في القرن الماضي، تعامل الفنانون مع شهر رمضان بكثير من التقديس حتي أن بعضهم كان يغير من عاداته طوال العام ليتعامل مع الشهر الكريم بشكل مختلف. ففي تلك الفترة كان عامة الناس يظنون أن أهل الفن أبعد ما يكونون عن الزهد والورع والتقوي ولكن الواقع كان في أغلب الحالات عكس هذا الاعتقاد. فزينب صدقي التي كانت دائماً ما تقوم بدور الفتاة المرحة اللعوب، كانت في رمضان شخصية مختلفة تماماً تواظب علي الصلاة وقراءة القرآن وتبتعد عن أي شئ يقلل من شأن العبادة وتنصت لآيات الذكر الحكيم. ولم تكن زينب تهتم بأمر مائدة رمضان كثيراً، بل كانت تترك شأن تلك المائدة لوصيفتها أم محمد. وكانت أيضاً حسبما يذكر بعض أقاربها مواظبة طوال الشهر علي زيارة بيوت الله. ونفس الكلام ينطبق علي نجاة وهي مغنية الثلاثينيات التي اشتهرت باسم "كوكب الدموع" فكانت مشهورة بصيام رمضان منذ سن مبكرة ولكونها من مواليد الشرقية، كانت تعرف بالكرم وبإقامة مآدب سخية في رمضان تخصص لكل طائفة من اصدقائها يوما من أيام الشهر، وكانت تخصص لمشايخ الطرق الصوفية يوم الجمعة اليتيمة. أما والدة المطربة نجاة فكانت تعد الفول النابت وتحشو به أرغفة الخبز وتمر بصحبة ابنتها علي أضرحة اولياء الله لتوزيعها علي الفقراء في رمضان. أما أمينه رزق، فمن أطرف ما يقال عنها أنها كانت تداوم علي طبقها المفضل وهو الخبيرة في رمضان. أما سهرات رمضان في بيوت أهل الفن في الثلاثينيات، فكان بعضها غريبا إلي ابعد الحدود ولعل أغربها كانت سهرات الممثلة الشهيرة عزيزة أمير التي لم يكن يحلو لها أن تقيم جلسات الزار إلا في شهر رمضان وبالطبع كانت تجزل العطاء للكوديات. أما الفنانة نبوية مصطفي فكانت سهراتها في رمضان علي النقيض تماماً، حيث كانت تلك السهرات تبدأ بصلاة العشاء ثم التراويح مع الحرص علي ارتداء ملابس بيضاء تغطيها من الرأس إلي أخمص القدمين. وبعد الصلاة تكون السهرة إما كوميدية أو درامية علي حسب نوع الفيلم أو المسرحية التي تراها في ذلك اليوم. أما سهرات الممثلة فاطمة رشدي، فكانت تأخذ طابعاً فقهياً حيث تقضيها مع الفقهاء ورجال الدين والمقرئين تستمع إلي آيات الذكر. الممثل الشهير حسين رياض كما يروي معارفه كان يقضي ليالي رمضان بصحبة الممثل الكوميدي بشارة واكيم في لعب الكونكان والدومينو الأمريكية حتي أخر الليل بينما كان يوسف وهبي يبدأ سهراته بعد انتهاء عمله في مسرح رمسيس متنقلا بين المنتديات الليلية، بينما كان الفنان سراج منير يقضي الساعات بحثاً عنه. أما المواقف التي تواجه الفنانين في رمضان فهي كثيرة منها ما رواه المخرج أحمد بدرخان عما حدث أثناء تصوير فيلم "إيمان" الذي بدأ تصوير مشاهده الخارجية في رمضان بإحدي العزب في منتصف نهار يوم حار. عند الاستراحة جاء أحد العاملين المفطرين بزجاجة ماء ليشرب منها. ووقفت الفنانة وداد حمدي لتمثل دورها ولكنها لم تستطع بعد أن جف لسانها وهي تري الماء ولم تفلح محاولات بدرخان لإقناعها بالافطار ليتم الانتهاء من المشهد. ورغم المحاولات المتكررة لتصوير مشهدها بعد الاستراحة عدة مرات، فشلت المحاولات مما اضطر الجميع إلي العودة في اليوم التالي لتسجيل مشهد لا تتجاوز مدته دقيقتين ولكن بعد التنبيه علي المفطرين بعدم شرب الماء أو التدخين أمام وداد حمدي. أما في فيلم "المصري أفندي" الذي لعب بطولته حسين صدقي أمام مديحة يسري، فقد فعل هذا النجم الذي عرف بأفلامه الأخلاقية مع مديحة يسري ما فعله كمال الشناوي مع كاميليا، حيث رفض تصوير مشهد لقبلة بينهما وأصر علي الرفض إلي أن بعث المخرج عاطف سالم بخطاب مع أحد الموظفين إلي جهة خاصة بالإفتاء للمشورة في أمر القبلة وجلس الجميع في أمر الرد الذي جاء مكتوباً من تلك الجهة بأن القبلة التمثيلية ليست حراماً. وبعدها وافق حسين صدقي علي مشهد القبلة في رمضان.