تعرضنا في الجزء الأول لأهمية حرب غزة كنقطة تحول في الكفاح الطويل بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية ،مع تحليل لأداء المقاومة الفلسطينية في استخدام الصواريخ أثناء العملية الذى اطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم "حجارة السجيل". نتعرض بالتحليل فى الجزء الثانى لآداء الجانب الإسرائيلى فى مواجهة صواريخ المقاومة الفلسطينية أثناء العملية التى أطلق عليها " عامود السحاب."الرد الإسرائيلى ضد الهجمات الصاروخية من قبل المقاومة الفلسطينية في غزة شمل الضربات الجوية والدفاعات السلبية الفعالة, وللمرة الأولى تستخدم منظومة القبة الحديدية للدفاعات الجوية المضادة للصواريخ. العمليات الهجومية شملت ضربات وقائية ضد مواقع تخزين وإطلاق الصواريخ متوسطة المدى ومحاولة استهداف أطقم إطلاق الصواريخ ومراكز القيادة والسيطرة, وتوجيه النيران المضادة ضد منصات إطلاق الصواريخ. ومن الملاحظ أن الضربات الوقائية كانت الأكثر فعالية من إجمالي الوسائل الدفاعية الإيجابية والسلبية للجانب الإسرائيلي، والذي وضح تأثيرها في الإنخفاض النسبي في استخدام الصواريخ متوسطة المدى من قبل المقاومة عقب الهجمات المضادة من هذا النوع. مع العلم أن هذا النوع من الضربات المضادة على المواقع التي تطلق منها المقاومة الصواريخ لم تكن بالكثافة والفاعلية الكافية, ربما بسبب رغبة إسرائيل في الحد من الخسائر بين المدنيين الفلسطينيين والأضرار المصاحبة لقذف المناطق السكنية حيث توجد العديد من منصات إطلاق الصواريخ بين المناطق السكنية، ويأتي هذا الحرص من الجانب الإسرائيلي لتجنب غضب المجتمع الدولي من ارتفاع أعداد القتلى من المدنيين الفلسطينيين. الدفاعات السلبية الإسرائيلية شملت نظام الإنذار المبكر الذي كان فعالاً للغاية في إعطاء المدنيين وقتاً كافياً للوصول إلى الملاجئ. والواضح أنه من غير المؤكد سقوط صاروخ واحد في إسرائيل دون تحذير مسبق. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك عدة نقاط ضعف ظهرت تحتاج إسرائيل لمعالجتها قبل أن تتورط في حرب مقبلة, على سبيل المثال السيطرة على حشود المدنيين المحتشدين للمشاهدة بالقرب من مناطق سقوط الصواريخ والمناطق القريبة من بطاريات صواريخ القبة الحديدية، مثل هذا السلوك يمكن أن يسفر عن قتلى خلال الهجمات الصاروخية في المستقبل وخاصة في حالات إعادة القصف الصاروخي لنفس المناطق من مواقع أخرى. من المعالم المميزة لحرب غزة "عامود السحاب " الاستخدام الواسع النطاق للقبة الحديدية التي تم تطويرها في وقت قياسي حيث تم بدأ تنفيذ المشروع عقب حرب لبنان 2006 "في أربع سنوات فقط". حيث انضمت البطارية الأولى من منظومة الصواريخ للخدمة في ابريل 2011, حيث تحملت إسرائيل تكاليف تطوير وإنتاج اول بطاريتين بتكلفة 20 مليون دولار أمريكي للبطارية بالإضافة لتكاليف البحوث العلمية والتطوير ولكن الولاياتالمتحدة تحملت تكاليف إنتاج باقي بطاريات المنظومة. والجدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية برئاسة اوباما دعمت المشروع عام 2009بمبلغ قيمته 275 مليون دولار أمريكي ومبلغ 680 مليون دولار عام 2012. ويرى بعض