تبرُّع الرئيس عبدالفتاح السيسى بنصف راتبه ونصف ممتلكاته خطوة ذكية، لكن الخوف الأكبر أن ينتهى الأمر بالطريقة التى انتهت إليها كل خطوات الرؤساء السابقين. كنت حاضرا فى منصة احتفال الكلية الحربية صباح الثلاثاء حينما أعلن الرئيس قراره خلال خطابه، الذى أراه الأهم منذ توليه منصب الرئيس. عندما كان السيسى وزيرا للدفاع وقبل ان يعلن ترشحه جلست معه قبل شهور قليلة ضمن مجموعة من الزملاء الصحفيين. يومها تحدث السيسى عن حقيقة الأزمة الطاحنة التى تعيشها البلاد، وربما كان ذلك هو السبب الذى جعله يتردد كثيرا فى اتخاذ قرار الترشح للرئاسة. المغزى واضح من قرار الرئيس التبرع بنصف راتبه ونصف ممتلكاته وهو ان يكون قدوة للقادرين والأثرياء على ان يفعلوا نفس الأمر، وان يشجع الجميع على التضحية أو على الأقل ان يفكر أصحاب المطالب الفئوية والاجتماعية أكثر من مرة قبل ان يطلبوا أى شىء من الدولة. السؤال الذى شغل كثيرين هو: لماذا نعتقد ان الأثرياء والقادرين سوف يتبرعوا «بجد» هذه المرة وهم لم يفعلوها من قبل؟!. أتذكر انه أثناء عهد السادات ومبارك خرجت أكثر من مبادرة تطالب المواطنين بالتبرع لسداد ديون مصر، واتذكر أيضا أن الشيخ محمد حسان بدأ فى عهد مرسى حملة جمع تبرعات لكى نستغنى عن المعونة الأمريكية. مبدئيا ينبغى أن نحيى أى شخص على أى مبادرة هدفها مصلحة مصر واقتصادها وتشجيع فكرة المشاركة والأعمال الخيرية، لكن ينبغى أن يتم كل ذلك فى اطار ضوابط محددة حتى تحقق الأهداف المرجوة منها. الأصل ان تحصل الدولة على حقوقها من المواطنين من ضرائب، وبعدها فإن المجال مفتوح للأعمال الإنسانية. الذى رأيناه بعد مبادرة السيسى هو قيام بعض رموز المجتمع بالاتصال بالقنوات الفضائية والإعلان عن التبرع بمبالغ ونسب مختلفة. ربما يكون مجديا أكثر ان نحصل من كل شخص على حقوق الدولة أولا. بمعنى انه علينا ان نتأكد ان كل القادرين قد سددوا ما عليهم من ضرائب ورسوم وكل حقوق الدولة. هناك شبهات كثيرة على بعض الأثرياء بأنهم يتهربون من الضرائب، وانهم يستغلون مناصبهم ونفوذهم وأجهزة إعلامهم للتهرب من سداد هذه الضرائب، والتقديرات تقول إنها تصل إلى حوالى سبعين مليار جنيه. هناك أيضا حيتان الأراضى الذين حصلوا على ملايين الأمتار لزراعتها ثم حولوها فجأة إلى عمارات وفلل سكنية، والسؤال: هل حصلت الدولة على حقوقها من هؤلاء؟. مرة أخرى، من المهم تشجيع طرح كل المبادرات الإنسانية والخيرية، لكن علينا أن نضمن أولا أن «النظام الأساسى» أو السيستم الطبيعى يعمل فعلا. أكثر ما أخشاه أن النصابين وملوك الفهلوة ورجال كل عصر سوف يحاولون التستر خلف مبادرة السيسى ليتهربوا من سداد ما عليهم أصلا من حقوق للدولة. ولذلك ينبغى علينا أن نعرف كم دفع كل منهم بالضبط من مستحقات للضرائب؟ وما هو حجم ثرواتهم بالفعل؟، وبعدها يمكن ان نشكرهم على تبرعهم من أجل حب مصر!.