مد فترة تسجيل الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر حتى مساء الأربعاء    محافظ الإسماعيلية يوافق على تشغيل خدمة إصدار شهادات القيد الإلكتروني    حماس ترفض زيارة الصليب الأحمر للأسرى في غزة    وسائل إعلام أمريكية تكشف تفاصيل الاتفاق بين واشنطن وتل أبيب على اجتياح لبنان    ناصر منسي: هدفي في السوبر الإفريقي أفضل من قاضية أفشة مع الأهلي    ضبط نسناس الشيخ زايد وتسليمه لحديقة الحيوان    انخفاض الحرارة واضطراب الملاحة.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الثلاثاء    أحمد عزمي يكشف السر وراء مناشدته الشركة المتحدة    صحة دمياط: بدء تشغيل جهاز رسم القلب بالمجهود بالمستشفى العام    للمرة الأولى.. مجلس عائلات عاصمة محافظة كفر الشيخ يجتمع مع المحافظ    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية    فعاليات الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس أندية السكان بالعريش    بيسكوف: قوات كييف تستهدف المراسلين الحربيين الروس    بعد 19 عامًا من عرض «عيال حبيبة».. غادة عادل تعود مع حمادة هلال في «المداح 5» (خاص)    «إيران رفعت الغطاء».. أستاذ دراسات سياسية يكشف سر توقيت اغتيال حسن نصر الله    كيفية التحقق من صحة القلب    موعد مباراة الهلال والشرطة العراقي والقنوات الناقلة في دوري أبطال آسيا للنخبة    الأربعاء.. مجلس الشيوخ يفتتح دور انعقاده الخامس من الفصل التشريعي الأول    للمرة الخامسة.. جامعة سوهاج تستعد للمشاركة في تصنيف «جرين ميتركس» الدولي    ضبط نصف طن سكر ناقص الوزن ومياه غازية منتهية الصلاحية بالإسماعيلية    مؤمن زكريا يتهم أصحاب واقعة السحر المفبرك بالتشهير ونشر أخبار كاذبة لابتزازه    تفاصيل اتهام شاب ل أحمد فتحي وزوجته بالتعدي عليه.. شاهد    الرئيس السيسي: دراسة علوم الحاسبات والتكنولوجيا توفر وظائف أكثر ربحا للشباب    الأمن القومي ركيزة الحوار الوطني في مواجهة التحديات الإقليمية    القاهرة الإخبارية: 4 شهداء في قصف للاحتلال على شقة سكنية شرق غزة    أمين الفتوى يوضح حكم التجسس على الزوج الخائن    قبول طلاب الثانوية الأزهرية في جامعة العريش    كيف استعدت سيدات الزمالك لمواجهة الأهلي في الدوري؟ (صور وفيديو)    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية بقرية كفر الحلواصى فى أشمون    مؤشرات انفراجة جديدة في أزمة الأدوية في السوق المحلي .. «هيئة الدواء» توضح    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    "طعنونا بالسنج وموتوا بنتي".. أسرة الطفلة "هنا" تكشف مقتلها في بولاق الدكرور (فيديو وصور)    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    "رفضت تبيع أرضها".. مدمن شابو يهشم رأس والدته المسنة بفأس في قنا -القصة الكاملة    تأسيس وتجديد 160 ملعبًا بمراكز الشباب    إنريكى يوجه رسالة قاسية إلى ديمبيلى قبل قمة أرسنال ضد باريس سان جيرمان    هازارد: صلاح أفضل مني.. وشعرنا بالدهشة في تشيلسي عندما لعبنا ضده    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    تم إدراجهم بالثالثة.. أندية بالدرجة الرابعة تقاضي اتحاد الكرة لحسم موقفهم    «حماة الوطن»: إعادة الإقرارات الضريبية تعزز الثقة بين الضرائب والممولين    طرح 1760 وحدة سكنية للمصريين العاملين بالخارج في 7 مدن    تواصل فعاليات «بداية جديدة» بقصور ثقافة العريش في شمال سيناء    اللجنة الدولية للصليب الأحمر بلبنان: نعيش أوضاعا صعبة.. والعائلات النازحة تعاني    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    فرنسا: مارين لوبان تؤكد عدم ارتكاب أي مخالفة مع بدء محاكمتها بتهمة الاختلاس    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    5 ملفات.. تفاصيل اجتماع نائب وزير الصحة مع نقابة "العلوم الصحية"    برغم القانون 12.. ياسر يوافق على بيع ليلى لصالح أكرم مقابل المال    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    الأهلي يُعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الشروق» تتصفح فى أوراق المصريين قبل 100 عام مصر سنة 1914
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 12 - 2013

تحتاج الأمم بين كل فترة وأخرى وقفة للمراجعة.. لإعادة تقييم مجرى الحوادث فيها.. لمعرفة ماذا أنجزت.. وأين تقف؟.. وما الذى يتعين عليها أن تنجزه فى مستقبلها القريب أو البعيد؟.. ورغم أن الزمن عملية مستمرة لا تخضع لا للنقاط ولا للفواصل فإن الأمم تحتاج لهذه النقاط والفواصل لإعادة تقدير المواقف بشأن دورها فى مسيرة التقدم الإنسانى وتحقيق صالح مواطنيها.
