«تسميم المناخ السياسى، وتجريف الحياة السياسية»، كان ذلك العنوان الأبرز للجرائم التى ارتكبها الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ونظامه، وحزبه الحاكم، دون محاسبة تذكر. ظل مبارك وحزبه يحاربون الأحزاب المدنية، فى الوقت الذى فتح فيه المجال لجماعة الإخوان المسلمين للعمل عبر الجمعيات الخيرية والنقابات، وتقديم الخدمات الاجتماعية، ماضيا فى طريق أوصلنا لثنائية شيطانية هى «الحزب الوطنى، والإخوان»، مع عدم السماح للأحزاب المعارضة بالحصول على عدد مقبول من المقاعد، ومن جانبها كانت الجماعة تقدم باستمرار تنازلات لاتمام الصفقات، وأبرزها ما أعلنه محمد مرسى، الرئيس المعزول حاليا، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين ومسئول لجنة الانتخابات فى الجماعة وقتها، أنه ينسق مع الدكتور حمدى السيد فى الحزب الوطنى (الحاكم آنذاك) فى الانتخابات البرلمانية، وأنه يقدر رموز الحزب مثل أحمد عز وزكريا عزمى، قائلا: نحن نقدر الأمور فإننا نحترم رموز الوطن، والدليل أن الدكتور زكريا عزمى، مرشح الحزب الوطنى فى الزيتون، نحترمه ونقدره، فهل معنى ذلك أننا غير قادرين على ترشيح أحد أمامه.. لا.. نحن قادرون ولكننا نحترمه ونقدره. رسخ الحزب الوطنى فى مصر نظام لحكم الحزب الواحد، بعد تجريف للساحة السياسية من أحزاب قوية أو ساسة معارضين قادرين على قيادة الجماهير، وبدورها جاءت انتخابات البرلمان لعام 2010 لتكن مسمارا فى نعش الحزب الحاكم منذ عقود، ويعلن على إثرها عدد من الأحزاب الانسحاب من جولة الإعادة للانتخابات وعلى رأسها حزب الوفد. ياسر حسان، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، يؤكد أن النظام الحاكم حاول أن يجرى صفقة مع حزبه فى انتخابات 2010، عبر مفيد شهاب، وزير الدولة للشئون النيابية آنذاك، وكان وسيطا للنظام الحاكم مع بعض الحزاب المعارضة، مفاداها أن يستكمل الوفد جولة الإعادة من آخر انتخابات أجريت فى عهده، على أن يعلن عقب الجلسة الأولى للبرلمان انضمام 30 نائبا للوفد، ليكن رقم فى المعادلة البرلمانية، إلا أن الوفد رفض ذلك بشكل قاطع، وعقد مؤتمرا صحفيا أعلن خلاله رفضه للجولة الثانية. النظام استعان بكل الوسائل لتجريف هذه الحياة من التضييق على المنضمين للأحزاب، ومحاولة استقطابهم للحزب الوطنى الحاكم، وما حدث فى 2005 نموذجا. حسان يؤكد أن التدخل الذى حدث من قبل الدولة فى انتخابات برلمان 2005 بجولة الإعادة كان سببا فى تراجع ممثلى الوفد، الذى حاز 4 مقاعد بالجولة الأولى. ويستكمل قائلا: «أكبر صفقات النظام الحاكم كانت مع الجماعة التى تركت لأحمد فتحى سرور، دائرة السيد زينب، وغيره من رموز الحزب الوطنى بالقاهرة والإسكندرية وبعض المحافظات»، فضلا عن استمرارهم فى العمل الدعوى فى الخفاء إلا أن النظام كان يعلم وتركهم سنوات يشاركون المواطنين العمل المجتمعى، ومن خلاله عبروا للبرلمان والعمل السياسى بشكل عام بعد الثورة. المشهد بعد الثورة يراه حسان مختلف تماما عن سابقه، ففى انتخابات 2011 التى أجريت أثناء حكم المجلس العسكرى برئاسة المشير محمد حسين طنطاوى، بعد تنحى مبارك، حصد الوفد 57 مقعدا، مقسمة ما بين 42 نائبا بالشعب، و15 بمجلس الشورى، مضيفا «لو أن الحريات فى المجال السياسى كانت كما بعد الثورة منذ عقود لاختلف الأمر ولم يكن بعيدا أن يكون الوفد يوما ما حزبا حاكما». أمين إسكندر، أحد مؤسسى حزب الكرامة، يروى تجربة الكرامة فى محاولة تأسيس الحزب التى بدأت منذ عام 1997، بإصدار وثيقة تحت مسمى «الوطنية الجامعة»، تنطلق مبادئها من ثورة 23 يوليو، وتقدم مؤسسو الحزب بأوراق تأسيس حزبهم 4 مرات، فى الفترة من 2001 إلى 2012 بعد أن قامت الثورة وقبلتهم اللجنة آنذاك فى نفس توقيت قبول أوراق أحزاب ما بعد الثورة، وأبرزها حزب الحرية والعدالة الذى أسسته جماعة الإخوان وحزب النور السلفى، بالإضافة لعدد من الأحزاب الاسلامية والتى بلغت ما يزيد على 70 حزبا. فى كل مرة يذهب حمدين صباحى، وكيل مؤسسى الحزب، والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية، ومعه أمين إسكندر، وآخرون، تشهد محاولة تأسيس الحزب تعنتا من لجنة شئون الأحزاب، من نوع أن أهداف الحزب مطابقة لأحزاب أخرى، منها الحزب الناصرى، بحسب إسكندر. «تغيير السلطة القائمة بالديمقراطية، وتغيير البرنامج السياسى الحالى، ليكون الجميع شريكا فى صناعة القرار»، الجملة التى نصت عليها