فى بريطانيا، يندر أن تجد رجل أعمال، لا يتبرع لمشروع أو جهة ما. ويصف البريطانيون كثيرا من رجال أعمالهم ب "المحسنين"، وتسميهم الجمعيات الخيرية "المتبرعين فاعلى الخير". تقول تقديرات العام الماضى إن فى 33 المئة من هؤلاء “المحسنين” تبرعوا ب 100 مليون جنيه استرليني، بخلاف الضرائب المستحقة عليهم، لمشروعات مجتمعية. كما تشير إلى أن 28 فى المئة من ذوى الدخول التى تتجاوز 200 ألف جينه استرلينى يتبرعون لأعمال الخير. وخلال السنوات الماضية، شهدت فيها بريطانيا أزمة اقتصادية ضاغطة على الناس والدولة، زاد دور رجال الأعمال الذين يؤمنون بالمسؤولية الاجتماعية، وتعمق إيمانهم بضرورة “إعادة صياغة عقد اجتماعى بينهم وبين المجتمع”. شركات كبرى، تعمل فى كل ما يتصوره المرء، تدعم منظمات اجتماعية مثل “البزنيس فى المجتمع” بمئات الملايين سنويا لإعادة صياغة هذا العقد ودفع بريطانيا للتغيير نحو الأفضل. وتحقق المبادرة نتائج مذهلة فى وقت بلغ فيه عدد العاطلين فى بريطانيا 2.5 مليون شخص. وفى عام 2013 وحده، استفاد 37 ألف شاب من مشروعات شراكة بين المنظمة و253 شركة خاصة ورجل أعمال منهم ريتشارد برونسن، وسريتشاند وجوبيتشاند هيندوجا، ورومان ابراموفتيش، فضلا عن أفراد من العائلة المالكة مثل الأمير تشارلز ولى العهد الذى أنشأ صندوقا لدعم المشروعات الصغيرة وخلق فرص عمل فى الريف البريطاني، واستفاد منه العام الماضى 55 ألف شخص. وهناك إيمان عام بأنه مالم تسد العدالة المجتمع وينمو الاقتصاد بشكل دائم فى بريطانيا، تظل مصالح رجال الأعمال فى خطر. وأثبتت السنوات القليلة الماضية العلاقة الوثيقة بين رجال الأعمال والشركات من ناحية والمجتمع والدولة من ناحية أخرى. وتقوم العلاقة على قاعدة هي: أن مساعدة رجال الأعمال فى مواجهة مشكلة البطالة، خاصة لدى الشباب، سيمنع خطرا حقيقيا يتمثل فى ضياع جيل. والنجاح فى الحيلولة دون ذلك يضمن انتعاش الاقتصاد، ومن ثم ازدهار الأعمال وزيادة الارباح. وكان الإيمان بهذه العلاقة وراء استراتيجية الحكومة الحالية القائمة، كما يقول رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، على مبدأ يقول إن “إعطاء رجال الأعمال الثقة كى يستثمروا ويخلقوا الوظائف هو مكون رئيسى من خطتنا الاقتصادية بعيدة المدى”. ومنذ أيام قليلة فقط أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها. وأعلنت مؤسسة بالفور بيتي، كبرى الشركات البريطانية فى مجال خدمات البنية الأساسية والتعمير، عن استثمار غير مسبوق بقيمة مليار جنيه استرلينى فى تمويل سلسلة من المشروعات الصغيرة ومتوسطة الحجم فى مختلف الأنشطة، وهو ما يخلق 200 ألف فرصة عمل. وتقول الشركة “نحن ملتزمون بدعم الأعمال الصغيرة كى نتمكن من بناء بريطانيا أفضل ونترك إرثا يدوم ويؤثر على الأحياء التى نعمل فيها فى أنحاء المملكة المتحدة”. هؤلاء المحسنون لا يحسنون إلى مجتمعهم والدولة فقط، بل إلى أنفسهم أيضا. فتحمل