تعكس الضجة التي أثيرت حول مقتل من يشتبه بأنه عزة إبراهيم الدوري، أبرز الأركان المتوارين لنظام صدام حسين، الأثر الذي لا يزال الرئيس العراقي الأسبق يحتفظ به بعد 12 عاما من سقوط حكمه. ويؤشر تحلق عشرات العراقيين قبل أسبوعين حول نعش الرجل الاصهب الذي لم يتم التأكد رسميا بعد من أنه الدوري، إلى محاولتهم طي حقبة نظام حزب البعث الذي حكم البلاد لعقود بقبضة من حديد، واسقطه الاجتياح الأمريكي في العام 2003. في 20 أبريل، تسلمت الحكومة جثة الشخص الذي قتل قرب مدينة تكريت، من «كتائب حزب الله»، وهي فصيل شيعي يقاتل مع القوات الامنية لاستعادة مناطق يسيطر عليها تنظيم «داعش». وعلق مسؤول الكتائب الشيخ جاسم الجزائري: "هذا المنجز لا يقل اهمية عن المنجز السابق الذي تحقق من خلال إعدام صدام المقبور عام 2006". وخلال نقل النعش من شاحنة تابعة للكتائب إلى أخرى تابعة لوزارة الصحة، تدافع عشرات الشبان والصحافيين لرؤية الجثة وتصوير النعش، وبدأ ابتعاد شاحنة وزارة الصحة ببطء على وقع صيحات "«الموت للبعثيين»، اشبه بانفصال رمزي عن مرحلة أليمة لكثير من الحاضرين الذين حاول بعضهم ضرب النعش بحذائه. إلا أن رحيل من يعتقد أنه الدوري، الذي كان بمثابة الرجل الثاني إبان حكم صدام، لا يعني حكما نهاية إثر الحزب الذي حكم لأكثر من ثلاثة عقود. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري: "البعث ما زال نشطا، وكل من يقول بإن البعثيين انتهوا وإن حزب البعث انتهى، يجافي الحقيقة. قد يختفي الرمز صدام أو عزة الدوري، لكن الكثير من القيادات لا تزال فاعلة وتحاول معاداة النظام السياسي الديموقراطي في العراق". ويتحدث الشمري عن الأثر المستمر للحقبة النازية في المانيا بعد سبعة عقود على نهاية الحرب العالمية الثانية، ليقارن بينها وبين العراق، قائلا: "الوقت مبكر من أجل الانفلات من شبح صدام، نحن بحاجة إلى عقود من أجل التخلص من آثار صدام وما تركه في الداخل العراقي". ويتهم البعثيون بأداء دور في أعمال العنف التي تضرب العراق بلا رحمة منذ 2003. كما يتهمون بالتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على مناطق واسعة من البلاد إثر هجوم شنه في يونيو، لا سيما وأن أبرز هذه المناطق كالموصل وتكريت، تعد نقاط ثقل بعثية تقليديا". وما عزز هذا الاتهام، كشف مجلة «در شبيجل» الألمانية في 19 أبريل، وثائق تظهر أن "ضابط الاستخبارات السابق سمير عبد محمد الخليفاوي وضع استراتيجية تمدد التنظيم المعروف باسم داعش". وأضاف الشمري، أن "الوثائق أقنعت العراقيين بأن التنظيم واجهة، وأن الواقع قد يكون محاولة لقلب نظام الحكم وعودة البعث بصورة جديدة". حاولت السلطات منذ 2003 الحد من تأثير الحزب عبر قرارات عدة ابرزها حل الجيش وقانون «المساءلة والعدالة» الذي تلا «اجتثاث البعث». وشملت هذه القوانين نحو 130 ألف حالة، بينها أكثر من 17 ألف شخص تم "اجتثاثهم نهائيا بحرمانهم الوظائف الرسمية والحقوق التقاعدية، بحسب رئيس هيئة «المساءلة والعدالة» باسم البديري. وأضاف البديري، أن "هدف هذه القوانين هو تطهير المؤسسات ممن أوغلوا في جرائمهم بحق العراقيين؛ لأن الظهير المساند للإرهاب هم البعثيون". ورغم عودة عدد من الضباط السابقين للخدمة في الجيش بعد 2003، إلا أن العديد من رفاقهم المبعدين يعبرون عن نقمتهم من الطريقة التي عوملوا بها. وأوضح الفريق الركن السابق أبو مطلك (62 عاما)، أنه "لا يوجد ضابط في الجيش ممن لم يعودوا إلى عملهم إلا وتعاطف أو عمل أو شارك مع الجماعات التي وقفت ضد الأمريكيين". وأضاف الرجل الذي اضطر للعمل كسائق أجرة لإعالة عائلته: "في قرار واحد تم تسريحنا وجدنا انفسنا بلا عمل وعوائلنا بلا مال، كيف تريد أن اشارك ببناء نظام سياسي جديد طردني من كل شي وحرمني كل شي؟". وشهد أبريل أحداثا إضافية مرتبطة رمزيا بصدام، وهو المولود في الثامن والعشرين منه، ففي مطلع الشهر، استعادت القوات العراقية مسقطه تكريت، وفي 18 منه، استقال المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء رافد جبوري إثر انتشار أغنية أداها قبل 15 عاما، يمجد فيها صدام. إلى ذلك، لا يزال حضور الحقبة السابقة ينعكس من خلال المشاعر المتناقضة لعراقيين ما زالوا يعانون من دموية الحكم السابق، وآخرين يفاخرون بعاطفتهم تجاه صدام. وقال الكردي أراس عابد (47 عاما): "ما زلت ارتجف عندما اسمع اسم صدام في التلفزيون او الراديو. ليس خوفا، وانما كرها وحقدا، أتألم كثيرا لشعوري بالوحدة من دون أهلي، بعدما فقد 12 من أفراد عائلته في قصف القوات العراقية لمنطقة حلبجة بالسلاح الكيميائي عام 1988. أما محبو الرئيس الأسبق، فتسابق الدموع كلماتهم أثناء الحديث عنه، ومنهم أبو محمد، الرجل السبعيني الذي انتسب إلى البعث قبل نحو خمسين عاما. وأضاف: "الحزب موجود، أين يذهب؟ موجود في قلوبنا. عندما تحمل أي فكر مستحيل أن تتخلى عنه، حتى الآن المسؤولون يخافون من سيرة البعث، يخافون جدا من صدام لأنه لديه مبادئ وقيم، مشيرا بمزيج من السخرية والتأثر إلى أنه "كلما أرى صورته يخفق قلبي، أما عندما يظهر هؤلاء المسؤولون، أرغب في أن أنزع حذائي وأضربهم به".