ليلة ساخنة عاشتها منطقة الأميرية، مساء أول من أمس، اختلطت فيها الدماء بصدى الطلقات النارية، بعد مقتل طالب ثانوى برصاص ضابط شرطة، فى مشاجرة فى ما بينهما، تجمع بعدها المئات من الأهالى أمام قسم شرطة الأميرية، للمطالبة بالقصاص من قاتل ذويهم الذى لم يتجاوز العشرين من عمره، فى الوقت الذى دفع فيه قطاع أمن القاهرة بسبع سيارات للأمن المركزى فى محيط القسم، خشية أى محاولات لاقتحام القسم، وأطلق رجال الشرطة الطلقات التحذيرية فى الهواء، من أعلى سطح القسم لتتمكن من نقل الضابط الذى أصيب هو الآخر إلى المستشفى، خصوصًا بعد تزايد الأعداد أمام القسم، قبل أن تأمر النيابة العامة بتشريح جثة القتيل، والتحفظ على الضابط داخل مستشفى الشرطة، لحين صدور قرار بشأنه، بعد استيفاء التحقيقات معه، «التحرير» تروى التفاصيل الكاملة للأحداث الساخنة والحزينة. محضر الشرطة ورواية الأمن جاء فى محضر الشرطة الذى حرره العميد أشرف عز العرب رئيس مباحث قطاع شمال القاهرة، أن ضابط الشرطة الملازم محمد جمال عبد الناصر، 24 سنة، معاون الضبط بقسم الأميرية كان يسير بالسيارة رقم «7646 /ب» شرطة رينو بيضاء اللون، بشارع الشركات، وفى أثناء ذلك اصطدمت أربع سيارات بسيارة الضابط من الخلف، فتوجه الضابط إلى السيارة الأولى المتسببة فى الحادثة «نصف نقل»، وكان بداخلها شخصان، وطلب من قائدها الاطلاع على الرخصة، فأخبره بعدم وجودها، وخلال ذلك دار حديث بين الطالب والضابط، الذى حاول التحفظ على مستقلى السيارة نصف النقل، لتحرير محضر بالواقعة، قام بعدها القتيل باستدعاء أسرته التى حضر منها بعض الأشخاص، وحاولوا التعدى على الضابط، كما جاء بمحضر الشرطة، وأخذ الطالب بالقوة من يد الضابط، الذى قام بإطلاق طلقتين فى الهواء، وجرى بالطالب إلى الخلف، وبدأ يحذرهم ومع تزايد الأعداد، استولت أسرة القتيل على طبنجة ملازم الشرطة، قبل أن تخرج طلقة بالخطأ من سلاح الضابط فى أثناء الشد والجذب، لقى بعدها الطالب مصرعه، فما كان من أسرته سوى اصطحاب الضابط لمنزلهم، وتعدوا عليه بالضرب المبرح، ثم تفاوضت الشرطة بعدها مع كبار العائلات لتسليم الضابط للقسم، والسير فى الإجراءات القانونية اللازمة، حتى تم نقل الضابط لمستشفى الشرطة فى حالة خطرة لتلقى العلاج اللازم، واشتمل محضر الشرطة على أقوال خمسة من شهود العيان تباينت رواياتهم، فمنهم من أكد أن الطلقة خرجت بطريق الخطأ من الضابط، وآخر ذكر أنهم فوجئوا بجثة الطالب على الأرض بعد مشادة بين أسرته والضابط. روايات أسرة القتيل محمد حسنى خال القتيل عبد الرحمن طارق، 16 سنة، الطالب بالصف الأول الثانوى، قال إنه بعد اصطدام سيارة نصف نقل تحمل بعض الخضراوات كان يستقلها نجل شقيقته، بسيارة الضابط، فى شارع الشركات، وأكمل الخال حديثه والدموع تتساقط من عينيه، «ذنبه إيه ياخد طلقة فى صدره.. الضابط ماعندوش قلب كان عايز يموته بطلقة تانية لكن الرصاصة اتكتمت فى سلاحه الميرى»، وأضاف محمد أن الضابط أطلق طلقتين فى الهواء ظنًا منه بطريق الخطأ أن أسرة عبد الرحمن ستتعدى عليه لتمنعه من تحرير المحضر، وبعد مشادة كلامية قام الضابط بتهديد عم عبد الرحمن الذى استنكر قيام الضابط بإرهابهم بإطلاق الأعيرة النارية فى الهواء، خصوصًا أن الأمر لا يستحق كل هذا، وطلبوا منه تعويضه عن أى تلفيات بسيارته وإنهاء الأمر، فما كان من الضابط إلا أن رفض، ومع تطور المشاجرة صوّب طلقة للمجنى عليه أودت بحياته على الفور، قام بعدها جيران عبد الرحمن بعد الحادثة حاولوا التعدى على الضابط، فقامت أسرة القتيل بإنقاذ الضابط من أيديهم، علموا بعدها بهروبه من محيط الحادثة منعًا للمساءلة. زوج خالة المجنى عليه، أشار إلى أن رئيس مباحث قطاع شمال القاهرة العميد أشرف عز العرب أخبرهم فى بادئ الأمر أن الضابط المتسبب فى مقتل ذويهم، ليس على قوة قسم شرطة الأميرية إنما يتبع قسم الحدائق، كما أن السيارة التى كان يقودها الضابط ضمن السيارات المحجوزة بقسم الأميرية على ذمة