ونحن على أبواب عام 2014 اخترنا أن نجرى وقفة للمراجعة.. فوضعنا نقطة على خط الزمن عند عام 1914؛ لنتعرف معك على ما جرى فى هذا الوطن قبل 100 عام.. والآمال والأمانى الكبرى التى كان يتطلع المصريون إليها عند هذه النقطة، وما الذى تحقق منها حتى اللحظة.
لا تستغرب إذا اكتشفت أن جزءا كبيرا من هذه الآمال لا يزال المصريون يصبون إليه رغم تعاقب العقود والأجيال.. لقد كانوا يتطلعون فى أوائل 1914 إلى حياة نيابية سليمة.. إلى مجلس نيابى يعبر بحق عن مشكلاتهم.. ويكون خير رقيب ومحاسب لحكوماتهم، كانوا يتطلعون إلى ما سموه برقى شديد «نعمة الدستور»، وهو نفس ما تهفو إليه نفوس أبناء المحروسة فى اللحظة الراهنة وهم يستعدون للاستفتاء على تعديلات دستور 2012، ويتطلعون إلى انتخاب مجلس نواب يحقق ما تمناه الأجداد قبل قرن من الزمان.
تطلع المصريون فى 1914 لتحرير الوطن من استبداد المحتل فى الخارج ومن القهر فى الداخل، وهو تقريبا ما يرنون إليه وهم يستقبلون عامهم الجديد.. فما زال التحرر من التدخل الخارجى فى شئون أم الدنيا حلما يؤرق الجيل الحالى من أبنائها الذى فجر ثورة بهرت الدنيا ولا تزال.
حلم المصريون فى مطلع 1914 بنهضة علمية.. لإدراكهم أن المعرفة وحدها هى الحل لرقى بلادهم.. فاندفعوا بحماس منقطع النظير لوضع حجر الأساس للجامعة المصرية، وما زلنا حتى الآن نتطلع للحصول على تعليم جيد يخرج البلاد من عثراتها فى جميع المجالات.
عام 1914 كان عاما حزينا على الأمة المصرية.. فيه اندلعت الحرب العالمية الأولى، وترتب عليها إعلان بريطانيا الحماية على مصر، وخلع الخديو عباس حلمى الثانى، وفيه ساءت الحالة الاقتصادية للبلاد والعباد بعد أن سخرت بريطانيا مقدرات هذا الشعب لخدمة قواتها المنتشرة على جبهات القتال، فضلا على ركود أسعار القطن، وغاية أمانينا وسدرة منتهاها ونحن نمارس فضيلة «التذكر» على ما جرى خلال 1914 أن يكون 2014 عام البشارة لتحقيق الأمانى التى يتطلع المصريون لتحقيقها من رفعة واستقرار وتقدم وحرية.
يناير: الجمعية التشريعية
.. عرس برلمانى لم يكتملدخل المصريون عام 1914 وكلهم تفاؤل بالوقوف على أعتاب التمدن والتقدم بعد انتخاب الجمعية التشريعية (البرلمان)، فى أواخر عام 1913، وتطلعوا إلى يوم 22 يناير، موعد افتتاح الخديو عباس حلمى الثانى الجلسة الأولى لهذا المجلس النيابى.
وتشكيل مجلس نيابى يعبر عن أمانى الأمة كان واحدا من الأحلام الكبرى للشعب المصرى ونخبته منذ وفاة مصطفى كامل (1908)، حيث سادت البلاد موجة من الاحتجاج يقودها الحزب الوطنى بقيادة محمد فريد، تطلب من الخديوى عباس حلمى منح الأمة مجلس نيابى ودستور للبلاد، ولما تحقق هذا المطلب عمت التفاؤل ربوع مصر.
وكانت الصحف المصرية على اختلاف توجهاتها تنتظر يوم افتتاح أعمال الجمعية التشريعية بفارغ الصبر، وكانت تعقد عليها آمالا عريضة فى تقدم ورفعة الأمة، وفى يوم افتتاحها نشرت «الأهرام» افتتاحية فى صدر صفحتها الأولى تحت عنوان «اليوم 22 يناير 1914» قالت فيها «تظهر «الأهرام» وأصوات المدافع تدوى من القلعة بفتح الجمعية التشريعية، وصفوف الجيش تحرس موكب الأمير المعظم فى ذهابه إلى تلك الجمعية وفى إيابه منها، مبشرا أمته بفاتحة عصر جديد، (..) واليوم نحب أن نفرح ونبتهج، ونحب أن نتفاءل ونسر، ونحب أن تعد الفاتحة فاتحة خير، ونحب أن نعد هذا النظام الجديد كفيلا بإبلاغنا بعض الأمانى، ونحب أن نغض الطرف عن نقصانه، وضيق دائرته، ونحب أن نثق كل الثقة بحسن قصد الحكومة والمسيطرين علينا، ونحب فوق هذا كله أن نعده يوما سعيدا، وفاتحة عصر مجيد، فلا نحب أن نبين فيه عيبا؛ لأننا فى فاتحة عمر سياسى نتمنى أن يكون مباركا، وكل ما نتمناه أن يكون هذا اليوم مقدمة أيام تتوالى بالقوانين التامة، والنظامات الكاملة والمشروعات النافعة واللوائح المفيدة».
