· الجماعة فضحت النظام وتحدت حصاره الإعلامي وأظهرت إيمانًا بالديمقراطية ثم صفعته بالانسحاب منذ عشرين عاما، وبالتحديد في انتخابات عام 1990 قاطعت أحزاب المعارضة باستثناء التجمع انتخابات البرلمان، مرت المعركة بجرعة العنف المعتادة، وكانت الحصيلة الإصلاحية صفر، استمر التزوير الكامل لدورتين متتاليتين واستمر معها ضعف المعارضة وذبولها، في حين قوي الحزب الحاكم قبضته الحديدية علي السلطة. هذا العام نادت أحزاب أخري ومنها الجبهة الديمقراطية وبعض القوي الاحتجاجية ككفاية و جبهة التغيير بالمقاطعة مرة أخري، باعتبار أن المشاركة في انتخابات غير شرعية يضفي عليها الشرعية، لم تستجب جماعة الإخوان للدعوة، كما رفضتها الأحزاب الأخري مع اختلاف الدوافع، فهناك أحزاب تورطت في صفقة أثبتت النتائج الأولية ملامحها، وهناك أخري أقصي طموحها أن تظل علي سطح الحياة السياسية بلا ثقل أو جماهيرية، وطفت علي السطح أسماء حزبية ظلت مغمورة لسنوات ولعل رئيس حزب العدالة محمد عبد العال مثلا الحاصل علي 30 ألف صوت في إمبابة لم يكن يطمح في المرور بجانب مبني البرلمان لمجرد التصوير. اختارت جماعة الإخوان المشاركة بأكبر عدد ممكن من المرشحين، اتهمها البعض بالانتهازية السياسية وإضفاء الشرعية علي انتخابات محسومة مسبقا خالية من ضمانات النزاهة، ورغم صدق التوقعات بل وتقلص أعداد الممثلين لها ، لم ينجح أحد علي قوائمها في الجولة الأولي ودخل جولة الإعادة 27 مرشحا فقط، قبيل إعلان الانسحاب من العملية برمتها، رغم ذلك كله إلا أن موقف الإخوان من المشاركة المبدئية عبر عن نضج ودهاء سياسي ملموس، مكنها من الحصول علي مكاسب عديدة منها: أولا": إثبات الوجود السياسي، فالانتخابات فرصة للتواجد في الشارع وإحراج النظام الذي يصفها بالحظر القانوني، وتواجد أعداد هائلة من الأعضاء والأنصار دليل علي شعبية الجماعة، وكلما ازدادت المواجهات عنفا زادت قدرة الجماعة علي الفضح، وإثبات التجاوزات، بما يؤهل الساحة لصفقات ومكاسب محتملة، قد تترجم علي هيئة تخفيف القبضة الأمنية أو تحرير بعض قياداتها من الاعتقال، ولعلنا نرجع إلي انتخابات دائرة زاوية غزال في الدورة الماضية، وكيف ساهمت الضجة المصاحبة لتزوير الانتخابات لصالح مصطفي الفقي في حرقه سياسيا، ولجوء الحزب الحاكم إلي تعيينه في مجلس الشوري بدلا من تكرار ترشحه في الدائرة ذاتها لمجلس الشعب، وهو الأمر نفسه الذي تجاهله سياسي بحجم البرادعي، ففي الوقت الذي كانت فيه انتخابات البرلمان فرصة لانغماسه في الشارع وكشف التجاوزات وعمليات التزوير، والاستفادة من الحنق الاجتماعي في كل الدوائر، بما يعزز من أصوات الإصلاح، ترك الرجل الجمل بما حمل وسافر للبرازيل!!. ثانيا:إتاحة فرص إضافية للضغط علي النظام: ففضح التجاوزات لم يقتصر علي المواجهات، بل امتد إلي صفعات عنيفة لعل أبرزها قرار الانسحاب من جولة الإعادة، فجمعوا الحسنيين فضح التجاوزات وإثبات التواجد من جهة، ومن جهة أخري قللوا من شرعيتها، وهو الأمر الذي فطن له حزب الوفد أيضا. ثالثا : تحدي الحصار الإعلامي، فالنظام فرض قبضة إعلامية صارمة، لم تعد تنعت الجماعة إلا بوصف المحظورة، سواء في وسائل الإعلام الرسمية أو الخاصة، آلاف القيود علي البث المباشر وحركة كاميرا الفضائيات الأجنبية، لكن الصدامات وعمليات التزوير، وثقت عبر ما عرف "بالمواطن الصحفي" أي من خلال إسهام الجمهور العادي وتصويره للأحداث بكاميرا الموبايل ونشرها في وسائل الإعلام الجديدة "New mediaكالفيس بوك واليوتيوب، وبظهور مرشحي الإخوان كخصم في دوائر عديدة للوطني سيصبحون أبطال كل الوثائقيات وأفلام المعركة، فيزيد جرعة التعاطف مع الجماعة، ويخسر النظام الحالي. رابعا: إظهار الإيمان بالديمقراطية؛ ففي وقت أظهرت فيه وثائق ويكيليكس عدم إيمان النظام المصري بالديمقراطية، واتهامها له بحث أمريكا علي تدبير انقلاب في العراق، والإيمان بفكرة المستبد العادل التي ثبت سقوطها، يشارك الإخوان في انتخابات برلمانية كوسيلة للتغير السلمي، ويستفيدون من كتلة الإسلام السياسي في العملية السياسية بدلا من تركها لتنظيمات أكثر عنفا كالقاعدة، أو أخري لا تؤمن بالعملية الحزبية برمتها كالسلفيين. سيخلو البرلمان القادم من الإخوان، هذه هي الحقيقة الآن، لكن تلك الجماعة التي شكلت حجر عثرة أمام الديمقراطية لعقود طويلة هاهي تكشف النظام الحاكم وتظهره أكثر تطرفا وعنفا وكفرا بالديمقراطية.