إحدى القضايا، مؤكدا لهم أنه يجرى تحقيقًا لمعرفة كيف استقل الضابط تلك السيارة التى لا تحمل لوحات معدنية، وكيفية خروجها بهذه الطريقة من القسم، كما أخبره مأمور القسم أنه لن يترك حق ذويهم القتيل، مضيفًا أن رئيس مباحث القطاع عدل عن أقواله فى ما بعد بعد هدوء الأوضاع نسبيًّا قائلا: «الضابط كان رايح فى مأمورية وقت الحادثة». أهالى الأميرية يحتشدون أمام قسم الأميرية المئات من الأهالى تجمعوا أمام قسم شرطة الأميرية، للمطالبة بالقصاص من قاتل المجنى عليه، واحتشدوا منذ الخامسة والنصف مساءً وحتى نحو الحادية عشرة، خشية هروب ضابط الشرطة المتسبب فى مقتل طالب الثانوى، والتعبير عن غضبهم تجاه وزارة الداخلية، التى باتت، كما قال أحدهم، تروع الآمنين البسطاء لتوصيل رسالة أن وزارة العادلى قد عادت من جديد، وتراص تشكيل للأمن المركزى أمام باب القسم، وتمركزت 7 سيارات شرطة وكذا مدرعة كخدمات تعزيزية خشية أى تداعيات، خدعة الأمن لنقل الضابط المتهم إلى المستشفى بأعجوبة كانت الدقائق تمر على الأهالى المحتشدين أمام قسم الشرطة كالدهر، الجميع ينتظر معرفة مصير ضابط الشرطة المتسبب فى الحادثة، ومع حلول التاسعة مساءً تقريبًا، خرج عم القتيل من القسم ممسكًا بطبنجة فى يديه والدماء تظهر على جلبابه المتواضع، برفقة آخر قائلا «يا جماعة الظابط مات.. كله يروح عشان نعرف نخرجه للمستشفى»، وبالفعل جاءت سيارتان إسعاف ودخلت بصعوبة إلى باب القسم، بسبب احتشاد الاهالى وإصرارهم على التأكد من وفاة الضابط، وبعد طول انتظار خرج أحد الأشخاص ملفوفًا فى بطانية، بدا وكأنه جثة الضابط الهامدة، حتى اكتشف الأهالى بعدها أن الضابط المصاب، بداخلها بصحة جيدة، وحاولوا استيقاف سيارة الإسعاف بالقوة، ورشقوها بالحجارة، قبل أن تطلق القوات الأمنية الطلقات النارية لتفريق الموجودين أمام القسم، فرت بعدها السيارة وسط صراخ وعويل الأهالى، فضلًا عن استيائهم من تعامل الشرطة معهم. عويل أم القتيل المكلومة أمام ثلاجة مستشفى الزيتون ووصول النيابة للمناظرة الحاجة فاطمة والدة القتيل عبد الرحمن، أبكت بكلامها جموع الحاضرين، فى أثناء انتظارها أمام ثلاجة مستشفى الزيتون للحصول على تصريح دفن نجلها، الأم قالت وهى تلطم على خديها «يرضى مين ابنى مات، لو ده ابن السيسى أو محمد إبراهيم كان ده حصل فيه»، فى إشارة إلى الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزير الدفاع واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، وتابعت الأم والدموع تغالبها «عبد الرحمن ماكنش إرهابى ولا إخوانى ولا بلطجى ولا تاجر مخدرات زى ما بتقول الداخلية والقنوات الفضائية ما قالت عليه.. أنا نزلت فى 30 يونيو لصالح الفريق السيسى وهتفت لصالح الجيش.. يرضى مين هو الظابط عشان عنده سلطة يعمل كده فى ناس ضعيفة حرام والله.. أنا مش هدفن ابنى مش همشيه من هنا ولا آخد عزاه قبل ما أجيب حقه.. ووكيل النيابة قال ده قتل عمد.. الفريق السيسى ومحمد إبراهيم ميرضاش كده.. عايزة أعرف ذنبه إيه وعمل إيه»، وتابعت والدة القتيل قائلة إن الضابط الذى قتل ابنها هو ضابط متمرد، وطرقت الأم على باب ثلاجة المستشفى «رد عليا يا بنى.. رد عليا يا عبده.. الضابط قال لأبوه أنا مش هسيب ابنك أنا هموته امشى وسيبه». الأم أكملت حديثها بصعوبة مع «التحرير» قائلة «ابنى كان هيطلع معايا عمرة فى رمضان اللى جاء عشان يسندنى لأنى تعبانة.. وقالى يا ماما أنا هشيلك فى السعودية على كتفى ماتخفيش من حاجة»، واختتمت مؤكدة أنها استخرجت بطاقة رقم قومى منذ أيام قليلة لفلذة كبدها عبد الرحمن، ليتمكن من الذهاب للتصويت على الدستور، مشيرة إلى أنها حثته على التصويت ب«نعم» كى «تمشى البلد» على حد وصفها. وبعد وصول عضو النيابة العامة لمناظرة جثة القتيل، ركعت الأم على قدم وكيل النيابة طالبة منه أخذ حق ابنها كى لا تضيع هدرًا، وهنا عانقها عضو النيابة، وقال لها «ابنك دمه فى رقبتى وهنجيبلك حقه»، وأمر بالتحفظ على الضابط.