وعلى مدار الفترة التى أعقبت افتتاح الجمعية التشريعية أفردت الصحف مساحات واسعة لتغطية جلسات الجمعية، والتصويت على لوائحها الداخلية وانتخاب وكلائها ورؤساء لجانها، وقبل أن تنتهى من فصلها التشريعى الأول الذى لم يكتب له ثان كانت قاب قوسين من مناقشة الموازنة العامة للدولة، فضلا عن أن الصحف بدأت تتطلع إلى الحياة الدستورية، وبدأت تتساءل حول إمكانية مطالبة الجمعية التشريعية الممثلة للشعب بدستور للبلاد».
وكانت الجمعية تتكون من أعضاء بحكم مناصبهم، وهم النظار أى الوزراء، ثم من الأعضاء المنتخبين وعددهم 66 عضوا، أما الأعضاء المعينون فكان عددهم 17 عضوا. وكانت مدة العضوية ست سنوات أما اختصاصات الجمعية التشريعية فكانت تتلخص فى وجوب أخذ رأيها قبل إصدار أى قانون، مع عدم التقيد بالأخذ بهذا الرأى.
عقدت الجمعية التشريعية لفصل تشريعى واحد فقط، من 22 يناير عام 1914 إلى 17 يونيو من نفس العام وصدر أكثر من قرار بتأجيل موعد انعقادها، إلى أن صدر قرار إلغائها يوم 29 أبريل سنة 1923، لتنطوى صفحة «أقصر تجربة نيابية حقيقية عرفتها مصر»، بتعبير المؤرخ ورئيس قسم التاريخ بآداب القاهرة، الدكتور محمد عفيفى، الذى يرى أن تجربة الجمعية التشريعية برغم تجربتها القصيرة إلا أنه كان من الممكن أن تصبح تجربة مهمة ورائدة فى تطور الحياة النيابية لولا حدوث الحرب العالمية الأولى، فضلا عن أنها كانت منصة لانطلاق سعد زغلول الذى كان بمثابة زعيم المعارضة داخلها كزعيم للأمة فى مرحلة تالية.
ويؤكد الدكتور عفيفى أن من الأشياء المهمة لتجربة الجمعية التشريعية أنها «من خلال أعضائها المنتخبين عبرت بشكل كبير جدا عن التركيب الجديد للمجتمع المصرى الذى سوف يظهر فى مجتمع ما بعد ثورة 1919.
30 مارس: وضع حجر الأساس للجامعة المصرية
كان إنشاء جامعة مصرية حلما يراود النخبة المصرية منذ عودة البعثات التى أرسلها محمد على وخلفاؤه إلى أوروبا، والتى عادت لتتحدث بانبهار عن جامعات أوربا، وما يمكن أن يعود على البلاد من نفع لو أن لدينا جامعات مثلها، وتبنى الزعيم مصطفى كامل وجريدته «اللواء» المطالبة بإنشاء هذه الجامعة، حتى أصبحت مطلبا عاما للأمة المصرية، وانهال المتبرعون من الوجهاء والأمراء لتحقيق هذه الفكرة، التى تم طرحها للاكتتاب العام، وفى 31 يناير 1908 اجتمعت الجمعية العمومية برئاسة قاسم أمين وتقرر قبول الأمير احمد فؤاد لرئاسة الجامعة، واجتمعت اللجنة تحت رعاية رئيسها الجديد يوم 12 مارس 1908، وبدأت اجراءات تنفيذ المشروع، وتبرع الخديوى عباس حلمى بمنحة سنوية للمشروع مقدارها 5000 جنيه، وأقيم احتفال الافتتاح فى مقر مجلس شورى القوانين يوم 21 ديسمبر 1908.
لكن سرعان ما تعثرت أمور الجامعة، وتأزم موقفها المالى نتيجة لتوقف التبرعات بعد استقالة الأمير أحمد فؤاد من رئاستها، للدرجة التى جعلتها غير قادرة على سداد إيجار المبنى الذى كانت تستأجره والذى لم يكن يفى بحاجتها‏‏، حتى أقنع الدكتور محمد علوى الطبيب الخاص للأميرة فاطمة بنت الخديو اسماعيل‏ وأخت الأمير أحمد فؤاد بأهمية المساهمة فى النهوض بالجامعة وضرورة التبرع لها،‏ فأسدت الأميرة إلى الجامعة هبة كبيرة فأوقفت عليها‏ 661‏ فدانا من أجود أطيانها فى الدقهلية‏، ووهبتها قطعة أرض مساحتها ستة أفدنة قرب قصرها ببولاق الدكرور خصصتها لبناء دار جديدة للجامعة‏، كما تبرعت بجواهر وحلى قيمتها‏ 18‏ ألف جنيه لينفق ثمنها فى إقامة هذا المبنى‏.‏
وأقيم الاحتفال بوضع حجر الأساس للجامعة فى الأرض التى تبرعت بها الاميرة فى 30‏ مارس 1914‏، وحضر حفل الافتتاح الخديوى عباس والأمراء والنظار وشيخ الجامع الأزهر وأكابر العلماء وقناصل الدول ورئيس واعضاء الجمعية التشريعية وأصحاب الصحف والأدباء فى مصر‏.‏
ووضع الخديو حجر الأساس بيده‏، ونقشت عليه العبارة التالية‏ «الجامعة المصرية الأميرة فاطمة بنت إسماعيل سنة 1332‏ه‏)»، وأودع الحجر بطن الارض‏،‏ ومعه أصناف العملة المصرية المتداولة، ومجموعة من الجرائد التى صدرت فى يوم الاحتفال‏،‏ ونسخة من محضر وضع حجر الأساس الذى توج بتوقيع الخديوى والاميرة فاطمة والامير أحمد فؤاد ورئيس وأعضاء مجلس إدارة الجامعة‏.‏
وكان العنوان الرئيسى ل«الأهرام» فى هذا اليوم «الجامعة المصرية.. حجر الأساس» قالت تحته «اليوم يضع سمو الخديو المعظم أساس الجامعة المصرية فى أرض وهبتها عمته الجليلة (الأميرة فاطمة) لهذا المعهد العلمى المفيد النافع، ومال تبرعت به لتشييد هذا البناء الفخم، وأرض وهبت ريعها للإنفاق عليه (..) بالأمس كانت الجامعة فكرة تدور فى الصدور، ثم صارت دارا بالأجرة ثم صارت اليوم دارا فخمة البناء، مشيدة الأركان ينفق على البناء الاساسى الأصلى منها 26 ألف جنيه من مال الأميرة فاطمة، فى أرض لا تقل مساحتها عن 3600 متر، وغدا يجتمع حول هذه الواسطة من العقد بنايات أخرى تتسع وتمتد باتساع الجامعة وامتداد أروقتها وتقدم العلم فيها وإقبال الطلبة عليها».
