على باب ثلاجة الموتى بمستشفى الزيتون العام، أو غرفة الرحمة، كما يطلقون عليها، جلست فاطمة، 50 عاما، وقد أصبح وجهها شاحبا، متشحة بالسواد حزنا على نجلها، تتفوه بكلام غير مفهوم، والدموع تنهمر من عينها، لملمت شتات نفسها جاهدة واستجمعت قواها قائلة: «الضابط حرق قلبى على ابنى دا كان سندى وظهرى مش مصدقة انى مش هشوفوا تانى.. حسبى الله ونعم الوكيل». وتابعت الأم: «خبر قتل ابنى على ايد الضابط نزل على ودانى زى الصاعقة، الظابط الظالم حكم على بالإعدام، وخد منى روحى، وحرمنى من ابنى، بطريقة عمرى ما تخيلتها، ولا تخيلت إنى أعيش وأحضر جنازته وهو قتيل، بدل فرحه»، وتابعت: «تصدق إن جوزى عرض على الظابط تصليح تلفيات عربيته بس هو صمم على احتجاز ابنى عشان يعمل له محضر، ولما فشلت محاولات تخليص ابنى من ايد الظابط اللى ما يعرفش لا رحمة ولا قانون، وقتل ابنى بالرصاص من مسدسه الميرى». وجهت الأم حديثها إلى بعض وسائل الإعلام التى اتهمت ابنها بالبلطجة قائلة: «عبدالرحمن مش ارهابى ولا مع الاخوان ولا بلطجى، انا ابنى طالب فى تانية ثانوى، ذنبه الوحيد انه سيارته اصطدمت بسيارة الباشا الضابط، ودمه مش هيروح هدر، ولو الحكومة ما جبتليش حقه ربنا هيجبلى الحق منه» ثم انخرطت فى نوبة بكاء. لكنها عندما شاهدت أحد أعضاء فريق نيابة الأميرية الذى جاء لمناظرة جثمان الابن، أسرعت إليه قائلة وهى تبكى على كتفه: «هاتولى حق ابنى»، فرد عليها: «ان شاء الله بالقانون وحق ابنك مش هيضيع». تفاصيل ما حدث، مساء أمس الأول، وانتهى بمقتل عبدالرحمن على يد ضابط شرطة بسلاحه الميرى، يرويها كريم على محمود، محاسب، ابن عم المجنى عليه، بالقول إن مشادة كلامية حدثت بين عبدالرحمن والضابط فى الخامسة مساء أمس الأول، فى شارع الشركات القريب من قسم شرطة الاميرية، والسيارة التى كان يستقلها الضابط بمفرده مبلغ بسرقتها، وكانت محجوزة داخل ديوان القسم، لكنها تعطلت منه فجأة مما تسبب فى وقوفها بنهر الطريق، وخلال ذلك، كان عبدالرحمن قادما بسيارة مملوكة لعمه برفقة سائقها محمد علاء حيث تسبب بسرعته الزائدة فى الاصطدام ب3 سيارات أمامه منها السيارة التى كان الضابط يقودها فقام بالتحفظ عليه وطلب منه استدعاء والده على حد قوله. وأضاف إنهم عندما ذهبوا لاستطلاع الأمر حدثت مشادة كلامية بين والد المجنى عليه والضابط فقام على اثرها الضابط بإطلاق ثلاث أعيرة نارية اثنين فى الهواء والثالثة استقرت فى صدر عبدالرحمن، ليسقط جثة هامدة وسط بركة من الدماء أمامهم مما أثار غضبهم فقاموا باحتجاز الضابط بشارع جانبى فى حين انشغل عمه فى انقاذ ابنه ونقله إلى المستشفى إلى ان جاءت قوة امنية من قسم الاميرية واستطاعت تخليص الضابط من قبضة الأهالى وذهبوا به إلى القسم. فى طرقات المستشفى، جلس عدد كبير من اهالى شارع الشركات، حيث كان مسكن عبدالرحمن، وأجمعوا على اخلاقه الحميدة التى تتسم بالرجولة على الرغم من سنه الصغير. والواقعة كما يرويها احمد سالم، أحد شهود العيان، لم تستغرق سوى 15 دقيقة انتهت بمقتل عبدالرحمن الذى كان يجلس بجوار سائق السيارة التى اصطدمت بسيارة الضابط، وهو فى طريقه لنقل بعض الفاكهة