وزير الدفاع يتفقد قوات المظلات والصاعقة ويمر على ميدان الاقتحام الجوي وجناح القفز    «النقد الدولي» يبقي توقعاته لنمو الاقتصاد المصري عند 4.1% في 2025 (تفاصيل)    وزير المالية من واشنطن: 3 أولويات لتعزيز البنية المالية الأفريقية في مواجهة التحديات    حزب الله يعلن شن عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    موسيالا يعود لقائمة بايرن ميونخ ضد برشلونة فى دورى أبطال أوروبا    رونالدو وماني في الهجوم، تشكيل النصر السعودي أمام الاستقلال الإيراني بدوري أبطال آسيا    بحوزته رشاش جرينوف.. حبس عنصر إجرامى شديد الخطورة 4 أيام على ذمة التحقيقات ب قنا    محافظ كفرالشيخ: تشغيل المخابز على مستوى المحافظة من الساعة ال5 صباحًا يوميًا    شيرين وأنغام ونجوى كرم، تفاصيل أبرز حفلات النجوم بدبي قريبا    إعلام الاحتلال: نتنياهو وبلينكن يعقدان اجتماعا لا يزال مستمرا منذ ساعتين    ولاء الشريف في أحدث ظهور لها من تأدية مناسك العمرة    وصول عدد من الخيول المشتركة فى بطولة مصر الدولية للفروسية    جيش الاحتلال يعتدي على المزارعين الفلسطينيين    الطب الشرعي يفجر مفاجأة في اتهام موظف مدرسة إعدادي بالتح.رش بالطالبات    صلاح البجيرمي يكتب: الشعب وانتصارات أكتوبر 73    حتى عام 2027.. مفاجأة بشأن تجديد عقد محمد صلاح مع ليفربول    حبس المتهمين في واقعة تزوير أعمال سحر ل مؤمن زكريا لمدة 3 سنوات    بسبب القصف الإسرائيلي.. نادين الراسي تغادر منزلها بالبيجاما    خبير اقتصادى: وجود مصر فى مجموعة "بريكس" له مكاسب عديدة    وزير الصحة يشهد جلسة نقاشية حول التعليم كركيزة أساسية لتحقيق التنمية البشرية المستدامة    بعد تحريك أسعار البنزين.. هل أتوبيسات المدارس الخاصة تتجه للزيادة؟    الدفاعات الجوية الأوكرانية تسقط 42 مسيرة روسية خلال الليلة الماضية    النائب العام يلتقي نظيره الإسباني لبحث التعاون المشترك    طرق طبيعية للوقاية من الجلطات.. آمنة وغير مكلفة    مقابل 3 ملايين جنيه.. أسرة الشوبكي تتصالح رسميا مع أحمد فتوح    رسالة غريبة تظهر للمستخدمين عند البحث عن اسم يحيى السنوار على «فيسبوك».. ما السر؟    «سترة نجاة ذكية وإنذار مبكر بالكوارث».. طالبان بجامعة حلوان يتفوقان في مسابقة دبي    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    وزير التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في تقدم مصر 12 مركزًا على مؤشر «Scimago»    لقاءات تثقيفية وورش فنية متنوعة للأطفال بثقافة الإسماعيلية    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    لهؤلاء الطلاب بالأزهر.. إعفاء من المصروفات الدراسية وبنود الخدمات - مستند    طلقت زوجتي بعد خيانتها لي مع صديقي فهل ينفع أرجعها؟.. وعضو الأزهر للفتوى تجيب- فيديو    حبس سيدة تخلصت من طفلة بقتلها للانتقام من أسرتها في الغربية    رئيس القومي للطفولة والأمومة: 60%؜ من المصريات يتعرضن للختان    ألمانيا تسجل أول حالة إصابة بفيروس جدري القرود    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    رئيس لجنة الحكام يحسم الجدل.. هل هدف أوباما بمرمى الزمالك في السوبر كان صحيحيًا؟    