يقولون إن لكل زمان آية، وآية هذا الزمان برأيى هو «الدش». والدش حتى لا يظن ظانن أو يرمينا رام بما ليس فينا ولا نقصده، هو ذلك الطبق الذى يمنع اشعة الشمس عن سكان الطابق الأخير فى كل بيت وعمارة فى مصر، وهذه إحدى حسناته ومحاسنه وليست كلها، فهناك أم الحسنات وأصلها وهى السبوبة وأكل العيش لكل الذين هجروا القلم من إخواننا الصحفيين. والملاعب العشبية من أصدقائنا الرياضيين، والعيادات والمستشفيات من دكاترتنا الحلوين، الذين بقدرة قادر وبفعل فاعل أصبحوا مذيعين ومذيعات وعاشوا فى تبات ونبات، وقدموا برامج ملئوا بها الاستديوهات بالتحليل والتحاليل، والعليل دائما هوالمشاهد الذى شاف كل حاجة، فبالريموت يفعل المرء مايريد. وكما أن للدش ذلك الطبق العجيب سبع فوايد، له أيضا سبع منغصات وفى تلك السطور سوف نرصدها والأجر والثواب عند الله. أول هذه المنغصات سوف تجدها وأنت تمر مرور المضطر على القنوات التى تقترب من ال700، وهى مجموعة القنوات اللغزية، واللغزية تعنى تلك التى تقدم فوازير وألغازا تذكرك بالشياطين، ولا أقصد الشياطين ال13 التى تربيت على قراءتها، وانما الشياطين الحقيقيون الذين سوف يسلسلون قريبا فى شهر رمضان. فتلك القنوات تعشق التكرار، وتدعى أن مسابقتها للشطار، فتقف فتاة لاتوصيف لمهنتها فى قواميس الإعلام أو الشهر العقارى، وتبدأ تتمايل وتغنى ويوضع خلفها لوحة عليها السؤال الذى هو عميق وجرىء فى نفس الوقت مثل «اخت خالك وليست بخالتك من تكون»، وتقف هذه الفتاة التى غالبا ما تكون قد أكلت لسان جدى فيما مضى وربما يكون هذا من متطلبات تعيينها، تقف وتتحدث دون أن تتوقف وتشجع على طريقة يلا وهيلا وشدوا حيلكم. وطبعا الجوايز بالألوفات (100 ألف دولار) والمطلوب دائما ليس معرفة الإجابة، وانما دفع ثمن الاتصال الذى يمكن أن يخرب بيت، أمك هى الإجابة الصحيحة وليست الشتيمة، ومع ذلك تجد من يخطئ حتى يكون هناك رابح وفرصة جديدة. هذه القنوات تفقع المرارة وإن لم تفعل فسوف يفقعها من يصدق أن هناك رابحا. ثانى المنغصات الفضائية هى قنوات الشوبينج والشوبينج كلمة دخلت قاموسنا اليومى بعد عناء وتعنى التسوق، فأنت دائما على موعد مع تلك القنوات التى تعرض كل مالذ وطاب، وإن كنت تخينا مثلى وفشلت معاك كل محاولات التخسيس. فسوف تجد لدى هذه القنوات حلولا وتفقد الوزن الزائد، هذه القنوات يعلن فيها عن كل شىء من أطباق السفرة وحتى مفارش السرير وما بينها أجهزة واختراعات تدمر ما تبقى لك من مدخرات، فهذه القنوات تشعر أنها تنتظرك كل أول شهر هى وزوجتك لتقلب كل ما لديك وتحثك على الشراء. ثالث المنغصات الفضائية له علاقة بالشراء أيضا لكنه أكثر قسوة من قنوات الشوبينج الخفيف ووقعها على المشاهد، وهى تلك القنوات العقارية التى تعرض على مدار الساعة فرصا من وجهة نظرها من عينة قصر لعظيم ب22 حمام سباحة ب50 مليونا فقط والله فرصة وبالطبع تتابع الكاميرا جنبات القصر والفيلا وشقق العظماء وكلها فرص. ومن قنوات التسوق والشوبينج إلى قنوات الغناء و«الدنس» بمعناها الذى يعود إلى عمنا توفيق الدقن وأكثرها استفزازا تلك التى لا ترى فيه إلا الراقصات وأغلبها قنوات خليجية تهز فيها فتيات طويلة التيلة والشعر الحرير كل ما لديها من شعر طبعا، وتسمع غناء لن تفهمه ليس لأنه صعب ولكن لأنك لاتركز إلا فيما يتطاير من الموديلز الذين يرفعون شعار لا يأس مع الغناء ولا حياة بدون رقص. وطالما انتقلنا من المحيط إلى الخليج فلابد وأن نذكر قنوات السيطرة على العراق التى تزيد عن العشرين قناة، وتشعر ان الغرض منها ليس إظهار وحدة «هادولا العراقيين» وإنما تشتيتهم أكثر وأكثر، هذه القنوات الأفضل أن تبعد عنها وبصفة خاصة قناة الحرة قال حرة قال لأن الحرة تجوع وتجوع أشقاءنا معاها. قنوات السحر والشعوذة وقراءة الطالع والنازل من منغصات الدش أيضا، وهى تنتشر بإحم وبدون دستور وبمسميات مختلفة وبشخصيات مبتكرة، مرة شيوخ ومرة قساوسة والمشاهد متعلق بقشاية اسمها الدعوة والرقية. آخر المنغصات الفضائية وأهمها هو الصراع الرياضى الممل بين القنوات والبرامج الكثيرة التى تحظى بنسبة مشاهدة عالية، وأكثر ما يضايق فى هذه البرامج المهمة هو عملية التقطيم والتقطيع المتداولة بين نجوم الرياضة الذين أصبحوا إعلاميين مع مرتبة الشرف. وأكثر حكايات التقطيع وأكثرها مللا هو موضوع البث الفضائى وحق الأندية وحق القنوات الذى لا يخلو برنامج منذ عام دون الحديث عنه، حتى أنك تجد نفسك تقولها وبالفم المليان «بث بقى»!.