أنشأ مجموعة من الشباب في الفترة الأخيرة صفحة الكترونية على الموقع الاجتماعي "الفيسبوك"، داعيين فيها الى الثورة على شركات الإنترنت , لتردي سرعة الخدمة , وإرتفاع الأسعار , وسوء خدمة العملاء , وكلها أسباب نعاني منها جميعا كل يوم , من منا لم يجلس يوما أمام شاشة الكمبيوتر منتظرا لنصف ساعة على الاقل , حتى يتم تحميل فيديو قصير لا يتخطى ال 10 دقائق من متصفح "اليوتيوب" ؟ ، أو إنتظار قرابة اليوم حتى يتم تحميل فيلم أجنبي , أو حلقة لمسلسل أو برنامج ؟ ومن منا كان في حاجة ماسة الى الإنترنت من أجل متابعة أعماله أو لإرسال رسالة مهمة فوجد الخدمة منقطعة دون سبب واضح , وعندم محاولة الاتصال بخدمة العملاء، يكون موظف الخدمة غير مؤهل لوظيفته تماما , " أغلق الروتر , أفتح الروتر , قم بإعادة تشغيل الجهاز , النتيجة النهائية , العيب من عندك يا فندم! " . نعم يحتاج الامر إلى ثورة حقيقية , ونحتاج إلى أن نتخطى طور السلحفاة الذي نتحرك به في كافة المجالات , ولكن دعونا نسأل انفسنا بصراحة شديدة , في ماذا سنستخدم خدمة الانترنت السريعة التي ننشدها ؟ فالإحصائيات السنوية التي تقوم بها بعض المواقع الالكترونية كمتصفح جوجل تشير إلى نتائج مضحكة نعرفها جميعا , كأن تكون أعلى نسبة بحث قام بها المصريون لهذا العام هو آسم الراقصة "صوفي نار" , فهل نريد الإنترنت السريع رخيص السعر من أجل تحميل المزيد من الفيديوهات و الافلام والألعاب الالكترونية فقط ؟ هل نحتاجه كمخدر نهرب فيه من أوجاع واقعنا ككبسولة زمنية تفصلنا عن عالمنا أكثر وأكثر ؟ هل نريد تحسين خدمة الانترنت لنصنع شيئا مختلفا ولنضيف , أم لنغرق فيه كلية ؟ هذا هو السؤال. منذ آسبوعين تقريبا قام "مارك زوكربيرج" مالك ومؤسس "الفيسبوك" بشراء برنامج "الوتساب" بمبلغ فلكي يصل إلى "19 مليار" دولار , وفي اليوم التالي انقطعت خدمة "الوتساب" فظن مستخدميه أنه قد أنقطع الى الابد , فامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بالاحتجاجات الصاخبة , متهكمين ومطلقين النكات على إغلاق "الوتساب" حينا , أو غاضبين لاعنين لمارك حين آخر, ولكن ما لفت انتباهي حقا ان الموضوع كان يشبه أعراض إنسحاب المخدر من دم المدمن , فعندما عادت الخدمة لتعمل مرة اخرى في صباح اليوم التالي اختفت الاحتجاجات و النكات تماما , و نسينا امر صفقة "الوتساب" مادام يعمل , من مالكه ولماذا اشتراه هذا امرا لا يعنينا مادامت الخدمة قائمة , ومادمنا غارقين في حالة الخدر السهل كمستهلك يحترف كل اخلاقيات الطفيلية , و بينما يتحدث العالم لغة الابتكار مازلنا نتحدث لغة الاستهلاك في سعادة بالغة و جدارة منقطعة النظير , ليس هذا فحسب بل ونقوم بتنظيم الثورات لتحسين ظروف وشروط الاستهلاك ايضا . دعونا نسأل انفسنا مرة اخرى , ونكون امناء مع انفسنا في الاجابة , هل هذا كل ما نطمح اليه حقا من وراء ثورتنا على تردي خدمة الانترنت ؟ ان نحسن حالة وشروط الاستهلاك فحسب ؟ اذا كانت الاجابة بنعم , فنحن في حاجة ماسة الى ثورة على انفسنا , و على خنوعنا و قلة حيلتنا , على جهلنا وسوء تعليمنا , ثورة حقيقية , تجعلنا نصنع , نبني , نغير , نطور , نبدع ونبتكر .