منافس الأهلي - كريسبو: شباك العين تتلقى العديد من الأهداف لهذا السبب    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    فيفي عبده تتصدر تريند جوجل بسبب فيديو دعم فلسطين ( شاهد )    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه بإرسال مواد إغاثية فورًا إلى غزة ولبنان    مجلس النواب يوافق على تشكيل لجنة القيم بدور الانعقاد الخامس    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    إسرائيل تعلن القبض على أعضاء شبكة تجسس تعمل لصالح إيران    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    مواعيد صرف مرتبات أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر 2024 لموظفي الجهاز الإداري للدولة    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    إبراهيم عيسى يكشف سبب مطالبة الرئيس السيسي بمراجعة برنامج صندوق النقد    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرشد يرد على دواعش الجماعة: لا نكفر مسلمًا أقر بالشهادتين
نشر في صوت الأمة يوم 15 - 06 - 2015

وكأن الأيام تعيد نفسها بالرغم مما طوته سنوات فى سيرة جماعة الاخوان المسلمين فتارة يلجأون للعنف وتارة يخرج بعض قادتهم لينفوا أى صلة لهم بتلك الأفعال الاجرامية، يخرج المرشد محمد بديع ليقول «سلميتنا أقوى من الرصاص» ثم نجد زخات الرصاص تجتاح البلاد ذلك التناقض الرهيب فى المواقف لم يكن حديثا على الجماعة فهى دائما ما تلجأ له فى أزماتها فقد سبقهم اليه المرشد الثانى حسن الهضيبى فى كتابه «دعاة لاقضاة»عندما تبرأ من الفكر التكفيرى وسط موجة من غضب الشباب وهو السيناريو ذاته الذى يتكرر الآن، لذا نعيد نشر الفصل الاول «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله» بتصرف
شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله معناها (مضمونها): دخول الإنسان بها فى دين الإسلام، وما يتصل بذلك من معانى كلمات: الإله - الرب- العبادة – الدين.
الشهادة: فى اللغة معناها الحضور والمعاينة وما ينتج عن ذلك فى النفس من علم وتيقن.
والشهادة على الشيء:الإخبار به خبرًا قاطعًا فيكون المخبر شاهدًا.
والشهادة ما يتلفظ به المرء للأخبار بما علم.
وعلى ذلك تكون لشهادة أن لا إله إلا الله لفظة ينطقها المرء للإخبار بما وقع فى نفسه من تيقن من وجود ذات الله تعالى، وأنه تعالى أحد لا إله سواه إقرار منه بذلك وهذا التلفظ بما يفيد هذا المعنى يسمى شهادة سواء أكان المخبر صادقًا فيما أخبر به عن نفسه أم غير صادق.
حكم الناطق بالشهادتين.
وحكم الناطق بشهادتى أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله أن نعتبره مسلمًا تجرى عليه أحكام المسلمين وليس لنا أن نبحث فى مدى صدق شهادته إذ أن ذلك متعلق بما استشعره واستيقنه بقلبه وهو أمر لا سبيل لنا للكشف عنه والتثبت منه ولكن ذلك من شأن الذى يعلم السر وأخفى فمن استيقن قلبه ما نطق به كان عند الله مسلمًا مؤمنًا ونفعه ما تلفظه بلسانه.
وبرهان ما قدمنا: قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما حدث به أبو هريرة رضى الله تعالى قال: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بى وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله « والمجمع عليه من أهل الإسلام أن الذى يعصم ماله ودمه بالشهادتين هو المسلم وأما عصمة أموال ودماء أهل الذمة فتكون بالعهد وأداء الجزية مع الصغار ولا يشترط فيهم النطق بالشهادتين.
وقوله عليه الصلاة والسلام فيما حدث به أنس بن مالك رضى الله عنه «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن بره ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه من الخير ما يزن ذرة» وقال تعالى ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ﴾ فعلمنا يقينًا أن من قال لا إله إلا الله وكان فى قلبه مثقال ذرة من خير ليس مشركًا والكافر والمشرك سواء.