28 يوليو: اندلاع الحرب العالمية الأولى
كان عام 1914 عاما فارقا فى تاريخ البشرية، حيث شهد اندلاع الحرب العالمية الأولى التى راح ضحيتها مئات الألوف من البشر، فانطلقت شرارتها الأولى فى يوليو أغسطس من هذا العام، على أثر مقتل فرنسوا فردينند ولى عهد النمسا يوم 28 يونيو بيد أحد الصربيين، إذ أعلنت النمسا الحرب على الصرب يوم 28 يوليو، فهبت روسيا لنجدة الصرب، وأعلنت الحرب على النمسا، فانتصرت ألمانيا لحليفتها النمسا، ثم وقفت فرنسا إلى جانب حليفتها روسيا، وفى 4 أغسطس دخلت بريطانيا الحرب إلى جانب فرنسا وروسيا.
ويقول المؤرخ المصرى الكبير عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «ثورة 1919 تاريخ مصر القومى من 1914 إلى 1921» إن مصر «لزمت الحياد فى تلك الحرب حتى خاضت إنجلترا غمارها، فتغير موقفها تبعا لسياسة إنجلترا، وأخذت الحكومة المصرية بتأثير وجود الاحتلال البريطانى تقف من الدول المتحاربة موقف المستعمرات البريطانية، فخولت إنجلترا حق التمتع بالموانئ المصرية، وفى جميع جهات البلاد، وأول عمل اتخذته الحكومة المصرية فى هذا الصدد هو القرار الذى أصدره مجلس الوزراء فى 5 أغسطس 1914 أى عقب إعلان الحرب بين بريطانيا وألمانيا مباشرة، وجاء فى ديباجته ما يدل على تبعيتها لإنجلترا فى تلك الحرب (..) وفى 13 أغسطس أصدر مجلس الوزراء قرارا آخر بسريان أحكام القرار السابق على النمسا والمجر».
وكان لاندلاع هذه الحرب آثار مباشرة على جميع أوجه الحياة فى مصر لعدة سنوات، لعل أهمها عزل الخديو عباس حلمى، وفرض الحماية على مصر، ووقف الحياة النيابية بتعطيل عمل الجمعية التشريعية، وبالإضافة إلى كل ذلك تحمل الشعب المصرى بكل مكوناته أعباء هذه الحرب التى فرض عليه المشاركة فيها بحكم تبعيته لبريطانيا، ولاسيما على صعيد التجنيد القسرى للمصريين للقتال فى صفوفها، أو على الصعيد الاقتصادى.
فعندما وجدت بريطانيا نفسها فى مأزق الحرب وفى حاجة ماسة للعناصر البشرية بعد أن اتسعت جبهات القتال التى تقاتل فيها، خرجت السلطة العسكرية البريطانية على ما ألزمت نفسها به ونظمت من تلقاء نفسها حملات لقسر الرجال المصريين على التطوع فى الجيوش التى تحارب الدولة العثمانية، ويقدر المؤرخون عدد الذين شاركوا فى هذه الحرب بنحو مليون ونصف المليون مصرى فى أعمال القتال والخدمات المعاونة، سقط منهم الكثير فى ساحات الحرب.
18 أكتوبر: أول قانون للتظاهر فى المحروسة
فى 18 أكتوبر 1914 وضعت الحكومة قانونا لمنع التجمهر والعقاب عليه، عرف باسم «رقم 10 لسنة 1914»، وهو أول قانون للتظاهر فى تاريخ مصر، وجاء فى مادته الأولى أنه «اذا كان التجمهر المؤلف من 5 أشخاص على الأقل من شأنه أن يجعل السلم العام فى خطر، وكان رجال السلطة قد أمروا المتجمهرين بالتفرق فكل من بلغه الأمر منهم ورفض إطاعته أو لم يعمل به يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو بغرامة لا تتجاوز ال20 جنيها».
