كتب أنتونى كوردسمان، مقالا تحليليا نشر على الموقع الالكترونى لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن، جاء فى المقال: على الولاياتالمتحدة إعادة النظر فى مواقفها وسياساتها تجاه المملكة العربية السعودية ودول المواجهة العربية. فلم يصبح «الربيع العربي» نافذة مفاجئة للإصلاح الديمقراطى، بل إنه أطلق نمطا واسعا من عدم الاستقرار الإقليمى فى منطقة تعانى بالفعل من اضطرابات عميقة. وربما يأتى اليوم خلال السنوات المقبلة الذى تسفر فيه التوترات فى دول مثل مصر وليبيا وسوريا وتونس واليمن عن ظروف تسمح بإجراء إصلاح فعال، وسياسة تقوم على أساس الحل الوسط بدلا من تاريخ من المؤامرة يحصل فيه الفائز على كل شىء، وانتخابات تنتج توترات وطنية بدلا من الطائفية والعرقية، وسيادة القانون بدلا من القمع. غير أن الاضطرابات اليوم تعنى عدم الاستقرار السياسى والعنف، ومشاكل اقتصادية جديدة ضخمة، والصراع على السلطة والقمع واللاجئين. ولا يعنى هذا التخلى عن الجهود الدائبة لتشجيع الإصلاح فى الدول العربية الأكثر استقرارا، لكنه يعنى فهم دوافع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجى الأخرى، والأنظمة فى الدول الصديقة الرئيسية مثل مصر والأردن والمغرب. فهى دول لا تجلس على حافة الصحوة السياسية المثالية، وإنما هى دول «المواجهة» التى تعانى أنظمتها وشعوبها من تهديد مجموعة من القوى، أفقرت بالفعل معظم الدول المتأثرة بما يسمى ب«الربيع العربى»، أو أوقفت التنمية الاقتصادية فيها؛ فشردت 25٪ من سكان سوريا أو حولتهم إلى لاجئين، ومكنت إيران، وخلقت أزمة الحضارة البلدان الإسلامية.
ولا يعتبر رد فعل المملكة العربية السعودية، مثلما يرى بعض المحللين، مسألة «غضب». ولكنها تواجه، مثل دول مجلس التعاون الخليجى الأخرى، تهديدات متنوعة من إيران، لا تقتصر على التقدم النووى الإيرانى. وإنما تشمل الجهود الإيرانية لزعزعة استقرار السكان الشيعة، وتزايد مجموعة القوى الايرانية المعدة خصيصا لأهداف التهديد والشحن فى منطقة الخليج، ومساعى إيران للهيمنة فى العراق، والعلاقات الإيرانية مع حزب الله، ومع الأسد فى سوريا. كما تواجه المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان تهديدات مباشرة من زعزعة الاستقرار فى اليمن، فضلا عن أنها مضطرة بالفعل لخوض حرب حدودية صغيرة ضد المتمردين الحوثيين فى اليمن ولدى هؤلاء المتمردين بعض العلاقات مع إيران. وتحشد ايران قوة هائلة من قوات الحرس الثورى مع الصواريخ والقذائف التى يمكن أن تصل إلى أنحاء منطقة الخليج، وهى تسعى لتصدير فكرة أنها يمكن أن تمثل تهديدا للعالم أكثر واقعية مما لو امتلكت أسلحة نووية، ولديها دوافع قوية لتسليح هذه القوات بأسلحة نووية لترهيب الدول العربية والتأثير فيها. وربما يتحدث المتشددون الإيرانيون عن «إسرائيل»، وامتلاكها أسلحة نووية، ولكن الكثير من حديثهم غطاء لمساعى الهيمنة على الخليج.
