لو أن هناك عدالة حقيقية فى العالم لوجب وضع بنيامين نتنياهو وسائر العصابة الحاكمة فى فلسطين خلف قضبان محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى وتم الحكم عليهم بالإعدام ملايين المرات جراء جرائمهم ضد العرب. لكن موازين القوى المختلة وشريعة الغاب التى تحكم النظام العالمى الجديد جعلت هذا الإرهابى الحقيقى يقف فى الصف الأول بين زعماء العالم الكبار فى المسيرة العالمية ضد الإرهاب تنديدا بالمجزرة الإرهابية التى طالت صحيفة «شارلى أبدو» الفرنسية. أى مسلم عاقل لابد أن يدين الهجوم ضد الصحيفة الفرنسية رغم اختلافنا الكامل والجذرى معها وانتقادنا لها بسبب تعمدها الإساءة المتكررة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وللدين الإسلامى، لكن ذلك لا يبرر أى عنف وإرهاب للرد على هذه الإساءة. وإذا كنا نتعاطف مع الشعب الفرنسى ضد ما حدث فى باريس، لا نفهم بالمرة لماذا قبلت الحكومة الفرنسية ان يتصدر المسيرة المنددة بالإرهاب واحد من عتاة الإرهابيين فى العالم أجمع. لو لجأنا إلى المقارنة فإن إرهاب داعش بكل توحشه يعتبر «لعب عيال» مقارنة بإرهاب الدولة الذى تمارسه إسرائيل ضد العرب والفلسطينيين منذ زرعها قسرا فى المنطقة العربية عام 1948 وحتى هذه اللحظة. هى احتلت ولاتزال كامل فلسطين والجولان ومزارع شبعا وخرجت بصعوبة من سيناء، ولا تزال تحاصر قطاع غزة حتى هذه اللحظة. قتلت النساء والأطفال وتهود الأرض العربية وتسرق البيوت وتطرد أصحابها الأصليين وقبل شهور قليلة قتلت حوالى 2000 فلسطينى ودمرت عشرة آلاف منزل وشردت مئات الآلاف من الأسر فى عدوانها الاخير على قطاع غزة. الغرب - الذى يقول عن نفسه انه متحضر - لا يصمت فقط عن جرائم إسرائيل، بل هو يدعمها ويحميها فى كل المحافل الدولية وآخرها عدم الموافقة فى مجلس الأمن قبل أيام على قرار يجبرها على تحديد سقف زمنى لإنهاء الاحتلال. تمارس أوروبا نفاقا كبيرا حينما تتجاهل حكوماتها ووسائل إعلامها المجهود الضخم والمحترم لبعض الاكاديميين الأوروبيين الذين يقاطعون الجامعات الصهيونية أو منتجات المستوطنات فى الضفة الغربيةالمحتلة وحتى منظمات حقوق الانسان الدولية تصمت فى مرات كثيرة عن الانتهاكات الاسرائيلية. إرهاب داعش والقاعدة والنصرة وكل فروعهم مرفوض شكلا وموضوعا، لكن الاحتلال الإسرائيلى هو واحد من أهم أسباب الإرهاب فى المنطقة وربما لولاه لانشغل العرب بالتنمية والتقدم والديمقراطية بدلا من ترك الحكام المستبدين يستغلون المأساة الفلسطينية لتأجيل أى نقاش بشأن الحرية والديمقراطية وحتى داعش نفسها ربما ما كانت لتتواجد لولا العدوان الهمجى الامريكى البريطانى للعراق عام 2003. وجود نتنياهو فى مقدمة صفوف زعماء العالم سيبعث برسالة سلبية لكل الشعوب العربية والمسلمة خلاصتها أن هذا «العالم المتحضر» يستنكر فقط إرهاب داعش لكنه يؤيد عمليا إرهاب إسرائيل ضد العرب والمسلمين. كان يمكن لفرنسا أن تقنع نتنياهو بمليون طريقة ألا يتصدر الصف الأول، حتى لا يترسخ فى أذهاننا وجود عنصرية أوروبية أو غربية بشأن التفريق بين ضحايا الإرهاب من عرب أو عجم. قد تفلح الطائرات والصواريخ فى الحد من خطورة داعش وأمثالها، لكن مشهد تصدر الإرهابى نتنياهو لمسيرة باريس سوف يرسخ فى اذهان معظم العرب والمسلمين بأنه لا توجد مصداقية أوروبية وغربية حقيقية فى مقاومة كل أنواع الإرهاب. والى ان يتوقف الغرب عن هذا النفاق فإن داعش وامثالها ستجد للاسف مبررات مستمرة لمواصلة ارهابها.