ونصت مادته الثانية على أنه «إذا كان الغرض من التجمهر المؤلف من 5 أشخاص على الأقل ارتكاب جريمة ما أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح، أو إذا كان الغرض منه التأثير على السلطات فى أعمالها أو حرمان شخص من حرية العمل سواء كان ذلك أو الحرمان باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها؛ فكل شخص من المتجمهرين اشترك فى التجمهر وهو عالم بالغرض منه أو علم بالغرض ولم يبتعد عنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو بغرامة لا تجاوز 20 جنيها مصريا، وتكون العقوبة الحبس الذى لا تزيد مدته على سنتين أو غرامة لا تجاوز 50 جنيها لمن يكون حاملا سلاحا أو آلات من شأنها إحداث الموت إذا استعملت بصفة أسلحة».
وجاء فى المادة الثالثة مكرر من قانون 10 لسنة 14 أنه «يرفع إلى الضعف الحد الأقصى للعقوبة المقررة لأى جريمة إذا كان مرتكبها أحد المتجمهرين المنصوص عليهم فى المادتين الأولى والثانية على ألا تتجاوز مدة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن 20 عاما، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة إذا خرب المتجمهرون عمدا مبانى أو أملاكا عامة مخصصة لمصالح حكومية أو للمرافق العامة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها أو الجمعيات المعتبرة قانونا ذات نفع عام، ويحكم على الجانى فى جميع الأحوال بدفع قيمة الأشياء التى خربها».
28 يوليو: لعنة الحرب تصيب المصريين بالفقر
فى دراسة بديعة للدكتور ياسر الزيات، بعنوان «جرائم الأفندية»، عرض واضح للمعاناة الاقتصادية التى عاشها المصريون بسبب الحرب العالمية الأولى عام 1914، والتى كانت سببا مباشرا فى ارتفاع معدلات الجريمة بالمجتمع خلال هذه الفترة.
فتذكر الدراسة أنه فى أعقاب إعلان الحرب سارع المصريون إلى سحب ودائعهم من البنوك، وأقبلوا على الأسواق لشراء ما بها تحسبا لمقبل الأيام. ونجم عن ذلك أن البنوك لم تقو كلها على استمرار دفع الأمانات إلى أصحابهما، فأغلقت فى وجوههم أبوابها، ثم كفت البنوك عن التسليف على المحصول، الأمر الذى دفع الحكومة إلى إصدار أمرها فى 4 أغسطس 1914 بإعلان «الموراتوريوم» التأجيل الجبرى أى عدم دفع الودائع والأمانات والديون لأربابها إلى أول نوفمبر 1914.
غير أن هذا الإجراء لم يُجدِ نفعا بسبب تلاعب التجار من أولى الذمم الواسعة، فصدر فى 26 أكتوبر 1914 أمرٌ بانتهاء التأجيل الجبرى، لتسوء الحالة المالية، وتزداد أحكام الحجز على التجار، وتضطرب الأسواق. كما قلت الأموال المتداولة بين الناس، وقلت بالتالى الثروة التى يملكونها، والنتيجة، أن أقبل الأفراد على بيع حليهم ليدفع بعضهم ديونه، وليقتات البعض الآخر بأثمانها، بحسب ما ذكرت الدكتورة لطيفة محمد سالم فى كتابها الشهير «مصر فى الحرب العالمية الأولى».
وارتفعت أسعار حاجيات المعيشة الضرورية إلى درجة عالية، ووقع عبء هذا الارتفاع على كاهل الطبقات الفقيرة التى لم يكن باستطاعتها ولا بقدرتها دفع الأثمان العالية للوازم حياتها. وكثرت الجثث التى عثر عليها وتبين أن أصحابها قد ماتوا بسبب الجوع.
وأصيب الفلاحون بدورهم بالضنك الشديد أثناء الحرب العالمية الأولى، خاصة بعد انخفاض أسعار القطن انخفاضا كبيرا فى موسم 1914، وزيادة إيجارات الأطيان، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتشدد البنوك فى تحصيل الديون العقارية. وانتشرت ظاهرة طرح أراضى الفلاحين فى المزاد العلنى وبيعها بأبخس الأثمان، واتسع نشاط المرابين الذين زادوا من ديون الفلاحين وساهموا فى نزع ملكية الأراضى، بحسب ما نقله الدكتور ياسر الزيات عن صحيفة «الأفكار» الصادرة فى 11 سبتمبر 1914.
وبحسب الزيات فإنه بسبب هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة «تعالت الأصوات فى الصحف مطالبة الأغنياء بمد يد المساعدة لفقراء مصر، وسط دعوات للدولة كى تشرف على هذه الجهود. فقالت صحيفة «الأهرام»: «أما البلاد فمع حالتها الحاضرة يوجد بها أغنياء كثيرون يملكون أطيانا وعقارات جمة ويستطيع كل منهم أن يتبرع بجانب عظيم من أمواله الوافرة تنفق على فقراء البلاد، وهذا لا يتم إلا بأن تأمر الحكومة بتأليف لجنة لكل مركز قوامها العمدة والأعيان والتجار والعلماء وتعين هذه اللجنة لجانا فرعية تؤلف لهذا الغرض وتفرض هذه اللجنة على كل مقتدر نقودا يدفعها أو غلالا لإعانة الفقراء».