إلى محل والده بسيارتين كانتا متوقفتين خلف سيارة الضابط، مما اثار غضبه فحدثت بينهما مشادة كلامية قام على اثر ذلك بالتعدى عليه بالضرب المبرح بعد أن رفض الذهاب معه إلى القسم للتحفظ عليه واحتجازه، وأخرج مسدسه الميرى واطلق منه طلقتين فى الهواء والثالثة استقرت فى صدره، وقال إنهم حاولوا إنقاذه فتوجهوا به إلى مستشفى الزيتون ولكنه لفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصول إليها. وهو السياق الذى تضمنه محضر الشرطة، المحرر بمعرفة ضباط قسم شرطة الأميرية، بحسب مصدر أمنى داخل القسم، حيث كتب: «أثناء مرور الملازم محمد جمال عبدالناصر، 24 عاما، بشارع الشركات مستقلا سيارة رقم 7646 ب 13 شرطة، بدائرة القسم اصطدمت سيارة رقم 926 وط ف، بسيارته من الخلف، وعندما ترجل الضابط باتجاه السيارة تبين ان قائدها يدعى عبدالرحمن طارق محمود عامر، المجنى عليه، 16 عاما، طالب بالصف الثانى الثانوى العام، ولا يحمل رخصة قيادة، وعندما حاول الضابط التحفظ عليه بتهمة القيادة بدون ترخيص لحين تحرير محضر بالواقعة حدثت بينهما مشادة كلامية سرعان ما تطورت إلى الاشتباك بالايدى، وفوجئ الضابط بالمجنى عليه يتصل بأهليته واخبرهم بان الضابط يحتجزه فى وسط الشارع فهرعوا لمكان الواقعة. واضاف المحضر: إن «أهالى المجنى عليه حاولوا تخليص القتيل من أيدى الضابط ووجه عدد منهم سيلا من السباب، فحاول العودة إلى الخلف ممسكا بالقتيل وأثناء ذلك حدثت مشادة كلامية بينهم فى محاولة منهم لتهريبه مما اضطره إلى اطلاق الاعيرة النارية لتحذيرهم لكنهم استمروا فى الاقتراب منه، وقتها خرجت من مسدسه رصاصة استقرت فى صدر القتيل»، وتابع المحضر: «تم نقل القتيل إلى مستشفى الزيتون بينما تم نقل الضابط إلى مستشفى الشرطة لتلقى العلاج اللازم وأخطرت النيابة للتحقيق». واستمع ضباط المباحث ل 5 أشخاص من شهود العيان، أكد اثنان منهم أن الواقعة بدأت باصطدام سيارة المجنى عليه بسيارة الضابط مما ادى لتجمع عدد كبير من الاهالى فقام الضابط بإطلاق الاعيرة النارية فى الهواء وأصابت إحداها المجنى عليه فى صدره وبعدها تعدى أهالى المجنى عليه بالضرب . من جانبه، أكد مصدر أمنى بمديرية أمن القاهرة ل«الشروق» ان وزارة الداخلية تجرى تحقيقا داخليا للوقوف على حقيقة ما حدث بالأميرية، قائلا: «إن الوزارة لن ولم تتستر على ضابط مخطئ أو فاسد». وأضاف المصدر، الذى فضل عدم ذكر اسمه، إن أهالى المجنى عليه تجمعوا امام سيارة الضابط اعتدوا عليه بالضرب لأكثر من نصف ساعة ما اسفر عنه وقوع اصابات بإصابات بالغة بأنحاء متفرقة من جسده وفور علم الأجهزة الامنية انتقلت قوة أمنية من القسم واستطاعت تحرير الضابط من قبضة الأهالى والعودة بها إلى ديوان القسم مشيرا إلى قيام الأهالى بالتجمهر امام القسم فى محاولة منهم لاقتحامه والفتك بالضابط فتصدت لهم القوات ومنعت من دخول القسم، ومنع الأهالى ضباط القسم من نقل زميلهم المصاب إلى المستشفى الأمر الذى اضطرهم على إطلاق النيران فى الهواء لتفريقهم وتمكنوا من الخروج من داخل ديوان القسم ونقل الضابط المصاب إلى مستشفى الشرطة لتلقى العلاج اللازم داخل المستشفى.