السد العالى حتى بدأ التوربين فى المحطة الأخيرة الدوران فى أبريل 1961، والتى تقرر تخصيص 20% من القوة التى تنتجها بصورة مؤقتة للسد العالى فأمنت القوة المحركة لكل عمليات السد العالى.
(2) مشاهد لخرشوف أمام سد أسوان العالي
لماذا أصر عبد الناصر على استقبال رئيس وزراء الاتحاد السوفييتى فى الإسكندرية بنفسه؟
مثلما كان تحويل مجرى النهر حدثا تاريخيا لعبد الناصر والمصريين، كان أيضًا علامة فارقة فى التاريخ السياسى لرئيس وزراء الاتحاد السوفييتى آنذاك نيكيتا خروشوف.. هكذا تخبرنا ثلاثة مشاهد رئيسية من الحدث التاريخى..
المشهد الأول: الإسكندرية 9 مايو 1964
وصلت إلى ميناء الإسكندرية الباخرة الروسية وعلى متنها خروشوف قادمًا من مقره الصيفى فى يالطا، وذلك بصحبة بعض أفراد عائلته، وبعض مرافقيه، إضافة إلى الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل.
على الباخرة، استمع خروشوف إلى تقارير فى إذاعة القاهرة عن زيارته، وافتتاح المرحلة الأولى من السد العالى، وسأل هيكل عن نوع الاستقبال الذى سيلقاه أكثر من مرة، وعندما اقتربت الباخرة من الإسكندرية طلب خروشوف هيكل لمقابلته، وكان مهمومًا بعد أن تلقى تقارير لا سلكية بأن الحكومة المصرية تقلل من شأن استقباله، لكن هيكل نفى ذلك وأكد له أنه ضيف عبد الناصر.
فى انتظار رسو الباخرة على الرصيف همس خروشوف لهيكل بأن عبد الناصر فى القاهرة، وأنه أرسل عبد الحكيم عامر لاستقباله، لأنه رئيس وزراء وليس رئيس دولة. ومرة أخرى أكد هيكل لخروشوف أن عبد الناصر لا يتقيد بالبروتوكول مع أصدقائه، وبعد دقائق وصل المشير عامر على ظهر قارب إلى الباخرة الروسية، فسارع هيكل بسؤاله عن الرئيس عبد الناصر فأجاب بأنه على الرصيف ينتظر فابتهج خروشوف، ثم تحول ابتهاجه إلى اندهاش واسع، عندما نزل إلى الإسكندرية لحفاوة الاستقبال الذى كان معدًّا له، وبهذه البداية قام بزيارة معالم القاهرة، قبل أن ينتقل إلى أسوان ليحضر اليوم التاريخى لتحويل مجرى النيل.
المشهد الثانى: أسوان 13 مايو
فنادق المدينة، أخليت من السائحين، الذين وُجِّهوا برفق لتجاوز أسوان، بينما خصص فندق كاتاراكت القديم والجديد للرئيس عبد الناصر وخروشوف والضيوف المرافقين لهما، بالإضافة إلى باخرتين أخليتا لاستقبال الضيوف، الذين توافدوا على مدى الأيام السابقة بالطائرات والقطارات.
بالفعل وصل عبد الناصر وخروشوف على متن اليخت «رمسيس» وصاحبهما الرئيس اليمنى عبد الله السلال وسط صافرات المراكب الصغيرة وهتافات الجماهير التى تصاعدت بشكل هادر، ثم سكتت فجأة للحظات إلى أن قام الزعماء الثلاثة بإلقاء بعض قطع الصخور، وقد نقشت عليها عبارات بالعربية والروسية عند الفجوة المفتوحة فى السد ليرمز لإغلاق الفجوة وعاد هدير الهتافات ينطلق بشكل جنونى.
واشتعلت سماء أسوان بالسهام النارية ترسم صورًا لعبد الناصر وخروشوف، بينما تحركت عشرات الشاحنات لتنفذ غلق السد المؤقت بالصخور، واصطفت بظهورها إلى السد ثم رفعت ظهورها القلابة لتفرغ حمولاتها بالفجوة. أما اليخت رمسيس فقد اتجه صوب الجنوب إلى خوركوندى لينزل الزعماء الثلاثة إلى قناة التحويل ويقود عبد الناصر الطريق عبر أحد الأنفاق حتى خرجوا عند محطة الكهرباء واستقلوا سيارة مروا بها عبر الجماهير الحاشدة. وبدا أن اليوم الأول مر بسلام، لكن فى انتظار اليوم التالى كانت هواجس المهندسين والعمال تتصاعد، لأن فتح قناة التحويل هو الاختبار الحقيقى لما أنجزوه طوال أربع سنوات من أنفاق ومنشآت، فهل ستتحمل محطة الكهرباء ضغط الماء؟
المشهد الثالث: 14 مايو
أغلقت الطرق من السابعة صباحًا واحتشد 34 ألف عامل ومهندس مع أهل أسوان على التلال والهضاب المطلة على القناة منذ الصباح، بينما أقلعت طائرة خاصة من القاهرة فى الخامسة فجرًا تحمل السفراء الأجانب وأعضاء مجلس الأمة، وبالفعل وصلوا واتخذوا أماكنهم، وفوق الأنفاق وداخل القناة وضع الحمام الأبيض فى الأقفاص. واللافت أن رؤساء السودان ودول حوض النيل غابوا عن المشاركة فى احتفالات هذا اليوم التاريخى. ورغم توقيع السودان على اتفاقية لتقاسم منافع وأضرار السد فإن رئيس السودان وقتها عبود اصطنع زيارة إلى شرق آسيا فى نفس توقيت تحويل مجرى النيل، رغم تلقيه الدعوة الرسمية من مصر، وقيل إن ذلك بسبب تجاهل الحكومة المصرية للسودان بعد توقيع الاتفاقية وعدم مراعاة مشكلات البحيرة الصناعية على الأراضى النوبية فى السودان. وبعد عدد من الكلمات لوزير السد العالى صدقى سليمان وعبد الناصر، ثم خروشوف ثم السلال ثم الرئيس العراقى عبد السلام عارف الذى وصل صباح نفس اليوم، ساد الصمت وتقدم عبد الناصر وخروشوف ليكبسا الزر الكهربى وانطلق الانفجار الأول وانطلقت معه سحابة أتربة وأسراب الحمام وخلال ثوان ظهر خيط من الماء الأصفر فوق السد المؤقت الأمامى وبدأت الرمال تنهار والماء يتدفق ليضغط على بوابات الأنفاق التى ارتفعت لتندفع المياه إلى الجانب الخلفى، ثم وقع الانفجار الثانى الذى فجّر السد المؤقت الخلفى، وخلال نصف الساعة كان النيل قد تم تحويل مجراه نهائيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.