والأخطر أن شركات المرافق العامة راحت تضغط على الشعب، فقطعت شركة المياه خدماتها عن الأهالى، وطرد أصحاب المساكن الأهالى منها فافترشوا الأرصفة.
2 نوفمبر: إعلان الأحكام العرفية والرقابة على الصحف
على أثر نشوب الحرب بين تركيا وروسيا فى أول نوفمبر 1914 صار من المتوقع أن تشب الحرب بينها وبين إنجلترا فأعلن الجنرال السيرجون مكسويل قائد جيوش الاحتلال فى مصر الأحكام العرفية فيها، بموجب القرار الذى أصدره يوم 2 نوفمبر سنة 1914، وبحسب عبدالرحمن الرافعى فإن هذا القرار كان نصه: «ليكن معلوما أنى أمرت من حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى بأن آخذ على مراقبة القطر المصرى العسكرية لكى يتضمن حماؤه، فبناء على ذلك صار القطر المصرى تحت الحكم العسكرى من تاريخه».
ووضعت الرقابة على الصحف تبعا لإعلان الأحكام العرفية، وأصدر الجنرال مكسويل إعلانا آخر حذر فيه الأهالى من تكدير السلم العام ومساعدة أعداء إنجلترا وحلفائها، ودعاهم إلى إتباع جميع الأوامر التى تصدرها السلطة العسكرية.
وقال مكسويل «إن السلطة التى تستعمل تحت إشرافى بمعرفة الإدارة العسكرية ليس الغرض منها الحلول محل الإدارة الملكية، بل تعتبر تكميلا لها، وعلى كل الموظفين الذين فى خدمة الحكومة المصرية الاستمرار فى أداء واجباتهم بكل دقة فى وظائفهم».
وأضاف بأن أحسن ما يمكن للأهالى عمله للصالح العام هو الامتناع عن كل عمل من شأنه تكدير صفو السلام العام، أو التحريض على التنافر ومساعدة أعداء ملك بريطانيا وحلفائه، وأدعى أن «جميع الطلبات التى ربما تلزم للأحكام العسكرية من خدمات الأفراد أو مما يملكون تكون قابلة للتعويض التام، وتحديد قيمتها بمعرفة سلطة مستقلة إن لم يحصل الاتفاق عليها بين الطرفين».
فى 5 نوفمبر 1914 دخلت تركيا الحرب ضد إنجلترا وحلفائها، فأصدر الجنرال مكسويل إعلانا نشر فى الجريدة الرسمية «الوقائع المصرية» الصادرة فى 7 من نفس الشهر أعلن فيه دخول تركيا الحرب، وقال أن إنجلترا أخذت على عاتقها جميع أعباء هذه الحرب، وأنها لا تطلب من الشعب المصرى سوى الامتناع عن أعمال عدائية ضدها، وهو كلام أثبت الواقع مقدار كذبه بعد أن جندت بريطانيا المصريين قسرا، وزجت بهم فى ميادين القتال، وبعد أن سخرت كل مقدرات مصر خدمة لجيوشها.
27 نوفمبر: أول احتجاب فى تاريخ الصحافة المصرية
كان معروفا أن قرار الحماية البريطانية على مصر سيصدر قبل إعلانه بفترة، وكان محتما على الصحف المصرية أن تنشره عند صدوره، فأعلن أمين بك الرافعى رئيس تحرير جريدة «الشعب» فى العدد الصادر فى 27 نوفمبر 1914 أنه سيحتجب، وأنه سيعود بعدها إلى الظهور، وتم اتخاذ القرار بعد مشاورات دارت بينه وبين عبدالرحمن الرافعى وعبدالله طلعت مدير الجريدة، وجاء قرار الثلاثة تعبيرا عن الاعتراض على قرار إعلان الحماية المشئوم، وامتناعا عن نشره على صفحات الجريدة، وما سيستدعيه هذا القرار من ممارسات بريطانية فى مصر، علما بأن هذا القرار كان له كلفة مالية كبيرة، بحسب رواية عبدالرحمن الرافعى المؤرخ المعروف، وهو شقيق لأمين الرافعى. وجريدة «الشعب» أصدرها «الحزب الوطنى» فى 20 ديسمبر سنة 1911 لسانا له بعد تعطيل صحيفة «العلم»، للعمل بجانب جريدة «اللواء» المعبرة عنه، وكانت «الشعب» أكثر الصحف انتشارا آنذاك.
19 ديسمبر: خلع عباس الثانى وتولية السلطان حسين كامل
كان الخديو عباس حلمى الثانى غائبا عن مصر وقت نشوب الحرب العالمية الأولى، فقد قصد الأستانة فى 21 مايو 1914 على متن اليخت المحروسة فى رحلة للخارج، وبقى بها بعد أن أعلنت الحرب بين إنجلترا وألمانيا، وتردد فى عودته إلى مصر، ولما اعتزم الرجوع إليها أظهرت الحكومة البريطانية رغبتها فى عدم عودته، إذ كانت النية مبيتة على خلعه.