وحدث المقداد بن عمرو الكندى وهو ممن شهدوا بدرًا أنه قال: يا رسول الله إن لقيت كافرًا فاقتتلنا فضرب يدى بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرة وقال أسلمت لله أأقتله بعد أن قالها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تقتله « قال يا رسول الله فإنه طرح إحدى يدى ثم قال ذلك بعدما قطعهمها أأقتله قال « لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التى قال» وحدث أسامة بن زيد بن حارثة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم قال: فلما غشيناه قال: لا إلا إلا الله ؟ قال فكف عنه الأنصارى فطعنته برمحى فقتلته قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم قال: فقال لي: « يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله! «قلت يا رسول الله إنما كان متعوذًا قال: «أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ «فما زال يكررها على حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم».
وحدث أبو ذر الغفارى رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث طويل قال فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذلك جبريل أتانى فقال من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة قلت: و إن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق».
فهذه النصوص الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاطعة فى دلالتها على صحة الحكم الذى قلنا به وهو أن حكم الله أن نعتبر أن من نطق بالشهادتين مسلمًا تجرى عليه أحكام المسلمين وأن نعامله بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية باعتباره مسلمًا وأن نكل سريرته إلى عالم السرائر جل شأنه.
بعض آراء المودودى
قال الأستاذ المودودى فى كتابه المصطلحات الأربعة.
«لما نزل القرآن الكريم فى العرب وعرض على الناطقين بالضاد كان كل امرئ منهم يعرف معنى الإله وما المراد بالرب لأن كلمتى الإله والرب كانتا مستعملتين فى كلامهم من ذى قبل وكانوا يحيطون علمًا بجميع المعانى التى تطلق الكلمتان عليها ومن ثم إذا قيل لا إله إلا الله ولا رب سواه ولا شريك له فى ألوهيته وربوبيته، أدركوا ما دعوا إليه تمامًا وبين لهم من غير ما لبس أو إبهام أى شيء هو الذى قد نفاه القائل ومنع غير الله أن يوصف به وأى شيء قد خصه وأخلصه لله تعالى والذين كفروا إنما كفروا عن بينه ومعرفة بكل ما يبطله وينعى عليه كفره بألوهية غير الله وربوبيته.
وكذلك من آمن فقد آمن عن بينة وبصيرة بكل ما يوجب قبول تلك العقيدة الأخذ به والانسلاخ عنه وكذلك كانت كلمتا العبادة والدين شائعتين فى لغتهم وكانوا يعلمون ما العبد وما الحال التى يعبر عنها بالعبودية وما هو المنهاج العملى الذى يطلق عليه اسم العبادة وما مغزى الدين وما هى المعانى التى تشمل عليها هذه الكلمة ومن ثم لما قيل لهم اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وادخلوا فى دين الله منقطعين عن الأديان كلها ما أخطأوا فى فهم هذه الدعوة التى جاء بها القرآن وما إن قرعت أسماعهم حتى تبينوا أى نوع من التغيير فى نظام حياتهم جاءت تطالبهم به تلك الدعوة.
ولكن القرون التى تلت تلك العصر الزاهر جعلت تتبدل فيها المعانى الأصلية الصحيحة لجميع تلك الكلمات تلك المعانى التى كانت شائعة بين القوم عصر نزول القرآن حتى أخذت تضيق كل كلمة من تلكم الكلمات الأربع لما كانت تتسع له و تحيط به من قبل وعادت منحصرة فى معان ضيقة محدودة ومخصوصة لمدلولات غامضة ومشتبهة ذلك لسببين: أ – قلة الذوق العربى السلمى ونضوب معين العربية الخالصة فى العصور المتأخرة.
ب – إن الذين ولدوا فى المجتمع الإسلامى ونشأوا فيه لم يكن قد بقى لهم من معانى كلمات الله والعبادة والرب والدين ما كان شائعًا فى المجتمع الجاهلى وقت نزول القرآن.