الخبراء أن القبة الحديدية أثبتت فعالية وكفاءة كونها خيار منخفض التكلفة للدفاع عن إسرائيل من الهجمات الصاروخية. وقد بدأت القبة الحديدية بأربع بطاريات صواريخ كانت تعمل قبل بداية حرب غزة والبطارية الخامسة دخلت الخدمة خلال العمليات العسكرية للدفاع عن تل أبيب وسط حالة من الجدل واعتبار ذلك مقامرة نظرا لضيق الوقت اللازم لنشر المواقع وتدريب الأطقم مع الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل تحتاج ل 13 بطارية من هذا النوع لتوفير نفس الدرجة من الدفاع ضد الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى لكامل الاراضى المحتلة. وقد نجحت بطاريات الصواريخ الخمسة في اعتراض وتدمير 421 صاروخ (أو 84 % من إجمالي التهديدات من الصواريخ أرض/ أرض) باستخدام 500 من الصواريخ الاعتراضية بكفاءة 1,2 للصواريخ الاعتراضية في (مقابل كفاءة2,2 خلال الاشتباكات في مارس 2012 حيث تم اعتراض 56 من اجمالى 71 صاروخ باستخدام 123 صاروخ مضاد). وهذا يعكس التطور في إمكانيات المنظومة وارتفاع نسبة الإصابة ،بالرغم من تطور التكتيكات الفلسطينية المضادة في استخدام الصواريخ مثل استخدام المسارات المنخفضة في إطلاق الصواريخ والمناورة العالية بالنيران واستخدام النيران المركزة على نقطة ونقلها إلى نقاط أخرى والإطلاق من أكثر من نقطة على نفس الهدف. وطبقا لتصريح منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية أن القبة الحديدية قادرة على التعامل مع دفعتين كاملتين في نفس الوقت وأن هذا احد الأسباب الرئيسية لتفضيل نظام القبة الحديدية على الأنظمة الأخرى الغير قادرة على التعامل مع أكثر من صاروخ في المرة الواحدة. في حرب لبنان 2006 تعرضت إسرائيل لحالة وفاة لكل 75 صاروخ تم إطلاقه عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية بأجمالي 44 قتيل من المدنيين لكن القبة الحديدية نجحت في تقليل هذا العدد بشكل كبير حيث تراجع إلى حالة وفاة لكل 300 صاروخ، علاوة على ذلك فإن تكلفة 500 من تلك الصواريخ الاعتراضية 25 مليون دولار, قادرة على الدفاع المضاد للصواريخ في مواجهة 1500من الصواريخ مما يؤكد أن الدفاع الصاروخي باستخدام منظومة القبة الحديدية يعتبر فعال بشكل جيد من حيث التكلفة مقارنة بالقدرات الدفاعية له. بناءاً على تحليل جميع طرق رد الفعل الإسرائيلي باستخدام العمليات الهجومية والدفاع النشط والدفاع السلبي اعتقد أنها نجحت في تحقيق إستراتيجية إسرائيل في الصراع مع المقاومة الفلسطينية والتي تعتمد على الاتى: * توفير القدرة لإسرائيل للدفاع عن أراضيها ضد الصواريخ . * الوفاء بأهدافها المعلنة من حيث تقليل الإصابات والاضرار. * توفير فرصة لالتقاط الانفاس وتجنب العمليات البرية. وأخيراً أرى أن هذه الإستراتيجية تعد الأنسب في مواجهة العقيدة القتالية للمقاومين الفلسطينيين التى تعتمد على الصواريخ والمقذوفات بأنواعها. مع التركيذ على الدفاع النشط باعتباره ركيزة اساسية فى قدرة اسرائيل على التفوق فى حروبها السابقه والذى عنصر الحسم ايضا فى حرب غزة, وقد تسعى اسرائيل لتطويره استعدادا لصراعات وحروب المستقبل. عميد مهندس متقاعد/ سمير راغب محلل سياسى واسترتيجى