أثار ترشيح جماعة الإخوان المسلمين للمهندس خيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة المصرية جدلاً واسعاً في مصر والعالم خاصةً أن هذا الترشيح يعد بمثابة تراجع واضح من الجماعة عن تعهداتها السابقة بعدم خوض المنافسة في سباق الانتخابات الرئاسية. وزاد الطين بلة ما تردد مؤخراً عن قيام وفد من الكونجرس الأمريكي بزيارة حزب الحرية والعدالة ولقاء خيرت الشاطر ورسالة الطمأنة التي أرسلها الحزب إلي إسرائيل من خلال الوفد الأمريكي. وأثار الشطر الشك بعد ما تردد عن قيامه بزيارة قطر قبيل إعلان الإخوان عن ترشيحه رسمياً الأمر الذي أكد للبعض أن الأمر كان مخططاً له منذ زمن. وأثار الشاطر نفس القدر من الاهتمام في الأوساط الأمريكية حيث بدأ الجميع في تناول شخصية الشاطر بالبحث والدراسة. ربما أفضل ما تعرض للشاطر بالدراسة والتحليل هو مقال لاثنين من الباحثين الأمريكيين وهما ألكسندر بروك وجيسيكا كوزانو من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي. فكلاهما يري أن ترشيح الشاطر لانتخابات الرئاسة لم يكن مفاجأة نظرا لكون الشاطر أحد رجال الأعمال البارزين في مصر بفضل مشروعاته الناجحة في مجالات الأثاث والبرمجيات والمنسوجات فضلاً عن موقعه البارز في صفوف الاخوان كثاني عنصر في قيادة الجماعة كما أنه ممولها الرئيسي. في تلك المقالة، ذكر الباحثان أن الشاطر يفضل لقب "مهندس" علي غيره من الألقاب وأنه كان اشتراكياً خلال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. دائماً ما أرادت جماعة الإخوان المسلمين تطبيق مبادئ الحكم الإسلامي في مصر ويبني الشاطر أجندته السياسية علي أن الإسلام والدولة يتصلان ببعضهما البعض. وفي لقاء صحفي مع صحيفة النيويورك تايمز قال الشاطر إن ما جذبه إلي الجماعة هو شموليتها التي تلمس جميع جوانب الحياة في مصر. ويري الشاطر أن الإخوان المسلمين هي جماعة تتفاعل مع المجتمع المصري من خلال العمل الخيري والبرامج الثقافية والسياسية والتواجد الاقتصادي القوي. وذكر الشاطر في نفس اللقاء الصحفي أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة تثبت أن الشعب المصري يريد دولة إسلامية. ولكنه رغم ذلك لا يعتقد أن هذا الأمر لا يتوافق في وجود نظام سياسي ديمقراطي. ويؤمن الشاطر بمفهوم الشوري الإسلامي كوسيلة للديمقراطية التمثيلية في إطار إسلامي. واستطرد الشاطر في شرح ذلك قائلاً إن العمليات الديمقراطية يجب أن تستخدم لتسوية النزاعات، ولكن تلك السياسات يجب أن تستمد من المبادئ الإسلامية. ويضيف الكاتبان أن العناصر الليبرالية في المشهد السياسي المصري غير مقتنعين بذلك ويرون ذلك نوعا من أنواع الدعاية بل ويرون أن الإخوان المسلمين اتخذوا خطوات لاحتكار جميع مواقع صنع القرار في مصر ما بعد مبارك، ليجعلوا فهمهم للإسلام هو الاسلوب الوحيد المقبول. ويشيرون في ذلك إلي دور الشاطر في إبعاد الإصلاحي عبد المنعم أبو الفتوح من الجماعة (ومن سخرية القدر أن السبب كان إعلان نيته خوض انتخابات الرئاسة). في شهر يونيو الماضي وخلال مؤتمر للجماعة، اقترح الشاطر طرقاً لبزوغ عهد جديد للديمقراطية. وقال إن تلك المرحلة الانتقالية التي أطلق عليها اسم "النهضة" يجب أن تبدأ ببناء دولة ترتكز علي الإٍسلام، وهي مهمة تتطلب مشاركة جميع عناصر المجتمع كي تنجح. وتركز المرحلة الأولي من تلك النهضة التي يراها الشاطر علي إيجاد حلول للتحديات الاقتصادية والنظام السياسي. أما المرحلة الثانية فتتعلق بإقامة تحالفات بين المواطنين والمجتمعات المحلية لتخليص المجتمع من انقساماتهم الأمر الذي يجعل جهود هؤلاء المواطنين أكثر فعاليةً. أما المرحلة الأخيرة فتتعلق بالعمل الجماعي لجميع العناصر المتعددة للمجتمع المصري التي بمجرد توحدها حول هدف واحد وتشارك تلك العناصر في المسئولية يمكن أن