ولأجل هذين السببين أصبح اللغويون والمفسرون فى العصور المتأخرة يشرحون أكثر كلمات القرآن فى معاجم اللغة وكتب التفسير بالمعانى التى فهمها المتأخرون من المسلمين بدلاً من معانيها الأصلية وأمثلة ذلك:
1-أن كلمة الإله جعلوها كأنها مترادفة مع الأوثان والأصنام.
2-أن كلمة الرب جعلوها مرادفة مع الذى يربى وينشئ وللذات القائمة بأمر تربية الخلق وتنشئتهم.
3-العبادة: حددوها فى معانى التأله والتنسك والخضوع والصلاة بين يدى الله تعالى.
4- الدين: جعلوها نظير كلمة النحلة.
5- الطاغوت: فسروها بالصنم أو الشيطان.
والنتيجة: أن تعذر على الناس أن يدركوا حتى الغرض الحقيقى والمغزى الجوهرى من دعوة القرآن فإذا دعاهم القرآن ألا يتخذوا من دون الله إلهًا ظنوا أنهم وفوا مطالب القرآن حقها لما تركوا الأصنام واعتزلوا الأوثان والحال أنهم لا يزالون متشبثين بكل ما يسعه ويحيط به مفهوم الإله ما عدا الأوثان والأصنام وهم لا يشعرون أنهم بعملهم هذا قد اتخذوا غير الله إلهًا وإذا ناداهم القرآن بأن الله تعالى هو الرب فلا تتخذوا من دونه ربًا قالوا: ها نحن أولاء لا نعتقد من دون الله مربيًا لنا ومتعهدًا لأمرنا وبذلك قد كملت عقيدتنا فى باب التوحيد والواقع أنه قد أذعن أكثرهم لربوبية غير الله تعالى من حيث المعانى الأخرى التى تطلق عليها كلمة «الرب» غير هذا المعنى «المربى».
وإذا خاطبهم القرآن أن عبدوا الله واجتنبوا الطاغوت «قالوا لا نعبد الأوثان ونبغض الشيطان ونلعنه ولا نخشى إلا لله، وقد امتثلنا هذا الأمر القرآنى امتثالاً والحال أنهم لا يزالون متمسكين بأذيال الطواغيت الأخرى غير الأصنام المنحوتة من الحجارة وقد خصوا سائر ضروب العبادة – اللهم إلا التأله – لغير الله وقل مثل ذلك فى الدين فإن لا يفهم الناس من معنى إخلاص الدين لله تعالى غير أن ينتحل المرء ما يسمونه بالديانة الإسلامية. وألا يبقى فى ملة الهنادك أو اليهود أو النصارى ومن هنا يزعم كل من هو معدود من أهل الديانة الإسلامية أنه قد أخلص دينه لله تعالى والحق أن أغلبيتهم لم يخلصوا دينهم لله تعالى من حيث المعانى الواسعة التى تشتمل على كلمة «الدين».
أحكام شرعية رتبها البعض على ما قدمناه من رأى الأستاذ المودودي:
وقد رتب البعض على ذلك الذى قدمناه من كلام الأستاذ المودودى نتائج وبنوا عليها أحكامًا زعموا أنها مقتضى شريعة الله تعالى فقالوا: إنه لما كان الناس الآن لا يعرفون حقيقة معنى كلمات الإله والرب والعبادة والدين فإنهم إذ يرددون شهادة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» إنما يرددون كلامًا لا يدركون حقيقة معناه وهم لا ينطقون بالشهادة التى كان ينطق بها العربى حين البعثة لأن هذا كان على بينة من معنى ما كان يشهد به ويقرره، ولذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقبل تلك الشهادة المعلوم مضمونها ومفهومها لمن أداها، ويعتمدها حكمًا بإسلامه، أما الآن لا نستطيع أن نعتمد إسلام من نطق بالشهادتين ما دام لا يدرك حقيقة مفهومها، وواقع الحال شاهد على ذلك إذ أن كثيرًا ممن ينطقون بالشهادتين يأتون فى نفس الوقت أحكام الدين فيما يتعلق بأنظمتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وسائر شئون حياتهم مع إصرارهم على النطق بالشهادتين والزعم بأنهم مسلمون، وخلصوا من ذلك إلى أنه لا يعتبر مسلمًا تجوز معاملته على هذا الأساس والصلاة وراءه إلا من تأكدنا من فهمه لحقيقة معانى الشهادتين ومفهومها.
