تطالعك صورته مؤخرًا أمامك في كل ركن، يضعها سائق الميكروباص من منطقة فقيرة، ويرتديها شاب عشريني على "تي شيرت"، وترى صورته بجانب جيفارا على لافتة إحدى المحلات في شارع جانبي، تعرف أن اسمه "بوب مارلي" ولكنك لا تدرك لما حظى هذا الرجل الثلاثيني ذو اللامح الأفريقية السمراء، بكل هذا الاحتفاء؟ روبرت نيستا مارلي، هو ابن الكابتن البحري "نورفال مارلي" الذي أحب تزوج من والدته و عمرها ثمانية عشر عامًا، ولكنه اضطر أن يهجرها بعد عام واحد من الزواج بعد أن تم فصلة من البحرية بسبب زواجه من "سوداء" لأنه كان أبيض، ليبدء بوب مارلي وهو ابن العام الواحد أن يعاني من أثر العنصرية الذي عانى منه الأفارقة في الماضي. لم تصبح تلك المشكلة الوحيدة فالطفل ذو البشرة الأفتح عن أصدقائه نظرًا لأصوله البيضاء نال سخرية أبناء الحي، بل إن احد أصدقائه، زعم أن الأصل الأبيض هذا هو الذي جعل جسد مارلي هشا عاجزا عن مقاومة سرطان الجلد والذي من الصعب أن يصيب الافارقة. انتقل بوب مع والدته إلى العاصمة في نيجيريا، ولكنه انتقل إلى إحدى الأحياء الفقيرة، التي ستشهد نبوغ الطفل مارلي في الموسيقى، لتجعل منه نابغة لن تتكرر، وستنطلق قصته إلى أرجاء العالم بأكلمه من العاصمة الفقيرة، وجد بوب مارلي من يشاركه شغفه بالموسيقى، حيث الصبية الصغيرة، التي تتذوق الموسيقى، كعالم جديد مبهر، لا يحوي إلا أحلامهم الوردية، في مدينة لم تكن تحملهم إلا عبء ثقيل. فبوب قد ترك دراسته، واتجه لممارسة اللحام، وقد بدء اهتم المغني الصغير أن يستمع للإذاعة نظرًا لعدم حصوله على المال الكافي لشراء الاسطوانات، ومن هنا أصبح شغفًا، يلجأ به كلما اشتد العالم من حوله. كون وهو مراهق فرقة مع أصدقائه ولكنها لم تلق نجاحًا، فبوب لم ينضج بعد، ولم ير العالم الذي من شأنه أن يغير نظرته لأشياء عدة. تزوجت والدته ، لتنتقل إلى أمريكا، ومنه تطلب من بوب أن يأتي هناك، لتصبح المدينة الكبيرة، هي تذكرة بوب لصنع أسطورة موسيقية بنكهة أفريقية، عمل بوب في البداية كعامل نظافة، ثم عمل في مصنع سيارات، وفي ظل هذا تعرف المغني الأسمر علي حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود في الولاياتالمتحدة، واكتشف حجم العنصرية التي يتعرض لها السود في البلاد الأمريكية، ليتحدث عن ذلك في أغانيه الريغي، التي نشأت في جمايكا، ليحولها بوب إلى أسلوب عالمي. ربما كل ذلك كان دافعًا للنجم الذي تأثر بالعنصرية، ليعتنق "الرسترفارية" وهي عقيدة دينية نشأت في جامايكا في العقد الثالث من القرن العشرين بواسطة حركة من الشبان السود تعتبر أفريقيا مهد البشرية متأثرين بدعوة القومية السوداء التي أطلقها الزعيم الجامايكي الشهير ماركوس كارفي. بعد هذه التجارب، اصبحت شخصية مارلي جاهزة لأن تقدم تراثًا موسيقيًا ولكنه يبدأ من جامايكا بعد أن عاد إليها، ليؤسس بالفعل فرقة "الوايلرز" التي تغنت بالثورية والحرية، والعدل، والفقر، دون أن تصبح كلمات ثورية رخيصة لمداعبة احتياج الشعوب، بل كانت نابعة من تجربة إنسانية حقيقية، رأت أن تواجه الظلم بالموسيقى. "كانت الموسيقى في نظري ولا زالت هي الحرية.. أغني لأشعر أني مازلت علي قيد الحياة.. أغني لأعلم الناس كيف يصنعون ثورة وكيف يرفضون أن يكونوا عبيدا لبشر مثلهم" هكذا قال بوب مارلي عندما تحدث عن الموسيقى، ومن هنا تدرك أنه شئ لن يتخلى عنه أبدًا، فبعد أن سافر صديقين من فرقته لأمريكا للبحث عن عمل مربح، نظرًا للعائد المالي القليل الذي حققوه من بيع الألبومات، ولكن عام 1971 بدأت سيرة مارلي في أن تكتسب طريقها إلى العالمية بعد أن كانت مقتصرة إلى حد كبير على جامايكا فقط، فقد ذهب لمكتب تسجيلات الجزيرة، وبعد صفقة رابحة من جانب مالكها كريس بلاكويل، وهو جامايكي من أصل بريطاني. نشر ألبوم "امسك النار" الذي تم تسويقه جيدًا، ليصبح بوب بعد رحلة غنائية كبيرة، ملك الموسيقى بالفعل، ليقدم عشرات الحفلات، ثم يقدم الأبوم الثاني "أسمك النار" وهو يعتبر من أشهر ألبومات بوب مارلي، والذي طغى على نجاح الألبوم الأول، ليغني بداخلة أغنية "آي شات ذا شيريف، التي لها نسخة عربية باسم أنا طخيت الظابط" الأغنية تعتبر من أشهر الأغاني التي لها مغزى سياسي كبير، قبل أن تحتوي حتى على طابع موسيقي خاص ببوب مارلي، والتي ظن منتجها أنها قصة حقيقة وأن مارلي قد أطلق النار بالفعل على شرطي، ليجيبه مارلي "بعضها حقيقي وبعضها لا!" يكتمل مشوار بوب بألبوم "رعب أنيق" الذي ضم أغنيته الرومانسية "لانساء لا دموع"وهي أغنية من أشهر أغاني أمريكا على الإطلاق، وتم استخدامها في عدة أعمال سينميائية أيضًا. أصدرت فرقة "الوايلرز" بعد ذلك عدة ألبومات حققت أرقامًا قياسية في المبيعات، ك"خروج، واهتزاز، ورجل الرستفاري، وثورة، وأسطورة" وعن الألبوم الأخير يقول منتج أعماله كريس بلاكويل إن مبيعات تسجيلات بوب بلغت 300 مليون نسخة تقريباً (أسطوانة، شريط) حتي عام 2000. تزوج المغني الشهير سبعة مرات، لينجب أحد عشر طفلًا، يكملون هم مشوار أبيهم الغنائي، بعد أن تمكن منه السرطان، الذي أصاب إصبعه، ورفض بوب أن أن يقطعه، نظرًا لاعتناقه "الرسترفارية" ليتوفي في يوم 11 مايو من عام 1981 بعمر ستة وثلاثين عامًا. لتمر الأعوام و يمنح عام 2001 جائزة غرامي، ثم ينقش اسمه على نجمة في شارع مشاهير هوليوود، وفي عام 2012 تم إنتاج فيلم تسجيلي عن حياة النجم الرحل، يعرض فيه محطات حياته، وكل ما مر به، ليخلد ذكرى الثائر والمغني، والمجدد، وملك موسيقى الريغي.