قرأت في جريدة «صوت الأمة» المحترمة في عددها الصادر يوم 24 أكتوبر الماضي موضوعا مطولا للعميد محمود قطري، قام خلاله بتوجيه نقد وعبارات اعتبرتها كقارئ عادي سبا وقذفا في حق جميع العاملين والمنتمين لوزارة الداخلية كما اشعرتني بصفتي ضابط شرطة سابقا بإهانة شديدة لشخصي والمهنة التي عملت بها والكيان الذي انتميت إليه سنوات طويلة.. فقد جعلني استرجع تاريخي وما قمت به من عمل في الجهاز الهام وأنا اتساءل عن سبب قيامه بتعمد هذه الإهانات. فقد تضمن الموضوع عددا من الاوصاف والألفاظ لو وصفت بها أي جهة أو فئة من المجتمع المصري، سواء كانت هذه الجهة أو الفئة أعلي أو أدني شأنا من الشرطة المصرية، فإني اثق في أن الدنيا كانت ستقوم ولن تقعد ، وكان من المؤكد أن يظهر من يستنكر مثل هذا التجاوز غير اللائق وكان من الضروري أن يظهر علي الساحة من يقف ليرد ويوضح الحقائق.. وحتي لانتعمق في حديث مسترسل دعني أذكر بعض العبارات التي ذكرها السيد العميد أثناء حديثه عن الشرطة والعاملين بها. فقد وصف العميد ضباط الشرطة بالقول «غير مسموح لاي منهم أن يفتح فمه.. فهم كالطيور الخرساء التي لاتجد طعاما وليس لها صوت يمكنها من الشكوي والصراخ..» «وإن كنت أدافع عن هؤلاء الأفراد المساكين مكممي الأفواه فلي الشرف في ذلك» و «إن الضابط مش لاقي يأكل فعلا وليس علي سبيل المبالغة..» و «هل تطمع بعد كل هذا في أمل من وراء هذا الجائع؟ وهل يستطيع هذا الجائع أن يمنح أمنا..» و«الشرطة حاليا جابت الزيت علي المية وباظ موتور الشرطة، وأصبح يحتاج إلي عمرة..» كل هذه الأوصاف غير الحقيقية وصف بها السيد العميد ضباط الشرطة المصريين هذا فضلا عن بعض عبارات التحريض التي وجهها لهم ناصحا إياهم بأن يقوموا بالإضراب مثل باقي فئات المجتمع التي أضربت للحصول علي حقها وذلك كان واضحا في قوله «ليس هناك بادرة أمل.. والمشكلة أن حكومة الدكتور نظيف تحتاج إلي من يلوي ذراعها.. لكن اللي ما بيتكلمش وملوش صوت.. سيبك منه..» وبات يسخر الكاتب مما يقال عن أن عمل الشرطة أقرب إلي الرسالة وقال «الشرطة لا يؤدون رسالة مثل الأنبياء والأولياء!!!! بمعني أن القيادات تطلب من الضباط والأفراد أن يعيشوا عيشة التقشف مثل الرهبان في الأديرة.. الحقيقة أنهم شياطين.» وقد تناول السيد العميد في موضوعه بعض الأمثلة والعبارات التي تشير إلي استغلال ضباط الشرطة للوظيفة في التربح المحرم ولا أعلم من أين أتي بهذا اليقين الذي ذكر له الأمثلة وإن كان في الواقع ما يشير إلي وجود حالات انحراف فانها بالتأكيد حالات فردية مثلها مثل الحالات الموجودة في أي قطاع آخر من قطاعات المجتمع، ولكن أسلوب العميد وطريقته في العرض جعلتنا نتصور أنه يتحدث عن عصابة وليس عن الهيئة التي تحمي أمن الوطن حيث قال ما نصه «الحقيقة أن هناك انحرافات تسللت رويدا رويدا إلي الضباط ولم ينتبه إليها أصحاب الملايين من القيادات.. وهي أن عددا كبيرا من الضباط أصبحوا مثل أمناء الشرطة بيأخدوا خمسة جنيهات وعشرة جنيهات..» كما تحدث السيد العميد عن قيام مجموعة معلوم لديه أفرادها بارتكاب جريمة تعاطي المخدرات والرشوة عند قيامهم برشوة بعض أفراد الشرطة لعدم ضبطهم متلبسين بحيازة المخدرات.. وإننا لنري في هذا الموضوع ضرورة ابلاغ السيد العميد للجهات المختصة لما لديه من معلومات حتي لا يفلت مجرم معلوم من العقاب، فلا أحد يقبل الخروج علي القانون ولا يمكن أن تمر الجرائم مرور الكرام، واعتقد أن شرف انتمائه لهيئة الشرطة يوجب علي ضميره المبادرة بإظهار الحقائق والدفاع عن القانون.