رجال الأعمال المسؤولية الاجتماعية يساهم بقوة، كما تقول منظمة “ البزنيس فى المجتمع”، فى ترسيخ “التعاون من أجل التغيير، وتحفيز الاقتصاد وثبيت ضمانات المستقبل”. وهذا بدوره يعني: تراجع البطالة وحل المشكلات الناجمة عنها مثل الجريمة، وتخفيف أعباء الميزانية التى تتحمل المليارات لتقديم إعانات معيشة ورعاية للعاطلين، ومن ثم تجميد الزيادات الضرورية فى الضرائب، وتمكين الدولة من ضخ المزيد من الأموال فى مشروعات الخدمات العامة، ما يؤدى إلى انتعاش السوق وتقوية الاقتصاد، فتزيد قدرته التنافسية والتصديرية، ما يعنى زيادة انتاج الشركات. وإلى جانب ذلك، فإن مشاركة الشركات البريطانية فى مشروعات تدريب وتأهيل العمالة، وتوفير فرص اكتساب الخبرة العملية، يتيح لها العثور بسهولة على المواهب والمهارات الفنية المختلفة بتكلفة أقل. طالما أنها تؤمن بدور رجال الأعمال فى معركة تغيير بريطانيا نحو الأفضل، ماذا تفعل الدولة لمساعدتهم.؟ منذ تولت الحكومة الحالية فى ذروة الأزمة الاقتصادية عام 2010، وهى تركز على دعم رجال الأعمال لدرجة عرضتها لاتهامات بالمبالغة فى مراعاة مصالحهم. ويقود رئيس الوزراء شخصيا حملات الترويج للشركات البريطانية ومناخ الاستثمار فى بريطانيا عبر زيارات إلى مختلف مناطق العالم. ولأن الضرائب أحد الشواغل الدائمة، أنشأت الحكومة “منتدى الضرائب والتنافسية” تلتقى فيه برجال الأعمال وممثلى الشركات البريطانية ومتعددة الجنسيات للتعرف على أرائهم ومقترحاتهم فى الإصلاح الضريبي، وبحث سبل مساعدة الحكومة فى زيادة قدرة الشركات البريطانية على التنافس مع الشركات الأجنبية فى الأسواق الخارجية. وتمسكت الحكومة بخفض الضرائب على أرباح الشركات من 21 فى المائة إلى 20 فى المائة، وأبقت على فترة الإعفاء الضريبى على المشروعات الجديدة فى بعض القطاعات لمدة 3 سنوات. ويرجع هذا إلى إيمان حزب المحافظين، الشريك الأكبر فى الحكومة، بالمشروعات الصغيرة باعتبارها وسيلة فاعلة لخلق الثروة. كما يضمن القانون خصم التبرعات الخيرية من الضرائب المستحقة على الشركات. وبالنسبة للشركات الكبرى المصدرة، فإن الحكومة تستثمر الكثير من المال والطاقة البشرية فى التخديم عليها. ووسيلتها هى هيئة التجارة والاستثمار البريطانية، باعتبارها الذراع التجارية الخارجية للدولة. فما من سوق قائمة أو واعدة أو محتملة إلا وتقدم الهيئة كافة المساعدة اللازمة لتمكين الشركات البريطانية من الوصول إليها. وتشمل هذه المساعدات الدراسات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية وتوفير شبكة اتصالات هائلة مع الشركاء المحتملين فى الأسواق الخارجية. ويشمل الدعم المقدم للشركات تقديم ضمانات ائتمانية لمستوردى سلع وخدمات هذه الشركات فى أسواق العالم المختلفة لتشجيعهم على الاستيراد من بريطانيا. وبفضل هذه الهيئة، تتمتع الشركات البريطانية بفهم ملحوظ ودقيق إلى حد كبير لطبيعة الأسواق واحتياجات الاقتصادات فى الدول الأخرى. وفى حالة مصر، على سبيل المثال، ساعدت الهيئة الشركات البريطانية على أن تبقى المستثمر الأكبر غير العربى فى الاقتصاد المصرى لأكثر من عقد ونصف. ووصل مستوى فهم خبراء الملف المصرى فى الهيئة، كما قال أحدهم للأهرام، حد القدرة على تحديد الشخص صاحب القرار الأخير الذى يجب التعامل معه فى كل هيئة ومؤسسة مصرية لتسيير الأمور دون الحرب مع الروتين.