وزاد البعض على ذلك أنه لابد بالإضافة إلى تأكيدنا من علم الناطق بالشهادتين بمفهومهما أن يقوم عمله شاهدًا على صدق ما نطق به ومؤيدًا له حتى يعتبر مسلمًا، فإن لم تكن أعماله مصدقة لشهادته فإننا لا نستطيع أن نحكم بإسلامه، فلا نعتبره مسلمًا، واحتجوا بالقول المنسوب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: «ليس الإيمان بالتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل».
اعتراض على بعض ما قرره الأستاذ المودودي:
ونرد أولا على التقرير بأن معانى الألوهية والربوبية والعبادة والدين كانت شائعة معروفة بين العرب من قبل البعثة وأنها بعد ذلك قد ضاعت وتبدلت وانحصرت فى معانٍ ضيقة محدودة غير ما كانت تتسع له من قبل.
فنقول بعون الله إن هذا التقرير لا يتفق مع الواقع، ذلك أنه أيًا كانت المعانى التى كانت شائعة فى الجاهلية لتلكم الكلمات فإن القرآن الكريم قد جاء محددًا ما يقصده من كل منها، معرفًا المفهوم المعنيّ من كل لفظة من ألفاظها، مبينًا ذلك غاية البيان، مجليًا المعنى المراد بما لا يدع مجالا للبس أو وغموض وهذا البيان القرآنى قد أغنى عن الرجوع إلى أصل تلك الكلمات فى اللغة وما كان لها من معانٍ قبل نزوله، ولا يستريب مسلم أن بيان القرآن الكريم هو الأحكم والأوضح والأشمل والأجل، بل هو الذى يتعين الأخذ به والتسليم بمقتضاه سواء وافق ذلك ما كان قبل نزوله أم لا.
والقرآن الكريم يزخر بالآيات البينات لمعانى الألوهية والربوبية والعبادة والدين.
أيرقى إلى هذا الذى سقناه أو يدانيه ولو من بعيد أى مفهوم كان شائعًا فى الجاهلية لمعنى الألوهية!!؟
أيحتاج أى مفسر بعد هذا الذى تضمنه دفتا المصحف الشريف على الرجوع إلى أصل كلمة «الإله» فى اللغة ومما اشتقت وما كان مفهومها فى الجاهلية وقبل نزول القرآن..؟!.
أيصح بعد ذلك القول بأن معانى الألوهية قد ضاعت وتبدلت ولم تعد شائعة معروفة وأن الذين ولدوا فى الإسلام وفى رحاب ذلك الفيض الزاخر من آيات الله لم يبق لهم من معانى كلمات «الإله والعبادة والرب والدين» ما كان شائعًا معروفًا فى الجاهلية قبل نزول القرآن!؟ أيصح فى الواقع أنه لما كان العرب قبائل شتى متفرقة ومختلفة ولكل منها لهجتها، لا تجمعها رئاسة أو ثقافة أو معتقدات موحدة وكانوا أمة أمية ندر فيهم من ألم بالقراءة وبالكتابة يكسوهم الجهل والانحطاط ليس لهم كتاب أو إحاطة بعلم أو فن، لما كانوا كذلك كان مفهوم كلمات الإله والرب والعبادة والدين شائعًا بينهم معروفًا لدى كل امرئ منهم على حد سواء وعلى صفة معينة محددة – فلما نزل كتاب الله تعالى بالذكر المحفوظ الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مشتملا على البيان الجلى والإيضاح الشامل، يتعبد الناس بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار ويجهرون به فى صلوات تقام جماعة فى المساجد وغيرها ضاعت تلك المعانى واندثرت ولم تعد شائعة بين الناس بمثل ما كانت شائعة بينهم فى الجاهلية – أيصح ذلك وكتاب الله محفوظ بين المسلمين ولو قرأ أيهم الفاتحة وقل هو الله أحد أو المعوذتين أو سمعها لاطّلع وعرف وأبصر ما لم يكن يعرف الجاهلى عنه شيئًا..؟
أما كان الواجب قبل أن يلقى ذلك القول أن يقدم له بالدلائل التى تدل على صحته؟.