إنني كمواطن مصري وضابط شرطة سابق وبعد عرضي لما تضمنه موضوع السيد العميد محمود قطري من تجاوزات ضد الشرطة أود أن أوضح مجموعة من المعطيات وأن أضعها أمام القارئ أولا: أن التهكم علي رمز السلطة «بالمعني الإيجابي» وليس السلبي، أمر يسئ إلي الدولة بالكامل. ثانيا: ذكر عبارات تحقر الجهاز الذي أوكلنا إليه مسئولية أمن المجتمع يمثل تطاولا علي المجتمع بالكامل، فضلا عن تأثيره النفسي السلبي والمحبط علي العاملين في الشرطة. ثالثا: التهكم علي مثالية رسالة الشرطة أمر مخز لأن من رجال الشرطة من يقتل علي خط مواجهة مع اعداء الأمان.. ومنهم كثيرون يستشهدون في مأموريات يدافعون فيها عن الأمن ويحمون فيها المجتمع من الجريمة. رابعا: فكرة التحريض علي التمرد غير منطقية ولا يمكن أن تمر دون الوقوف أمامها وتأملها وابعادها والمستهدف منها والمصلحة التي تصب فيها. إنني أكتب هذا المقال اليوم ليس في مواجهة كاتب آخر وإنما انطلاقا من شعوري بالولاء لوطني واعتباري ضابط شرطة خدمت وطني من خلال هذه المؤسسة التي تحمي الأمن الداخلي للوطن مدة عشرين عاما وأنا هنا أيضا لا أدافع عن وزارة الداخلية، ففيها ويجب أن يكون من يدافع عنها ويتصدي بالقانون لكل من يسئ لها، ولكني أكتب وقد استفزني المقال ومساحة التطاول به علي هذه الفئة من ابناء هذا الوطن والذين لا يمكن تحت أي ظرف أو اختلاف أن نسحب منهم هذا الشرف أو نخرجهم من تحت مظلة الوطن ونعاملهم باعتبارهم شياطين يمشون في الأرض فسادا. فلقد اختلطت المفاهيم في مصر وأسيئ فهم حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير بل ومفهوم الاختلاف أيضا فقد أصبح التجاوز في القول واحيانا الفعل يتم تبريره بأنه حق لمرتكبه دون النظر لحقوق غيره وبات الاختلاف يدفعنا إلي التجريح والقاء الاتهامات لمن نختلف معهم جزافا دون تقيد بمعايير أو قواعد واعتقد أن هذا الاختلاط والفهم الخاطئ لحقوق الانسان من أسوأ آفات المجتمع المصري. والسؤال الآن هو: هل الشرطة بها سلبيات؟ نعم بها سلبيات، ولكن هل هناك قطاع في مصر لا يعاني من السلبيات؟ بالطبع لا. وهذا يعني أن وجود بعض السلبيات في الشرطة لا يمكن أن يكون مبررا لاستباحة الجهاز بالكامل، كما أن وجود بعض التجاوزات تحدث من بعض العاملين بالشرطة فهذا ليس مبررا لان نوصم جميع العاملين في الشرطة بما ليس فيهم. علينا وعلي المجتمع وعلي كاتب الموضوع أن نكون محقين فيما نقول ونتحري الدقة والصدق وعلينا أن نكون منطقيين فيما نعرض وأن تسودنا روح الموضوعية والحرص علي تحقيق صالح الوطن ونحن نقدم النصيحة. إن الذي يعمل في وزارة الداخلية بشرف يؤدي واجبه تجاه الوطن بإخلاص ويعرض حياته للخطر متقاضيا راتبا لا يوازي ما يقوم به من عمل خاصة في تلك الظروف الصعبة فيجب أن نشد علي يده ونوجه له الشكر حتي يتأكد من أن المجتمع يقدره ويقدر دوره فيكمل العطاء.. أما توجيه النقد والسباب والمصطلحات الخارجة والجارحة مثل التي ذكرت في موضوع العميد فانها تحبط الجادين وما أهمهم بالنسبة للوطن. إنني لا أعرف لماذا لم تعلن الداخلية موقفها ممن أساءلها.. ولكن أؤكد أن ولاء العاملين بالجهاز وللجهاز والدولة يتضاعف بالشعور بالفخر وبقوة المؤسسة في الدفاع عن المنتمين لها في الحق. فإذا كانت الشرطة تقدم من يخطئ فيها ويتجاوز القانون للمحاسبة وفقا لما ارتضته الدولة من قوانين فلا أقل من أن تستخدم الشرطة ذات القوانين في التصدي لما يسئ لها ويخدش هيبتها واحترام أعضائها.. فان الدول تحترم باحترام شعوبها وولائهم لها. ولكي أختصر الحديث.. فإني بالرغم من توافقي مع الكاتب علي ضرورة تحسين أحوال العاملين في وزارة الداخلية ومنحهم حوافز لتحسين الأداء وتوفير كل ما من شأنه تحقيق طفرة في مجال الأمن حرصا علي صالح الوطن والمواطن.. فإني أختلف معه بشدة في التناول والعرض وأري أن ما قام به يعد تجاوزا يصل إلي درجة الجرم في حق المدافعين عن الحقوق والساهرين علي أمن الوطن ويوجب علي القائمين علي العمل بها اتخاذ موقف تجاه ذلك ليؤكدوا للشرفاء العاملين معهم أنهم ضد التجاوز في حق الشريف إعمالا لقيم المساواة والعدالة وحقوق الانسان. وأخيرا أود ألا يفسر مقالي هذا علي أنه دفاع عن وزارة الداخلية لان الوزارة بها من هم أقدر مني علي ذلك ولكني حاولت أن أوضح بعض الحقائق التي تاهت في وسط مصطلحات بات لها مدلولات قاصرة فحقوق الانسان ليست قاصرة علي أخذ حقوق الشعب من الشرطة ولكنها تعني حقوق الانسان بصورة عامة وحقوق المواطنين بمن فيهم المنتمون للشرطة. وأستغل هذه الفرصة لأنادي بتحسين أحوال العاملين في وزارة الداخلية وأطالب السيد حبيب العادلي وزير الداخلية بالحسم تجاه من يخطئ أو يخالف القانون سواء داخل الشرطة أو خارجها. ضابط شرطة سابق أمين عام جمعية الشرطة والشعب لمصر