مليونيرات ألمانيا يطالبون بضريبة على الثروة! برلين- مازن حسان تعتبر المانيا تقليديا نموذجا فريدا فى الغرب فيما يتعلق بالمسئولية الاجتماعية للشركات ورجال الأعمال، فقد صاحب صعودها الاقتصادى منذ القرن التاسع عشر اهتماما بالغا ليس فقط من قبل الدولة وإنما ايضا من قبل اصحاب الأعمال بالبعد الاجتماعى مثل توفير الرعاية الصحية والمعاشات وخدمات عديدة للعاملين فى مصانعهم وللمواطنين فى محيط مواقع الإنتاج. وقد بلغ نظام الضمان الإجتماعى الألمانى ذروته فى ظل المعجزة الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية واصبح اقتصاد السوق «الاجتماعي» فى المانيا نموذجا يحتذى بما يتضمنه ايضا من شبكة وثيقة من التعاون بين اصحاب الأعمال الاثرياء وبين منظمات واتحادات العمل الخيرى والإجتماعى تحت إشراف حكومي. فضلا عن ذلك رسخ الدستور الالمانى بعد الحرب فكرة أن الثروة هى بمثابة التزام لصاحبها، واستخدامها لابد ان يعود بالفائدة على المجتمع بأسره! غير ان المانيا رغم أنها من اقل الدول تأثرا بتداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التى عصفت بمنطقة اليورو تعانى من تفاوت اجتماعى يتسع بشكل لافت بين الطبقات الفقيرة والمهمشة التى يتزايد عددها وبين الاثرياء من رجال الأعمال واصحاب الملايين، الذين يفضل الكثيرون منهم الهرب بثرواتهم إلى واحات التهرب الضريبى فى سويسرا وموناكو وليختنشتاين. رغم ذلك، فإن غالبية رجال الأعمال والأثرياء من اصحاب الشركات فى المانيا يحافظون على تقليد النشاط الاجتماعى ودعم الكثير من الاتحادات والجمعيات الخيرية فى مسقط رأسهم او فى محيط مصانعهم وشركاتهم. ووفقا لدراسة اجراها معهد الاقتصاد الألمانى فى كولونيا قبل ثلاث سنوات، فإن 64% من اصحاب الشركات الألمانية انفقوا نحو 11 مليار يورو فى عام واحد تلبية لمسئوليتهم الإجتماعية. وجاء دعم المدارس ودور الحضانة فى المرتبة الأولى يليها دعم الأنشطة الرياضية للشباب من منشآت وملاعب ثم دعم الأحياء السكنية الفقيرة واخيرا وجه الدعم للمشروعات الثقافية والفنية والبحث العلمى ومشروعات حماية البيئة. ووفقا للدراسة فإن رجال الأعمال قدموا دعمهم بنسبة 75% فى صورة تبرعات مالية وقدم الباقى فى صورة منتجات تنتجها هذه الشركات. اما الجهات التى تم دعمها فليست جهات حكومية بل هى فى المقام الأول منظمات المجتمع المدنى والاتحادات والجمعيات الخيرية والكنائس والمبادرات الشعبية للمواطنين انفسهم. رغم ذلك يدور جدل شبه مستمر هنا حول تهرب رجال