لا يصدق أي إنسان على دراية بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني أن اتفاقية السلام بين إسرائيل وفلسطين ممكنة بدون مشاركة حماس. ولهذا السبب فإن أول ما يجب أن تقوم به إدارة أوباما الجادة بشأن تغيير سياسة السلام الفاشلة التي تبنتها الولاياتالمتحدة، هو إعادة بحث الشروط التي وضعتها الإدارة السابقة لتبادل الاتصالات مع حماس. ويعد تعيين الوسيط المتمرس والمحترم جورج ميتشل مبعوثًا خاصًا للسلام في الشرق الأوسط الإشارة الأولى الصادرة عن إدارة أوباما التي تفيد بأن هذا التغيير في السياسة الأمريكية قد يكون وشيكًا. لم يكن مقصودًا بشروط تبادل الاتصالات مع حماس، التي اقترحتها في البداية حكومة إسرائيل وقبلها الاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية، تشجيع حماس على جعل مواقفها وسلوكها تتسم بالاعتدال، بل الحيلولة دون ذلك الاعتدال. ذلك أنه منذ اللحظة التي صدمت فيها حماس، ليس الغرب فحسب وإنما العديد من الأنظمة العربية، حين هزمت فتح الهزيمة الثقيلة في انتخابات البرلمان الفلسطيني الديمقراطية غير المسبوقة في عام 2006، أصبح الهدف الطاغي لحكومتَي رئيس الوزراء أولمرت والرئيس بوش إلغاء نتيجة تلك الانتخابات، وحرمان حماس من ثمار انتصارها وحرمان الشعب الفلسطيني من اختياره الذي مارسه بحرية، وإعادة الحكم لفتح - ذلك الحزب الذي رفضه الفلسطينيون. الذي يميز حماس عن فتح، وأقنع الفلسطينيين الذي لا يؤيدون أجندة حماس الدينية بالرغم من التصويت لمصلحتها، هو سجلها من الخدمة التي تتسم بالكفاءة للشعب الفلسطيني من خلال البرامج الاجتماعية والتعليمية وإخلاصها لقضيته الوطنية. وهو سجل يتناقض مع فساد كوادر فتح التي عفا عليها الزمن واتضح مرارًا أنها وضعت المنح التي قدمتها حكومة إسرائيل، بحكم مكانتها ك"شريك السلام" الذي اختارته إسرائيل، فوق القضية الوطنية لشعبها. ماذا غير ذلك يفسر تهاون مشاركتهم التي لا تنقطع في محادثات هدفها الظاهري إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، حتى وإن كان محاوروهم الإسرائيليون مازالوا يصرحون بشكل شخصي بمزيد من توسيع المستوطنات المقصود به ترسيخ الاحتلال وضمان سيادته. الشيء الأهم هو أن حماس ترى نفسها "حزبًا غير فتحاوي" بمعنى أنه بعد مفاوضات لا جدوى منها دامت عقودًا - كانت بمثابة غطاء على الانتهاكات الإسرائيلية التي حولت وضع الدولة الفلسطينية حلمًا مستحيلاً - من غير المنتظر أن توافق حماس لإسرائيل على مزيد من الإعلانات أو التنازلات الفلسطينية بدون الحصول أولاً من إسرائيل على تعهد واضح بأن التغييرات في وضع ما قبل 1967 التي أجريت من دون اتفاقية سوف ترفضها الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي، وتخضع للعقوبات نفسها التي تخضع لها الانتهاكات الفلسطينية. وليس صحيحًا أن حماس تعارض الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل تمييزًا له عن اعتراف حماس بإسرائيل. فقد ذكر رئيس اللجنة السياسية لحماس أن خالد مشعل سوف يقبل أية اتفاقية سلام مع إسرائيل يتفاوض عليها الرئيس محمود عباس باسم حكومة الوحدة الوطنية إذا أقر الشعب الفلسطيني هذه الاتفاقية في استفتاء عام. وقال إن هذا الموقف لن يتغير حتى إذا كانت حماس معارضة للاتفاقية. وأكد مشعل أن حماس ستبقى في حكومة وحدة وطنية تكون فيها الشريك الأكبر بحكم انتصارها الانتخابي. وحين أوضحوا له أن توقيع حكومة الوحدة الوطنية على اتفاقية سلام مع إسرائيل يستتبع بالضرورة الاعتراف بالدولة اليهودية، رد بأن رفض حماس إقرار ذلك الاعتراف لن يسقط حقها في المشاركة في الحكومة الفلسطينية تماما كما أن رفض حزب إسرائيل بيتنا و أفيجدور ليبرمان الاعتراف بالحقوق الفلسطينية في أي جزء من فلسطين يسقط حقهما في المشاركة في حكومة أولمرت أو تعيين ليبرمان نائبًا لرئيس الوزراء أولمرت. من المؤكد أنه تغيرا ضخما في مقاربة حماس لتعاملاتها مع دولة إسرائيل؛ و هو الآن لا يحمل أي تشابه مع صورة حماس التي ترسمها لها إدارة بوش وحكومة إسرائيل. وإذا كانت إدارة أوباما جادة بشأن السعي لتحقيق إنجاز في عملية السلام المجمدة فلابد لها من التخلي عن سياسة بوش الخاصة بنزع الشرعية عن حزب سياسي جاء إلى السلطة من خلال اللعب حسب القواعد؛ فحين قررت حماس الانضمام إلى العملية السياسية، أعلنت وقف إطلاق النار من جانب واحد، والتزمت به لفترة تزيد على العام. وبدلاً من ذلك، ينبغي على الإدارة الجديدة فتح الاتصالات مع حماس، لتمكِّن الولاياتالمتحدة من تأكيد المواقف التصالحية التي أعلنتها قيادات المنظمة. وإذا اتضح أن تلك المواقف غير صادقة، فمن الممكن إنهاء الاتصالات بسرعة. أما إذا كانت صادقة، فحينئذ سوف يكون أساس الإنجاز التاريخي قد تحقق.