وفى اليوم التالى لإعلان الحماية على مصر أعلنت بريطانيا خلع عباس حلمى، وتولية الأمير حسين كامل عرش مصر، ونشر ذلك فى الوقائع المصرية فى عدد 19 ديسمبر 1914، تحت عنوان «إعلان بخلع سمو عباس حلمى باشا عن منصب الخديوية وارتقاء صاحب العظمة السلطان حسين كامل على عرش السلطنة المصرية».
وجاء نص متن الإعلان كالتالى: «يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر لإقدام سمو عباس حلمى باشا خديو مصر السابق على الانضمام لأعداء الملك قد رأت حكومة جلالته خلعه من منصب الخديوية، وقد عرض هذا المنصب السامى مع لقب سلطان مصر على سمو الأمير حسين كامل باشا أكبر الأمراء الموجودين من سلالة محمد على فقبله».
والخديو عباس حلمى الثانى (14 يوليو 1874 الإسكندرية 19 ديسمبر 1944 جنيف) ابن الخديوى محمد توفيق بن إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا بن محمد على باشا، حكم مصر من 8 يناير 1892. كان آخر خديو لمصر والسودان.
حاول أن ينتهج سياسة إصلاحية ويتقرب إلى المصريين ويقاوم الاحتلال البريطانى، وكان هذا أهم أسباب خلعه، ومن أبرز مواقفه المتحدية للإنجليز إقالة وزارة مصطفى فهمى باشا، الموالية للإنجليز فدخل فى أزمة كبيرة مع اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى فأدى ذلك إلى زيادة شعبيته.
وأرسل كرومر لوزارة الخارجية فى إنجلترا بأن الخديو فى حوار معه قال له إن إنجلترا وعدت بترك مصر وشرفها مقيد بهذا الوعد. وبإيعاز منه قررت لجنة مجلس شورى القوانين رفض زيادة الاعتماد المخصص للجيش البريطانى وتخفيض ضرائب الأطيان وتعميم التعليم، فاتهم الاحتلال الخديو بأنه نسق مع نظارة رياض ولجنة المجلس ولهذا اضطرت نظارة رياض للرضوخ لرغبة الإنجليز وزيادة الاعتمادات.
على الرغم من الهزيمة السياسية للخديو فى هذه المعركة فإنه سرعان ما قرر خوض معركة جديدة ففى 15 يناير 1894 زار أسوان ودعا 33 ضابطا لتناول الطعام معه ثم أبدى لكتشنر القائد العسكرى الإنجليزى بعض الملاحظات حول عدم كفاءة الجيش ولكن كتشنر لم يقبل هذه الملاحظات واعتبرها إهانة وأبلغ اللورد كرومر الذى بدوره أبلغ إنجلترا فثارت ضجة هناك وقالت الصحف إن الخديو يعاملنا معاملة الأعداء وهددت بخلعه. وطلب اللورد كرومر من الخديوى أن يصدر أمراً عسكرياً يثنى فيه على الجيش واضطر الخديو للاذعان فى 21 يناير 1894 وفى حفل وداع كرومر أثنى على الخديو توفيق وعلى نوبار باشا وتجاهل الخديو عباس، وفى 7 يناير 1908 أعلن الخديو العفو عن 9 من المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة فى حادثة دنشواى، وهو ما أغضب الانجليز.
وفى اليوم التالى لخلع عباس حلمى نشرت «الأهرام» خبر الخلع فى كلمات قليلة اقتصرت على نص القرار المنشور فى الجريدة الرسمية الذى ذكرناه توا تحت عنوان «التغيير العظيم فى مركز القطر المصرى»، فى الوقت الذى فردت فيه مساحات واسعة للحديث عن حاكم مصر الجديد السلطان حسن كامل، وتحت عنوان «السلطان الكامل حسين الأول.. سلطان مصر والسودان»، نشرت تقارير مطولة عن «منشأه وصباه، وبدء حياته العملية، ومناصبه الوزارية السابقة فى الأوقاف والأشغال العمومية، ثم عمله فى نظارتى المعارف والبحرية، ورئاسته لمجلس الشورى عام 1909، وأعماله الاقتصادية، وأعماله الخيرية وحياته العائلية».
بعد أقل من 48 ساعة على خلع عباس حلمى، اختفى أثره من «الأهرام»، فبعد نشر خبر خلعه صدرت فى اليوم التالى خالية من أى ذكر له، بل تصدرت صورة السلطان الجديد صدر صفحتها الأولى وبجانبها عنوان عريض يقول «ألا سر يا حسين ونحن نتلو»، ونشرت تحتها قصيدة طويلة لشاعر النيل حافظ إبراهيم معددا فى مناقب السلطان الجديد، جاء فى مطلعها:
هَنيئاً أَيُّها المَلِكُ الأَجَلُّ لَكَ العَرشُ الجَديدُ وَما يَظِلُّ
تَسَنَّمَ عَرشَ إِسماعيلَ رَحباً فَأَنتَ لِصَولَجانِ المُلكِ أَهلُ.
18 ديسمبر: الحماية البريطانية على مصر
فى 18 ديسمبر 1914 أعلنت إنجلترا حمايتها على مصر، ونشرت «الوقائع المصرية» فى اليوم نفسه إعلان الحماية، وجاء فى نصه: «يعلن ناظر الخارجية لدى جلالة ملك بريطانيا العظمى أنه بالنظر إلى حالة الحرب التى سببها عمل تركيا قد وضعت بلاد مصر تحت حماية جلالته، وأصبحت من الآن فصاعدا من البلاد المشمولة بالحماية البريطانية»، وبذلك قد زالت سيادة تركيا على مصر، وستتخذ حكومة جلالته كل التدابير اللازمة للدفاع عن مصر، وحماية أهلها ومصالحها».