تحقق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. يذكر الكاتبان الأمريكيان أن الشاطر يقر بأن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً قد يصل إلي 30 عاماً لجني ثمار تلك الاستراتيجية. ويضيفان أن الشاطر يدعي أن الإخوان المسلمين يسمحون ويشجعون علي المزيد من التمثيل للنساء أكثر من أي تنظيم مشابه وإن لم يحدد أي تنظيم بالاسم وإن كان المفهوم من كلامه أنه يقصد الجماعات السلفية. وفي شهر يوليو الماضي، حضر الشاطر مؤتمرا للأخوات المسلمات وهو الأول من نوعه خلال الأعوام الستين الماضية وفيه شجع مشاركة النساء في المجتمع باستخدام المبادئ الإسلامية كأساس للعمل. ويشير المقال الأمريكي إلي أن حزب الحرية والعدالة أكد أنه سيدعم النساء لضمان التوازن بين حقوقهن وواجباتهن وبما يتفق مع تعاليم الإسلام كما أن الحزب يدافع عن المشاركة السياسية للمرأة في العملية الانتخابية فضلاً عن التزامه بتنفيذ برامج للأرامل والمطلقات وهي سياسات لم يفصح الشاطر حتي الآن عن تفاصيلها. ولكن في الوقت ذاته يعد الشاطر عضواً في مجلس إدارة جماعة إسلامية محافظة تطبق قوانين صارمة تمنع النساء حتي من الحديث في الهواتف المحمولة مع رجال من غير أقاربهن. ويدافع الإخوان المسلمين عن عضوية الشاطر في تلك الجماعة بدعوي أنه عضو في مجلس الإدارة وليس بالضرورة يتبني وجهات نظرها. ويخدم وجوده في إيجاد خط اتصال مباشر مع أعضاء الحزب الإسلامي. ويري الكاتبان أن الشاطر سيسعي لتنفيذ خطط حزب الحرية والعدالة لدعم النظام التعليمي في مصر بمضاعفة ميزانية التعليم بمرور الوقت وزيادة مخصصات البحث العلمي. وفي الوقت ذاته يري كلاهما أن جزءا من البرنامج التعليمي للشاطر يرمي إلي استعادة التوازن الصحي بين فرص العمل ومستوي التعليم عن طريق تعزيز الإصلاحات التعليمية التي تجعل التعليم العالي مناسباً للخبرات العملية الضرورية لسوق العمل. ربما التناقض في تصريحات الشاطر تبرز في رؤيته للأزهر حيث يؤكد مجدداً أن الأزهر كمؤسسة تقليدية رئيسية للتعليم الإسلامي السني يجب أن تكون النقطة المرجعية الأهم للإسلام المعتدل ليس في مصر وحدها بل في كل العالم. كما يقول أيضاً إنه يتعين أن يلعب الأزهر دوراً سياسياً أكثر وضوحا ويجب أن يعبر بصراحة عن رؤيته السياسية لأن الإسلام "دين ودولة" وهو رأي يتناقض مع الأزمة الأخيرة الخاصة بالجمعية التأسيسية التي انسحب منها الأزهر لأن تمثيله في تلك الجمعية لا يتناسب مع دوره مكانته. ربما الجزء الأهم في رؤية الشاطر السياسية هو ما يتعلق بالسياسة الخارجية والتي يري أنها ترتكز علي مبدأين رئيسيين الأول هو أن حزب الحرية والعدالة منفتح علي التعاون مع الجماعات الدولية طالما كان هذا التعاون يرتكز علي المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. وفي هذا الشأن، طالب الشاطر الدول الغربية تحمل عبء مساعدة مصر في إعادة بناء البلاد لأنه يري أن الدور التاريخي لتلك الدول كان سلبياً تماماً. وقال إن تركيز السياسة الخارجية المصرية سيكون علي علاقات مصر مع جيرانها في منطقة الشرق الأوسط في محاولة لعودة القاهرة للعب دورها التقليدي كزعيم إقليمي. وبالنسبة لتلك النقطة قال الشاطر في حوار مع صحيفة لو فيجارو الفرنسية إن مسئولية مصر كدولة عربية هي دعم الشعب الفلسطيني في التعبير عن إرادته مضيفاً أنه سيضغط علي الدول الغربية التي تدعم إسرائيل بشكل غير مشروط بسبب ما يراه أنه انتهاك إسرائيلي متواصل للقانون الدولي. أما المحور الثاني فهو أنه علي الرغم من التضامن الواضح مع القضية الفلسطينية، يري نائب المرشد العام السابق أن حزبه ملتزم بجميع الاتفاقات والمعاهدات والالتزامات الدولية التي ترتبط بها مصر. وبشأن معاهدة السلام مع إسرائيل واتفاقيات تصدير الغاز المصري لها، يري الشاطر أن تعديل أي من هاتين