أصبح من الواضح صعوبة الموقف الذي تعيشه إيران، مع تزايد عزلتها الدولية التي تتسع رقعتها يوما بعد يوم، وانضمام الأطراف التي تساندها والأخرى الواقفة على خط الحياد إلى معسكر الأعداء. أمس خرج وزير الخارجية الفرنسي معلنًا أن بلاده مستعده لفرض عقوبات على ايران، بعد التي فرضت علي شخصيات مسئولة في أكتوبر الماضي، حالة لم تحقق تقدم في المحادثات المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية، لتنحصر طهران بين مطرقة انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية من الاتفاقية النووية، وسندان الموقف الأوروبي من البرنامج الصاروخي، فيأتي الرد الإيراني استعلائي بأن القدرة الصاروخية الإيرانية ليست محل تفاوض، ومهددًا باعادة تقييم علاقاتها مع أوروبا.
التصريحات الايرانية المتهورة زادت الموقف تعقيدًا، واستجلب غضب الاتحاد الاوروبي، الذي أعلن دبلوماسيوه في تصريحات لوكالة "رويترز" أن الإتحاد يبحث فرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران قد تشمل تجميد أرصدة وحظر سفر على الحرس الثوري الإيراني والإيرانيين المشاركين في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية.
فضيحة استخباراتية
الأزمة بين الدولتين لها تاريخ قريب، حين اتهمت فرنسا في أكتوبر من العام الماضي، وزارة المخابرات الإيرانية بالوقوف وراء مؤامرة كانت تستهدف مؤتمر للمعارضة في الخارج، في يونيو الماضي، ومن ثم اعلنت مصادرت أصولاً تخص أجهزة المخابرات الإيرانية وأخرى لاثنين من المواطنين الإيرانيين.
ورجح مراقبون حينها، أن الأزمة سوف تنعكس بالسلب على المحاولات الإيرانية الساعية إلى خلق ظهير دولي يساندها في أزمة إنسحاب واشنطن من الاتفاقية النووية، المبرمد في 2015، وهو ما تحقق حين عقدت باريس العزم على التصدي للغطرسة الإيرانية، معلنه بذلك الانضمام الي الصف الأمريكي.
فشل المخابرات الإيرانية كان بمثابة فضيحة دولية مازال يتردد صداها، فقد أعلنت مصادر فرنسية في تقارير صحفية غربية، أن تحقيقات المخابرات الفرنسية في المؤامرة المذكورة، أفضى إلى معلومات تؤكد على مسئولية المخابرات الإيرانية عن عزمها القيام بعمل عدائي على اراضيها، يستهدف اجتماعاً عقده المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يتخذ من باريس مقراً له، على مشارف العاصمة الفرنسية وحضره رودي جولياني محامي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعدة وزراء أوروبيين وعرب سابقين.
وكشف المصدر عن أن مدير المخابرات سعيد هاشمي ونائبه، اعطيا أمر بتنفيذ الهجوم، وأن الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي المحتجز لدى السلطات الألمانية، قام بتنفيذه، علمًا بأن عمليات الوزارة تتم بعلم وإمرة المرشد الأعلى علي خامنئي.
منذ اللحظة الأولى من اشتعال الازمة وخروجها عن سيطرة طهران، كانت التصريحات الايرانية متخبطة، تارة تعترف بتدبير مؤامرة "بالخطأ" وتستجدي الرضا الفرنسي، حين طالب المتحدث بأسم المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي بعقد مباحثات ثنائية، لتوضيح ما وصفه ب"سوء الفهم"، وتارة أخرى تلوح بالعنف حين تعلق الأمر بالبرنامج الباليستي.
حين تعلق الأمر باتهام المخابرات الإيرانية بتدبير عملية ارهابية على الاراضي الفرنسية، حاول قاسمي نفي الاتهام، لكنه زار البله طين عندما قال في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" .. «سواء كان ذلك مؤامرة من قبل آخرين أو خطأ، يمكننا الجلوس والتحدث عن ذلك»، ليشير إلى أن هناك أمر حدث بالخطأ، ما أعتبره مراقبون اعتراف بأن هناك تحركات استخباراتية لمراكز قوة في الداخل الايراني قد تعمل بشكل منفرد، الأمر الذي يكشف عن ان كيانات الدولة تعمل في جزر منعزلة، واحيانا تخرج عن السيطرة.
ثم عاد بهرام قاسمي لينفي ما صرح به مسبقًا، وتنقل عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية قوله: "نحن ننفي مجدداً المزاعم الموجهة لإيران ونطالب بالإفراج الفوري عن الدبلوماسي الإيراني، وأن المؤامرة دبرها أولئك الذين يريدون تدمير علاقات إيران الوطيدة مع فرنسا وأوروبا".
وبعد مرور حوالي ثلاثة أشهر، تغيرت النبرة الإيرانية من الاسترضاء إلى التهديد، حين تعلق الوضه ببرنامج الصواريخ الباليستية، حيث أكد بهرام قاسمي على أن الأمكانيات الصاروخية لإيران هي جزء من قوة الردع الدفاعية التي وصفها بالشرعية، التي تضمن أمن إيران.
واضاف متهما فرنسا بزعزعة استقرار المنطقة "إيران دائما تطالب بتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، وتؤمن بأن بيع مجموعة من الأسلحة المعقدة والعدوانية من قبل أمريكا وبعض الدول الأوروبية، من ضمنها فرنسا، تعد من أسباب زعزعة الاستقرار والموازنة في المنطقة".
حزم فرنسي
وفي تمسك واضح بموقف ايراني العدائي للمجتمع الدولي اشار قاسمي، إلى أن "القوة الصاروخية الإيرانية ليست قابلة للنقاش، وتم الإعلان عن هذا الموضوع في اللقاءات مع الأطراف الفرنسية".
وأكد "التهديد بفرض عقوبات صاروخية جديدة ضد إيران يعارض روح الحاكم على المحادثات الثنائية والتعاون بين البلدين" وأضاف "أي نوع من العقوبات الجديدة من قبل الدول الأوروبية على إيران سوف يدفع إلى مراجعة إيران في تعاوناتها مع هذه الدول".
التصريحات الأخيرة توضح أن الأزمة بين طهران والإتحاد الأوروبي ستزداد سخونة وتصعيدا من الطرفين، وبعد أن جمدت فرنسا أصول أسدي ومقدم. ووحدة تابعة للمخابرات الإيرانية، لم تذكر الحكومة الفرنسية تفاصيل بشأنها، كما طالبت مذكرة داخلية لوزارة الخارجية الفرنسية الدبلوماسيين في أغسطس الماضي بعدم السفر إلى إيران، وذكرت أن الأسباب هي مخطط التفجير وتشدد الموقف الإيراني تجاه الغرب.
ولم يتوقف الموقف الفرنسي عند هذا الحد، حيث أجلت باريس ترشيح سفير جديد إلى إيران ولم ترد على ترشيحات طهران لمناصب دبلوماسية في فرنسا.