أما وإذا جاء القول «إن الذين ولدوا فى المجتمع الإسلامى ونشأوا فيه لم يكن قد بقى لهم من معانى كلمات الإله والرب والعبادة والدين ما كان شائعًا فى المجتمع الجاهلى قبل نزول القرآن بلا برهان يقوم حجة على صدقه وصحته فإنه يكون مجرد قول لا حجة له ولا يجوز أتباعه ولا يصح أن تبنى عليه أحكام وما سبق أن اجتزأناه من كتاب الله من آيات شامل على معانى الألوهية والربوبية، والمفسرون ما اقتصروا قط على تفسير كلمة الرب بمعنى دون سائر المعانى التى تشملها، وإنما هم فسّروا الكلمة فى كل موضع على المعنى الذى يدل عليه السياق.
وكذلك الأمر بالنسبة لكلمتى «العبادة والدين» فقد جاء بيانها فى القرآن الكريم كاملا شافيًا: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ (الفاتحة:4) ولا نظن أنا بحاجة إلى إقامة دليل على أن الشائع المعروف بين المسلمين أن ذلك معناه يوم القيامة الذى يكون فيه الحساب والجزاء والعقاب.
﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ (آل عمران: من الآية 19) ويفهم الأمى من ذلك أن المراد كافة ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام وكافة شرائع الإسلام وهو ما يفهمه من قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (يوسف: من الآية 40) ومن قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينا﴾ (المائدة: من الآية 3) ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِى شَكٍّ مِنْ دِينِى فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يونس:104-105).
ولقد ورد بالقرآن الكريم النصوص الكثيرة الصريحة فى دلالتها على أن الله تعالى – هو دون غيره – الحاكم الآمر الناهي، وأن الأتباع والانقياد المطلقين واجبان له دون سواه بما أغنى عن الاستدلال بمفهوم كلمة الرب ولما غفل عَدِيُّ بن حاتم عن المعنى الحقيقى المقصود من هذه الآية الكريمة وظن أن العبادة هى مجرد إقامة الشعائر والتنسك، وقال للرسول عليه الصلاة والسلام إنهم لم يعبدوهم، وضَّح عليه الصلاة والسلام له ما فاته.
عن عدى بن حاتم قال: أتيت النبى – صلى الله عليه وسلم -: وفى عنقى صليب من ذهب فقال: «يا ابن حاتم، ألق هذا الوثن عن عنقك» فألقيته، ثم افتتح سورة براءة حتى بلغ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه) فقلت: يا رسول الله ما كنا نعبدهم فقال: «»كانوا يحلون لكم الحرام فتستحلونه ويحرمون عليكم الحلال فتحرمونه»؟ فقلت: بلى، قال: «فتلك عبادتهم». [رواه ابن حزم فى الإحكام فى أصول الأحكام ج7 ص132،133، والطحان الكوفى ج2 ص184، وابن جرير فى تفسيره ج1 ص80،81، والترمذي].
ومن الأحاديث الثابتة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوله: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». [رواه مسلم المحلى ج1 ص32].
وفيما رواه ابن مسعود عن الرسول – صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم يحدث من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو ومؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» [المحلى ج6 ص360].
