أصدر اتحاد الأطباء العرب بيانا انتقد فيه التسريبات والتقارير الأمنية التى دأبت إحدى الصحف اليومية المصرية على نشرها طوال الشهر الأخير لتشويه صورة الأمين العام للاتحاد الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح (المحتجز حاليا)، والإساءة إلى الاتحاد الذى يضم عشرين نقابة عربية للأطباء. ووصف البيان الذى نشرته صحيفة الدستور أمس الأول (السبت 25/7) تلك التقارير بأنها مذكرات تحريات (أعدتها أجهزة أمن الدولة) فضلا عن أنها من قبيل «الاتهامات المرسلة» التى اعتادت بعض الجهات توجيهها ضد أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والمدرسين وغيرهم. المعلومة يعرفها المشتغلون بالمهنة. وهم أكثر من لاحظ أن الاختراقات الأمنية لوسائل الإعلام أصبحت قاعدة تحتمل استثناءات محدودة للغاية. ذلك أنه كلما زادت سطوة الإعلام وقدرته على التأثير كلما حرصت الأجهزة الأمنية على توسيع نطاق انتشارها وإحكام قبضتها على مختلف منابر البث والتوجيه، يعرف المشتغلون بالمهنة أيضا أن الالتحاق بأجهزة الأمن والتنسيق المستمر معها أصبح من شروط الترقى فى المهنة والصعود فى مراتبها. وهو ما أكدته تجارب عديدة أثبتت أن القرار الأمنى حاسم فى شغل المناصب القيادية فى وسائل الإعلام، المقروءة والمرئية والمسموعة. لقد أدركت الأجهزة الأمنية أن الصحف القومية أصبح وجهها مكشوفا عند نشر التسريبات الأمنية. الأمر الذى يقلل من صدقية ما تنشره. لذلك فانها ركزت على اختراق الصحف «المستقلة»، التى تعطى لقرائها انطباعا بالحياد. وقد نجحت فى ذلك، الأمر الذى فتح أفقا جديدا أمام تلك الأجهزة. لكى توسع من نطاق حملاتها الإعلامية. بما يمهد أو يغطى أو يبرر ضرباتها الأمنية. اللافت للنظر أنه فى الوقت الذى شنت فيه الأجهزة الأمنية حملتها بواسطة الإعلام لإدانة وشيطنة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، فإن بعض وسائل الإعلام تبنت حملة أخرى لتحسين صورة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وإثارة التعاطف معه، وقد برزت تلك الحملة بعد صدور الحكم بإعدامه وشريكه الضابط السابق بعد إدانتهما فى جريمة قتل المطربة سوزان تميم. إذ لجأت بعض الصحف إلى استعراض الأيادى البيضاء لرجل الأعمال الذى أسهم فى إعمار مصر، كما دغدغت مشاعر القراء بإجراء حوار مع أمه، تخللته إشارات إلى تدهور حالتها الصحية بسبب ما حل به. وإلى اللهفة على رؤيته ومشاعر الخوف والفزع التى سكنت فؤادها بعد تأييد الحكم بإعدامه، فى الوقت ذاته فإن بعض البرامج التليفزيونية استضافت نفرا من المحامين الذين ترافعوا عن الرجلين أمام الرأى العام، وأرادوا إقناعنا بأنهما ظلما وأن آخرين ارتكبوا جريمة القتل. وأكملت إحدى الصحف الأسبوعية الصورة حين نشرت على صفحتها الأولى أن «نيابة دبى «فبركت» القضية ونزعت (من ملفها) 17 صفحة تضمنت أدلة البراءة». وهو كلام نقل على لسان محسن السكرى المتهم الثانى فى جريمة القتل من هذا الكلام أيضا، الذى أبرز على الصفحة الأولى قول السكرى إنه سمع أصواتا فى شقة سوزان تميم وإن هناك بصمات مجهولة (لآخرين) على جثتها. ليس سرا أن هذه الحملة المنظمة ليست لوجه الله، ولا هى لخدمة العدالة، ولكنها مدفوعة الأجر، ولها مقابلها الذى لا نعرف قيمته أو طبيعته. وإن المقصود بها هو التأثير على قضاة محكمة النقض التى أحيلت إليها القضية، والتأثير على الرأى العام سواء لممارسة ضغط على المحكمة، أو لتهيئته لاستقبال أى تراجع عن الإعدام. ما يهمنا فى الموضوع أن الإعلام صار الساحة التى تلجأ إليها مراكز القوى فى البلد: السلطة بنفوذها لشيطنة من تريد، ورجال الأعمال بأموالهم للتستر على أفعالهم وتبريرها. وفى الحالتين فإن الإعلام تنتهك براءته، ولا يصبح وسيلة للإخبار والتنوير، وإنما يتحول على أيدى هؤلاء بوقا للتضليل والتدليس، ويصبح الضحية هو القارئ والحقيقة، الأمر الذى يحول الإعلام فى هذه الحالة إلى نقمة وليس نعمة، لا تخفف من البلوى فيها سوى الأطباق اللاقطة، التى تسمح لنا بأن تتحول إلى منابر أخرى، نتحرى فيها الحقيقة، أو نتلهى بأمور أخرى تنسينا ما نحن فيه.