واهتمت «الأهرام» بنشر تعليقات الصحف البريطانية على قرار إعلان الحماية على مصر، فتشرت فى اليوم التالى لإعلان الحماية خبرا فى صفحة «التلغرافات الخصوصية»، التى كانت تمثل صفحة «الشئون الخارجية» بعنوان «إعلان الحماية على القطر المصرى.. وقع الخبر فى إنجلترا»، قالت فيه «نشر اليوم (18 ديسمبر) إعلان نظارة الخارجية البريطانية المتعلق بوضع القطر المصرى تحت حماية بريطانيا العظمى وزوال سيادة تركيا عنه، فوقع هذا الإعلان وقعا حسنا عند الجميع، وعلقت عليه الجرائد تعليقا يدل على استحسانها له، وهناك ما قالته بعض الجرائد الكبرى فى هذا الصدد».
وتحت عنوان «رأى الدايلى كرونكل» مضت «الأهرام» قائلة: «قضى على سيادة السلطان (العثمانى) على القطر المصرى منذ أعلنت تركيا الحرب علينا، وجهزت جيوشها لقتالنا فى مصر، وقضى على السلطة الخديوية منذ مالت إلى الترك وانحازت إليهم، ولا ريب أن القطر المصرى سيعود عليه قطع علاقاته بتركيا قطعا باتا بأعظم الفوائد، كما أن خلع الخديو لا يعود على البلاد بأقل خسارة، فإن الخديو ما عرف مطلقا أن يتصرف فى منصبه على وجه يعود على بلاده بالخير والنجاح».
وفى السياق ذاته اعتبرت «الدايلى تلغراف» أن قرار فرض الحماية البريطانية على مصر «يبدد الظلمات ويجلى الغيوم ويجعل جو السياسة المصرية صافيا رائقا».
ويقول عبدالرحمن الرافعى تعليقا على إعلان الحماية على مصر إنه «بهذا الإعلان حلت الحماية السافرة محل الحماية المقنعة التى فرضتها إنجلترا على مصر منذ سنة 1882، ومن السهل أن تدرك ما فى هذا الإعلان من معنى البغى والعدوان، إذ ما علاقة موقف تركيا فى الحرب بإعلان الحماية البريطانية على مصر؟ لقد كانت النتيجة الطبيعية لهذا الموقف لو حسنت نية إنجلترا أن تعلن الاعتراف باستقلال مصر التام؛ لأنه بزوال السيادة التركية عنها يصبح استقلالها تاما. أما ترتيب إعلان الحماية البريطانية على زوال السيادة التركية فأمر لا يفسر إلا بالغرض الذى كانت انجلترا تسعى إليه، وهو إهدار استقلال مصر الداخلى والتام، وتلك كانت نيتها منذ سنة 1882، أى منذ احتلالها غير المشروع.
19 ديسمبر: تعيين وزارة حسين رشدى الثانية
فى نفس اليوم الذى أعلنت فيه بريطانيا الحماية على مصر، والذى خلعت فيه الخديو عباس حلمى الثانى، وتولية السلطان حسين كامل عرش البلاد، تألفت وزارة حسين رشدى باشا، التى كانت تتولى الحكم من قبل، وبقى الوزراء فى الوزارة الجديدة، مع تعديل يسير فى مناصبهم، وتغير خطير فى تظام الحكم كما يقول عبدالرحمن الرافعى إذ صارت البلاد تحت الحماية البريطانية، وألغيت وزارة الخارجية تبعا لنظام الحماية، وتم تأليف الوزارة بموجب كتاب أرسله السلطان حسين كامل إلى حسين رشدى بتكليفه تأليف الوزارة، وجواب رشدى باشا بقبول المهمة، ثم صدر المرسوم السلطانى بتأليفها، وقد تم ذلك فى 19 ديسمبر.
ويرى الرافعى أن الحكومةفى سبيل ترسيخ نظام الحماية واجتذاب الخاصة إليه التعظيم من شأن الوزراء وإحاطتهم بمختلف المزايا والمظاهر؛ لكى يزدادوا تعلقا بمناصبهم ويزداد الناس تهاتفا عليها، فمن ذلك اختصاصهم بألقاب ميزتهم عن غيرهم من حملة الرتب والألقاب كتلقيب الوزراء بأصحاب «المعالي»، بعد أن كانوا أصحاب «سعادة» فقط، وتلقيب رئيس الوزراء بصاحب «دولة» بعد أن كان صاحب «عطوفة».
وعمد السلطان حسين كامل إلى السخاء فى منح رتب الباشوية والبكوية لكثير من الأعيان والوجهاء والموظفين، فكان لهذه الوسيلة أثرها فى كسر حدة السخط والمعارضة، وأخذ الأعيان يتطلعون كعادتهم إلى التحلى بهذه الرتب، من طريق الإخلاص للسلطان وللنظام القائم، فاجتذبت الحكومة بذلك ولاء طبقة الأعيان والمثقفين فى مختلف المديريات. بحسب رواية عبدالرحمن الرافعى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.