وكل ذلك محفوظ معروف مشهور يكفى أن يسمعه من لا يعرف من العربية إلا إحدى لهجاتها العامية فيفهمه ويلم بمقاصده العامة فتستنير بصيرته وإن جهل الفواصل بين الأحكام الشرعية المختلفة.
وما عمل المفسرين فى هذا الشأن إلا إيضاح معنى كلمة قد لا يعرف معناها من لا يجيد اللغة العربية أو إيراد أسباب النزول أو بعض الأحاديث المناسبة للآية والمتعلقة بها، أو المقابلة بين الآية والحديث أو الآية والآية ثم الإشارة إلى الأحكام الشرعية التى تستنبط من مجموع الآيات والأحاديث المتعلقة بموضوع ما.
أما من لا يتكلمون العربية فالأمر بالنسبة لهم مرده الترجمة: فإن وقعت صحيحة فهى – وإن لم تبلغ بلا ريب القرآن العربى المعجز – تكون كافية فى تحصيل المعانى المقصودة وإبلاغ البيان المطلوب، وإن لم تكن كذلك ولابسها التحريف فهى كذب وافتراء، وقول على الله بغير الحق.
ثم نرد على القول بأنه: «لما نزل القرآن الكريم فى العرب وعرض على الناطقين بالضاد كان حينئذ يعرف كل امرئ منهم ما معنى الإله وما المراد بالرب ومن ثم إذا قيل لا إله إلا الله ولا رب سواه ولا شريك له فى ألوهيته وربوبيته أدركوا ما دعوا إليه تمامًا وبين لهم من غير لبس ولا إبهام أى شيء هو الذى قد نفاه القائل ومنع غير الله أن يوصف به وأى شيء قد خصه وأخلصه لله تعالى».
فنقول بعون الله إنه كان المقصود بهذا القول القطع بأن كل فرد ممن كان بنجد والحجاز وغيرهما وقت بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام على وجه التحديد والتعيين، قد أدرك بغير ما لبس ولا إبهام ما دعى إليه وكان على علم كامل شامل بمعنى كلمتى «الإله والرب» وحقيقة التوحيد، بالجملة المفهوم الكامل الشامل لشهادة «لا إله إلا الله» إن كان هذا هو المقصود فإنه يكون قولا فى حاجة لإقامة البرهان على صحته ولا يكفى للتدليل على صحة هذه الدعوى الادعاء بشيوع معانى كلمتى «الإله والرب» بين العرب الناطقين بالضاد.
أولا: لأن الشيوع مهما بلغ واشتد، معناه: معرفة الكثرة الغالبة بالأمر ولا يرقى إلى حد القطع والتيقن من حقيقة علم كل فرد على وجه التحديد والتعيين، فمن ذا الذى أحصاهم عددًا وتأكد من حقيقة أمر كل منهم فردًا فردًا، ليجزم باستحالة أن يكون بينهم من أخطأ الفهم أو لم يصله العلم..؟.
ثانيًا: أن الذين كانوا بنجد والحجاز وغيرها، لم يكونوا كلهم من العرب الخلص العالمين باللغة العربية كأهلها بل كان فيهم بيقين كثير من المستعربين والأرقاء المستجلبين من نواح شتى وأجناس مختلفة وكان فيهم أيضًا الأحرار الأجانب الأعجميو اللسان فلا يصدق فى حقهم القول بالفهم كفهم الناطق بالضاد، ولقد حفظ لنا التاريخ أسماء كثيرين من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من فارسيين وروميين وأحباش، وأشار القرآن الكريم إلى وجود هؤلاء الأجانب ﴿لِسَانُ الَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ (النحل: من الآية103).
ولقد كانت دعوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – موجهة للجميع على سواء وقبل عليه الصلاة والسلام إسلام من نطق منهم بالشهادتين دون تفرقة أو تمييز، ولقد كان يكفى لدحض تلك الدعوى أن تكون بغير دليل، ولقد قدمنا ما يعارضها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.