الاتفاقيتين يتطلب قراراً من القنوات المؤسسية المختصة كإجراء استفتاء وتقديمه للبرلمان. وفي غياب مثل تلك الخطوات، يقول الشاطر إن حزبه متمسك بمعاهدة السلام مع إسرائيل وهو موقف سياسي مهم سيؤثر بشكل قوي علي مسار عملية الانتخابات الرئاسية. وتبرز مناقشات الشاطر المتعلقة بالسياسة الخارجية ارتباط قوي بين إيجاد روابط دولية قوية وبين خطط الحزب لإحياء الاقتصاد. ويقول الشاطر إنه خلال العام الماضي التقي أكثر من 30 سفيراً من مختلف أنحاء العالم وقام بتطوير علاقات قوية مع مستثمرين أجانب محتملين. وعلي المستوي الدبلوماسي، قال الشاطر خلال حوار في برنامج "بلا حدود" بقناة الجزيرة إن زياراته ومحادثاته مع الدول الأوروبية الغربية بقي في إطار محاولة تعريفهم بالإخوان المسلمين. وقال إنه علي النقيض من ذلك فإن دولاً مثل اليابان بدت أكثر فهما لثقافة الشعب المصري ويري أن ذلك سمح بمباحثات بناءة مع تلك الدول. وأشار إلي أن الإخوان المسلمين تسعي لدراسة كيفية تحقيق نهضة اقتصادية في تلك الدول ولهذا يري الكاتبان أن الشاطر سيسعي لعلاقات قوية مع دول مثل اليابان وتركيا والبرازيل وإندونيسيا وكوريا بل قد يسعي لأن تكون علاقات مصر مع تلك الجولات رسمية من خلال الحكومات ومن خلال القطاع الخاص أيضاً. وبالنسبة للمنظمات الأهلية، عبر الشاطر عن التزامه بمنح المنظمات غير الحكومية حرية العمل في مصر لو تم اختياره كرئيس للبلاد. الغريب أن الكاتبين الأمريكيين توقعا بأن يواصل الشاطر في حالة انتخابه كرئيس لسياسة الخصخصة التي اتبعها الرئيس المخلوع حسني مبارك رغم أن تلك السياسة لا تتمتع بأي شعبية. ولكنه حسبما جاء في المقال سيحاول معالجة مشكلة توزيع الثروة من خلال اتباع سياسة تتوافق مع سياسة حزب الحرية والعدالة كالتركيز علي أهمية العمل الخيري الذي يرتكز علي مفهوم الزكاة في الإسلام ومؤسسة الأوقاف. ويضيف المقال أنه علي الرغم من أن الشاطر يتبني رأسمالية السوق الحرة كأفضل نظام لتوليد الثروات في مصر، غير أنه يري تلك الرأسمالية تختلف عن الرأسمالية الغربية لأنه وفقاً لمفهومه يجب أن يكون هناك رابط بين توليد الثروة من جهة والالتزام بالعدالة الاجتماعية من جهة أخري. ربما الأخطر فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي ما ورد في موقع بلومبرج الاقتصادي الشهير في أواخر يناير الماضي عن لقاء الشاطر مع مجموعة من المستثمرين الأوروبيين والأمريكيين والأفارقة حاول خلال تلك اللقاءات تبديد المخاوف بشأن السياسات الاقتصادية الخاصة بحزب الحرية والعدالة,الخطير في الامر ان الجهة التي قامت بترتيب اللقاءات هي مؤسسةEFG هيرميس التي ترتبط باحدي اهم الشركات التابعة لها بصلات مع جمال مبارك حيث يمتلك الاخير 18%من اسهم تلك الشركة. تضع واشنطن محاور للتعامل مع خيرت الشاطر كرئيس محتمل لمصر لن تختلف كثيراً عن تعاطيها مع الاخوان المسلمين بعد فوز حزب الحرية والعدالة بأغلبية مقاعد مجلس الشعب وترتكز تلك السياسة علي عدة محاور أبرزها أن تعبر إدارة الرئيس أوباما صراحة عن مخاوفها بشأن وضع الأقليات الدينية تحت حكم إسلامي خاصة الأقباط وتحذير الجماعة من تجريم معارضة العامة بتطبيق الشريعة. أما المحور الثاني فيتعلق بالحفاظ علي معاهدة السلام مع إسرائيل وأن تحذز واشنطن الجماعة وخيرت الشاطر من أي استفتاء شعبي علي المعاهدة سيتم تفسيره علي أنه محاولة لنسف المعاهدة ويري ايريك تراجر الباحث بمركز واشنطن للدراسات واستاذ العلوم السياسية في جامع بنسلفانيا ان علي الادارة الامريكية توقع تأثير ضعيف علي الحكومة المصرية المقبلة وبالتالي سيكون علي ادارة اوباما البحث عن اطار متعدد الاطراف لتشجيع مصر بقيادة الاخوان المسلمون علي الحفاظ علي السلام مع اسرائيل واحترام حقوق الاقليات ومكافحة الارهاب. نشر بالعدد 591 بتاريخ 9 ابريل 2012