وثيقة الحزب، واعتبرها إسكندر أحد أسباب رفض شئون الأحزاب للأوراق، مشيرا إلى أنه فى كل مرة تغير اللجنة شروط قبول الحزب، ويأخذ بها المؤسسون إلا أنها تعاود وترفض، وتم الإشهار بعد ثورة 25 يناير. حمل إسكندر الرئيس الأسبق ورجاله مسئولية ما آلت إليه الحياة السياسية فى مصر من تجريف، مشيرا إلى أن هذا التجريف نال الحزب الناصرى الذى كان هو أحد أعضائه وحول التيار الناصرى لحزب و4 رجال فقط، يتحكم فى خطابهم وقرارهم النظام الحاكم، «وهو أحد أسباب استقالة العديد من الناصريين وتأسيس الكرامة. واستشهد نافعة على صحة حديثه ما حدث فى الانتخابات البرلمانية قبل الثورة مباشرة فى عام 2010 من تزوير كامل لصالح الحزب الوطنى، بعدما فقد ثقة الشعب فيه، وتراجع شعبيته، «فهو لم يكن أبدا رمزا للوطنية والإخلاص بل أهدر فرصا تاريخية عديدة خلال حكمه لنقل مسار الدولة، وتقدمها. وأضح أستاذ العلوم السياسية أن مبارك لم يحاسب على هذا الإفساد نظرا لوجود خلل قانونى فيما يخص المجرمين بإفساد الحياة السياسية، مشيرا إلى ضرورة معاقبته وفق قانون العدالة الانتقالية، محملا المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسئولية تبرئته وعدم تقدم الأدلة الكافية لإدانته. يرى نافعة أن الطريقة التى استعملها مبارك ونظامه فى مواجهة القوى السياسية هى التى أدت لثنائية الإخوان والوطنى، وأدى لسطوع نجم تيار الإسلام السياسى، موضحا أن نظام مبارك استخدم عملاءه لاختراق الأحزاب وتفكيكها، وتفجيرها، وإغلاق بعضها كذلك، هو ما يؤكد عدم حياديته تجاه القوى السياسية. من جهته، قال عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن أحد أكبر خطايا الحزب الوطنى هو تجريف الحياة السياسية، وإفقار المسرح السياسى المصرى واقتصاره على لاعب أوحد مما رسخ لقواعد الاستبداد، مستعينا بتشريعات استثنائية ك«قانون الطوارئ»، بالإضافة إلى ذراع أمنية ساعدته على اختراق الاحزاب وتفريغها من مضمونها. وأضاف ربيع أن ذلك كان له أثر مباشر على المواطنين وحياتهم، لأنه منعهم من وجود ممثلين حقيقيين لهم سواء داخل الغرف البرلمانية أو فى المحليات، ما أدى لسوء الأحوال المعيشية، وغياب التمويل والقيادة اللازمين لتحسين حياة الشعب. زواج المال بالسياسة نجح الحزب الوطنى بشكل مذهل فى تخريب أصول الدولة المصرية فى سنوات قليلة، برع فى أن يجمع أكبر عدد من المغامرين والسماسرة الذين استباحوا ثروة هذا الشعب، فى ظل حكومات « الوطنى» خسرت مصر أكثر من مليون فدان تحولت إلى المنتجعات السكنية والسياحية وملاعب الجولف والبحيرات الصناعية ومساكن الصفوة وبيوت الشباب التى لم يسكنها أحد. تم بيع أكثر من 300 وحدة إنتاجية من وحدات القطاع العام بأسعار زهيدة لاتصدق، أظهرت لجان التحقيق سيل من الصفقات المشبوهة المعتمدة على العمولات والسمسرة وقوامها عمال مشردين ومصانع الحديد والسيارات والأسمنت والأغذية والمشروبات والسلع الغذائية والفنادق وعمر أفندى وجتنيو وشكوريل وصيدناوى،كل أوراقها عند عاطف عبيد وأحمد نظيف ويوسف بطرس غالى وعز ورشيد والمغربى ومجموعة رجال الأعمال الذين باعوا أصول الدولة المصرية. لجنة السياسات انضم جمال مبارك، نجل الرئيس الأسبق، لعضوية الحزب الوطنى عام 2000، وتولى أمانة لجنة الشباب، وكوّن جمعية جيل المستقبل، وبعد عامين فقط، تولى منصب أمين لجنة السياسات، ليصبح مسئولا عن رسم سياسات الحكومة، ومراجعة مشروعات القوانين قبل إحالتها للبرلمان. وفى عام 2007 استطاع أن يصبح الأمين العام المساعد للحزب، بالإضافة لمنصبه كأمين لجنة السياسات. لاحقت السمعة السيئة أعضاء اللجنة، والذين تدخلوا فى كل كبيرة وصغيرة بالبلاد، اعتمادا على ذراع امنية تولى سحق الخصوم ومباركة الموالين وتعيينهم فى كل المواقع القيادية بالدولة، أشرفوا على تعيين رؤساء الجامعات والصحف القومية والمؤسسات الحيوية، لم يخل قاموسهم من مصطلحات الرشوة والمحسوبية والقمع والبطش. التوريث تكونت مواكب من العائلات فى شئون البيزنس وإدارة الأعمال، وأصبحت ثروة مصر كلها بتجارتها وأراضيها ومصانعها موزعة على خمس أو عشر عائلات، كل واحدة منها تخصصت فى مجال من المجالات، ينكشف التوريث ك«مشروع» بتتبع جداول المعينين فى المهن المهمة فى الدولة ورصد الأسماء لتدرك على الفور أننا كنا نعيش فى عزبة صغيرة وليست دولة عريقة، لقد تم توريث كل شىء فى مصر وكان الهدف هو التمهيد للوريث الأكبر.