الأعمال الالمان من مسئولياتهم الإجتماعية لأن ما ينفقونه لا يقارن بحجم الثروات التى يمتلكونها! فوفقا لتقرير مؤسسة «فالوجا» وتقارير الثروة العالمية للعديد من المؤسسات الدولية والألمانية الاقتصادية فإن المانيا إحتلت المرتبة الثالثة فى العالم عام 2013 من حيث عدد المليونيرات فيها بعد كل من الولاياتالمتحدة واليابان! ويوجد فى المانيا أكثر من مليون شخص تقدر ثرواتهم من الأموال النقدية والسندات وغيرها- دون حساب الثروة العقارية والممتلكات غير المنقولة- بنحو ثلاثة تريليون وسبعمائة مليار يورو وفقا لهيئة الإحصاء الاتحادية! بالطبع ليس كل هؤلاء من رجال الأعمال وكثيرون من هؤلاء المليونيرات ورثوا ثرواتهم عن ذويهم. وتطالب المعارضة اليسارية والكثير من المنظمات الحقوقية الحكومة الألمانية بأن ترفع ضريبة الشركات وان تفرض ضريبة على الثروة لتخفف العبء الضريبى عن المواطنين العاديين متوسطى الدخل ولتنفق الفائض على تحسين اوضاع الملايين الذين يحصلون على معونات من الدولة. غير ان الائتلاف الحاكم بزعامة انجيلا ميركل يرفض ذلك خوفا من هروب رجال الأعمال وتأثير ذلك سلبيا على الاقتصاد الالماني. ومع ذلك وفى خضم الجدل السياسى فاجأت مجموعة من هؤلاء الأثرياء المجتمع الألمانى بمبادرة فريدة طالب خلالها 23 مليونيرا المانيا الحكومة بفرض ضريبة على ثرواتهم تقدر بنسبة خمسة فى المائة على عامين تخفض بعد ذلك لتصبح 1% سنويا على ان تشمل كل من يملك فائضا من المدخرات النقدية يتجاوز نصف مليون يورو. وقدر الخبراء ان تنفيذ هذه الخطوة سيوفر لخزينة الدولة 50 مليار يورو. وصرح المليونير ورجل الأعمال برونو هاس صاحب شركة للكيماويات والمتحدث بإسم هذه المبادرة بأن ضريبة الثروة لن تؤثر كثيرا على ثرواتهم ولكنها ستسهم فى عودة التوازن والسلام الاجتماعى مرة اخرى للمجتمع الألمانى وتدعم الدولة فى تطوير نظام التعليم وزيادة المساعدات للطبقات المهمشة ودعم الطلاب غير القادرين فى سداد المصروفات الدراسية. «هاس» وغيره من اصحاب الاعمال الاثرياء مثل إيفا شتيلتس مندهشون من أنه رغم تضخم ثرواتهم فإن الضرائب التى يسددونها تنخفض ولا تزيد بسبب خوف الحكومة من فرض ضريبة الثروة التى الغتها حكومة هيلموت كول عام 1995. غير انه فى ذلك الوقت كانت اعلى شريحة ضريبية على دخول الأثرياء تصل إلى 53% أما الآن فتنخفض الضرائب تباعا حرصا على رجال الأعمال. غير ان شعار» المسؤلية الاجتماعية للشركات» اصبح للاسف موضة ترفعها جميع المؤسسات الاقتصادية والصناعية العملاقة فى العالم وتستغل بعض المشروعات الخيرية لتحسين صورتها فى وسائل الإعلام. لذا تركز الحكومة الألمانية منذ عام 2007 على رجال الأعمال من اصحاب الشركات المتوسطة الذين يشكلون العمود الفقرى للاقتصاد الألماني، ويقدر عددهم بنحو ثلاثة ملايين رجل اعمال! هؤلاء تحفزهم وزارة المالية الالمانية على النشاط الاجتماعى بإعفاءات ضريبية تصل إلى عشرين فى المائة.