ياما كان فى نفسى أن تكون كلماتى مغايرة لواقعنا المر الذى نعيشه.. ولكن صباحنا وليلنا وشمسنا وقمرنا.. حتى هواءنا أصبح لهم مذاق وطعم المر بل العلقم والحنظل.. ماذا نحن فيه الآن..؟ نخبة من أطفالنا زهور حياتنا.. تحصد بجهل وغشم ولا مبالاة ولا مسئولية ولا دم.. تحصد.. تدهك.. تدهس.. تصهر بين حديد قطار وحديد أتوبيس.. وهم فى قمة نشوة غنوة يغنوها سويًا فرحين برحلة يومية يقومون بها ذهابًا وإيابًا طلبًا لعلم قالوا عنهم فيه إنهم كانوا نجباء فى طلبه فبعضهم ابن الثامنة الذى قيل عنه إنه كان حافظاً لثمانية عشر جزءًا من القرآن الكريم.. وغيره نماذج رائعة.. زهور نبتت فى أرض صعيدية.. ونحن نقول صعيدية لنستحضر الصورة.. صورة القسوة المعيشية التى عاشوها.. حيث القليل.. وقليل القليل.. أليسوا فى الصعيد؟ ومع ذلك.. كان الأمل يدفعهم لطريق العلم لينبغوا فيه.. ولكن لأن الإهمال هو رائدنا وهو سمة أصبحت تملأ حياتنا.. أبى واستكبر هو ومن يمثلوه.. إلا أن تموت تلك البراعم ولا تكبر ولا تنمو ولا تتفتح.. ومع الزمن سوف يطويهم ويطوى النسيان ذكراهم.. ويعود.. «أبوك عند أخوك».. كما تقول الأمثال ألم ننس واقعة قطار الصعيد الذى احترق بمن فيه وراح فيه عدة مئات من الضحايا الذين ذهبوا فى أجازة عيد لبلادهم فأكلهم القطار؟ وساعتها أخذت الصحف فى الهياج والتعليقات ومثلها برامج التليفزيون وهات يا كلام عن الإهمال والأسباب.. ونقص الجرارات.. والعبث بالجزرة.. الجزرة.. وأن هناك من المتسطحين على ظهور القطارات من يعبثون بها فيوقفون القطارات.. ويتعثر سيرها.. جزرة؟ أى والله.. وعلى رأى فاتن حمامة فى فيلم الحرام «جدر البطاطا كان السبب يا ضنايا» نقول نحن هنا الجزرة هى السبب يا ضنايا وشر البلية ما يضحك.. وإن كان ضحك مر كالبكاء.. المهم نعود إلى فضيلة أو رذيلة النسيان.. ألم ننس أيضاً فاجعة العبارة.. وشهداء فاقوا فى عددهم 1800 شهيد؟.. ومنظر الطفل الذى التقط بعد ساعات الهلع والفزع وتوقع الموت فى ظلمة الليل وتلاطم الأمواج.. وهات يا كلام واتهامات.. وعلى من نطلق الاتهامات القبطان..؟ أم الشركة التى دفعت ضمن أسطولها البحرى بعبارات فاقدة الصلاحية.. وخارجة من الخدمة منذ سنوات..؟ ورائحة العفن والرشوة والمصالح الفاسدة بين أصحاب السفن وناس تقبع الآن فى ظلام السجون.. لأن الله سبحانه وتعالى لم ولن يضيع حق مظلوم ولو طال به الزمن.. فما بالنا لو كان شهيدًا؟ ألم يطو النسيان مثل هذه الفواجع؟ ألم ننس حريق مركز شباب بنى سويف ألم ننس فاجعة طائرة مصر للطيران التى هوت بركابها بعد إقلاعها من نيويورك بعد نصف ساعة وهات يا صحافة وهات يا كلام.. وكما قالوا فى واقعة العبارة.. القبطان هو السبب.. فى الطائرة قالوا الطيار هو السبب.. كان عاوز ينتحر وخد الناس معاه.. حكايات سخيفة وطعمها مر.. ولكنه النسيان الذى لا ندرى إن كان نقمة أم نعمة؟ ياما كان فى نفسى أن أتناول شيئًا يدعو للبهجة فالمر قد بلغ الحلقوم.. والكل يقول ماذا بعد؟ ماذا بعد أن ننسى أطفالنا ونأكل ونشرب ونخرج ونتسامر وتمضى الحياة بنا فى مجراها الطبيعى.. وكذلك المتسببون فى هذا الفعل فيمارسون حياتهم بدم بارد.. ووجه ثلجى الملامح.. قائلين وماذا فى ايدينا سوى المكان فنتركه وعليكم انتم أيها المحتجون أن تديروه.. وإليكم الاستقالة. وهل الاستقالة هى الحل..؟ أنا أرى أن هذا السيد المستقيل وغيره من السادة المستقيلين من ذات المكان فى وقائع مماثلة.. «يجمعون ومعهم نفر» من أهل الخبرة محليًا وعالميًا فى ذات الموضوع.. للخروج من مأزق الانهيار الذى أصاب هذا المرفق.. مرفق النقل والسكة الحديد على وجه الخصوص. قد يسأل سائل وما أهمية هؤلاء وقد فشلوا وتجربتهم معروفة ومحكوم عليها بالفشل من واقع التجربة والنتائج..؟ ولكننى أرى أنهم عايشوا المكان ويعرفون أوجه القصور.. وقد تكون لديهم أفكار لحلول حالت بينهم وبينها الإمكانيات مع بعض الأفكار التى يمكن أن تدفع للحوار السريع المدروس والمعزز بإمكانيات التنفيذ.. ليس الإقصاء أو الاستقالات.. هذه خطوات انفعالية لزوم امتصاص غضب الشارع.. غيروا الأسلوب يا سادة.. وابعدوا شبح النسيان لأنه مريح ويخفف من وطأة الآلام.. آلام الاحداث.. وتذكروا.. فإن الذكرى تنفع المؤمنين.. هذا لو كانوا مؤمنين.. وكما يقولون فى الأمثال.. شر البلية ما يضحك والضحك هناك طعمه مر كالبكاء سواء بسواء، قالوا وقت الحادث.. كل طفل توفاه الله.. سيمنح أهله أربعة آلاف جنيه.. ثم تداركوا الأمر لسخافته وقالوا.. لأ.. خمسة.. خمسة آلاف. يا ناس.. القلوب محروقة وأرواح الناس بتنزف حزن ولوعة وهم رافضون كلامكم. وفيهم ناس زادهم الخالق صبرًا على صبر.. مثل الرجل الصابر المحتسب الذى فقد أربعة أبناء دفعة واحدة ومعهم ابنة أخيه وكانت فى ولايته فصار همه فى خمسة ضحايا.. يا ترى حاتحسبوهم له بكام؟ ما دامت الأمور تحسب بهذا الشكل وفى هذه التوقيتات الحارقة للقلوب..؟ ودعونى أكمل الصورة.. صورة المحافظ الدكتور «يحيى كشك» محافظ أسيوط وهو يقول لقد أوصل المبلغ.. مبلغ التعويض إلى أربعين ألف جنيه للمتوفى. المحافظة 5 ووزارة التنمية 10 آلاف ووزارة النقل 20 وبنك ناصر 5 والمجموع 40 ألف جنيه يا بلاش والله ولا مال الدنيا يعوض أهلهم عنهم.. وبطلوا كلام فى الفلوس ونظام «عدس بترابه وكل شىء بحسابه» الحكاية ليست بكام ممكن نتداوى الجراح. فهذه أوجاع لا يداويها سوى الخالق.. والضمير والجدية والنظر الحقيقى فى أمر علاج أصل هذه الكوارث حتى لا تتكرر.. وستتكرر.. لأننا نحن.. نحن لا نتغير «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» صدق الله العظيم. وياليتنا نتغير. تم نشره بالعدد رقم 624 بتاريخ 26/11/2012