بعض المخاضات تكون عسيرة وتحتاج إلى قيصريات، ومنها ما ينجح، ومنها ما يؤدي أو يفضي إلى الموت. كان المخاض في مصر عسيراً حتى أن الوليد أصبح كسيحاً، وإنشغل الكثيرون بقضايا وأمور ليس لها علاقة بالمرض الحقيقي ولا الدواء اللازم، وغاب الطبيب عن المشهد، وتقدم معالجون ينتمون إلى مدرسة العلاج أو الطب العربي القديم. أسأل الناس كثيراً عما إذا كان العرب ومنهم المصريون قد جاءوا إلى الدنيا أو خلقهم الله تعالى بعقول أدنى من عقول الغربيين؟ وطبعاً الإجابة تأتي حاسمة، حاشا لله تعالى. هذا جميل، ولكن يأتي السؤال الثاني فلماذا إذن يتقدم الغربيون ويتخلف العرب ومنهم المصريون عن الركب الانساني أو العالمي أو الاسهام الحضاري؟ وهذا هو المخاض العسير. كانت الثورة بمثابة القيصرية ولكن المولود جاء كسيحاً، يعاني من أمراض كثيرة أخطرها عدم النمو أو ضعف القابلية للنمو، وضعف الاستجابة للدواء. من هذه الأمراض الخطيرة، حالة الاستقطاب القائمة بعد ثورة عظيمة، تلاشت أثناءها وفيها القابلية للاستقطاب تماماً ، ولكنها عادت بعد الثورة أشد وأخطر مما كانت عليه من قبل. وهذه الحالة يمكن أن تقف دون إجراء إنتخابات شفافة ونزيهة رغم عدم التزوير الواضح وخاصة بالطريقة الفجة التي بادت مع أهم أركان النظام البائد، ولكن شبهة التزوير لا تزال قائمة بشكل قانوني في ضوء المادة 28 المعيبة من الاعلان الدستوري التي تحظر الطعن على قرارات وإعلان نتائج الانتخابات بمعرفة اللجنة العليا للنتخابات وهناك من يتحدث عن بعض أعضائها ممن شاركوا في موضوع تهريب الأمريكان. جاء الخلاف بين البرلمان وهو الهيئة التشريعية والرقابية المنتخبة إنتخاباً حراً ونزيهاً وبين الحكومة وهى الجهة التنفيذية التي إختارها المجلس العسكري وهو جهة إتخاذ القرارات، جاء خلافاً عميقاً، برزت فيه أزمة أخلاقية إما في الفهم أو في الأمانة على أي من الطرفين أو كليهما بدرجات متفاوتة وهذه كارثة غير متوقعة من كوارث ما بعد الثورة العظيمة. رئيس البرلمان أحياناً يكون في أدائه مثل ناظر المدرسة، ورئيس الحكومة، يتصرف كأنه في جزيرة منعزلة عن الوطن، يتحدى البرلمان أن يستطيع سحب الثقة منه ومن حكومته، رغم الأداء الضعيف السيء أحياناً، حتى وصل الأمر إلى لقاء ثلاثي بين الكتاتني وبين رئيس الحكومة وبين الفريق عنان، ثلاثة لارابع بينهم لإيجاد الحل المناسب. صرح الكتاتني للجزيرة بعد أكثر من شهر على ذلك اللقاء بأن رئيس الوزراء قال له إن قرار حل مجلس الشعب موجود في أدراج المحكمة الدستورية العليا، ولا ندري حقيقة الأمر أو لماذا لم يصارح الكتاتني البرلمان في حينه أو يصارح الشعب الذي إختاره بهذا الأمر الخطير. ولم نعرف حتى اليوم ماذا كان رد فعل الفريق عنان الرجل القوي داخل المجلس العسكري الحاكم . وزاد الطين بلة أن الدكتور الجنزوري رئيس الحكومة أنكر ما قاله الكتاتني رئيس البرلمان جملة وتفصيلاً، وتحدى البرلمان أن يستطيع حل الحكومة أو سحب الثقة منها كل منهما في واد حصين. ما هى إحتمالات هذا الموقف أخلاقياً؟ وكيف يثق الشعب في أيهما إن كان ضعيف الفهم أو كان كاذباً. وكيف يثق الشعب في قيادة برلمانية تشريعية رقابية أو يثق في حكومة تنفيذية إن كان في قولهما غموض وتناقص حول موقفهما ينم إما عن ضعف الفهم أو الكذب؟ طبعاً كان الحل التوفيقي في إقتراح إعادة تشكيل الوزارة وتغيير عدد محدود من الوزراء منهم وزير الخارجية الذي ساء حظه نتيجة الأزمة التي لا مبرر لها بين مصر والسعودية، مما أدى إلى قرارات عنترية في الجانب السعودي من أهمها سحب السفير وإغلاق السفارة والقنصليات السعودية في مصر. والسفارة الوحيدة التي يجب أن تظل مفتوحة في كل البلاد هى السفارة السعودية لارتباطها بأعمال تتعلق بالدين والعبادة مثل العمرة والحج والزيارة. وينبغي أن تظل بعيدة عن الممارسات السياسية وحالات الغضب والانفعال والتوتر بين السعودية وبين أي دولة أخرى. أما على ساحة الانتخابات الرئاسية فقد تمايزت الكتل تمايزاً واضحاً، وبدأت مرحلة الدعاية رسمياً اعتباراً من أول مايو ولمدة ثلاث أسابيع، وبحد إنفاق لا يتجاوز عشرة ملايين جنيه مصري . وأخطر ما في هذه الانتخابات توجيه السهام للآخرين تشكيكاً وتجريحاً وقذفاً لا تنافساً شريفاً يركز على البرامج والأداء ومصلحة الوطن. ونسى الإسلاميون أن قد يكون أحدهم أبلغ حكمة أو قولا من صاحبه فيأخذ من حقه ويجور عليه فيكون مصيره النار وهذه لغة يفهمها الاسلاميون، ونال الدكتور أبو الفتوح الحظ الأوفر من الاتهامات الغريبة، ولا تزال وراء الجدران جماعات مستترة منهم من يركّب فيديوهات أو سيديهات تسيء إلى الرجل وغيره وهو منها براء، ولربما تطور ذلك في المستقبل إلى إستخدام القوة العضلية أو أي قوة أخرى أو سلاح آخر. يتميز أبو الفتوح بين المرشحين الاسلاميين وهم الثلاثة أصحاب اهتمامات كبيرة في الفكر أو التنظيم أو الأداء بأنه يتسم بالسماحة والصرامة وقبول الآخر مهما كان لونه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهذا يتضح جلياً في تصريحاته وفي كتاباته، وفي لقاءاته ويتضح عملياً في زياراته وندواته ومؤتمراته. لدى أبو الفتوح رغبة وقدرة على التعاون مع كل التيارات السياسية والفكرية في مصر إلا ما كان ينتمي إلى الفلول أو بعد امتداداً للنظام القديم، ويتميز أبو الفتوح أيضاً في ميدان النظرة المنصفة للمرأة، وحقوق المواطنة الكاملة للمسلم والمسيحي، وفضلاً عن ذلك كله ملازمته للميدان وإنضمامه للثورة دون إنتظار قرار مرجعية دينية أو سياسية. لا ننسى زيارة أبو الفتوح إلى الروائي الكبير نجيب محفوظ، مما يدل على كامل الانفتاح واحترام العلاقات الإنسانية وكان رد الفعل الإنفعالي السيء ممن كانوا معه في مركب واحد قبل الانفصال عن التنظيم وليس عن الدعوة الاسلامية. المرشحون الملتزمون بالثورة هم الأولي حالياً بقيادة مصر ونصيحتي للجميع أن يدركوا أن مؤسسة الرئاسة تستوعبهم جميعاً لو أننا نقدر مصلحة الوطن أولاً. أحزن كثيراً عندما أرى سلوكاً ينم عن ضيق الأفق عند بعض من يركبون مركب الدعوة الإسلامية. والله الموفق نشر بالعدد 595 بتاريخ 5 مايو 2012