وتواجه المملكة العربية السعودية وجميع جيرانها تهديدات متزايدة باطراد بحرب ألغام إيرانية، وقوات البحرية والحرس الثورى الإيرانى التى يمكن أن تهدد بشكل انتقائى منشآتهم البحرية، والمرافق الساحلية الرئيسية مثل محطات تصدير البترول والغاز ومحطات تحلية المياه، والنقل البحرى. وقد لا تفعل إيران أكثر من استخدام هذه القوات لتهديد مضيق هرمز، ضمنيا، فضلا عن أهداف محتملة داخل وخارج الخليج، لكنها حقائق ملموسة للغاية تزيد كل عام، على نحو أكبر من احتمال انتاج أسلحة نووية إيرانية. وتواجه كل من البحرينوالكويت والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تهديدات محدودة على الأقل بسبب الجهود الإيرانية للتأثير على السكان الشيعة فى هذه الدول، إلى جانب القوى الأوسع نطاقا الرامية لتقسيم السنة والشيعة. ولا تستطيع المملكة العربية السعودية وجيرانها، إبعاد نفسها عن خطر التطرف والإرهاب. فقد دفعت المملكة العربية السعودية الكثيرين من تنظيم القاعدة إلى خارج المملكة، وكانت النتيجة أنهم الآن قوة رئيسية فى اليمن لا تزال قادرة على التسلل إلى المملكة وشن عمليات فيها. وهناك أسباب وجيهة، وراء تركيز البحرينوالكويتوعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على مثل هذه التهديدات، وقلقها إزاء الانقسامات فى قطر، حيث يدعم بعض أعضاء الأسرة الحاكمة الحركات المتطرفة الإسلامية السنية فى سوريا وغيرها من الدول. وتواجه السعودية مثلها مثل الكويت والأردن تهديدا مباشرا من النفوذ الإيرانى فى العراق، ولكنها تواجه أيضا تهديدا آخر من الإرهاب والتطرف من تنظيم القاعدة فى بلاد ما بين النهرين، الذى يضم عناصر مماثلة فى سوريا لتشكيل دولة العراق الإسلامية. وفى نفس الوقت، تدفع ايران المتطوعين الشيعة إلى سوريا وتعزز علاقاتها مع حزب الله، وهو ما يمكن أن يسهل اندساس مصادر الإرهاب فى السكان الشيعة العرب. وتواجه كل دولة عربية معتدلة، وخاصة السعودية، التهديد الذى يمثله المتطرفون الدينيون، حتى من غير دعاة العنف،الذين يقسمون المسلمين السنة ويشكلون ضغوطا كبيرة للقضاء على عقود من التقدم والإصلاح المتطور.
ولا يعتبر الأمن والاستقرار الاقتصادى، والإدارة الفعالة من حقوق الإنسان المهمة فحسب، ولكنها مفتاح التقدم فى كل جانب من الجوانب الأخرى لحقوق الإنسان وكرامته. ولا تعتبر الثورات والاضطرابات السياسية التى تهدد الأمن الاقتصادى والحوكمة مقدمة للفوضى الخلاقة. فعادة ما تكون مقدمة لعقد من استمرار الاضطرابات، وضعف أو فشل الحكم، والركود الاقتصادى أو انخفاض نصيب الفرد من الدخل والاستثمار والعمالة المنتجة. ومن نفس المنظور، يتضح السبب فى دعم السعودية والكويتوالإمارات للجيش المصرى بمساعدات بلغت 12 مليار دولار. فلا تركز هذه الدول على ممارسة شكلية للديمقراطية، ولكن على استقرار الدولة، حيث يمكن أن يمثل أى نظام متطرف تهديدا أكثر بكثير مما كان عليه الحال فى وقت ناصر. وهذا ما يفسر أيضا دعمهما للأردن وهى العازل الاستراتيجى الرئيسى فى جهة الغرب، ودعمهما الأوسع نطاقا للمغرب باعتباره مصدرا رئيسيا آخر من مصادر الاستقرار الإقليمى، وهو الدور الذى لا يمكن أن يلعبه نظام الجزائر المستمر بسبب القمع العنيف كنظام الأسد فى سوريا. وهذا ما يفسر أيضا استمرار ضغط السعودية ودول عربية أخرى من أجل إحلال السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.حيث يرجع جزء من هذا الضغط إلى قلق حقيقى على الفلسطينيين، ولكنه بنفس القدر ضغط من أجل تحقيق أمن هذه الدول. وقد أتاحت قضية السلام لإيران نفوذا رئيسيا وعلاقات مع حزب الله فى لبنان. وقد سمح ذلك لطهران أن تقدم نفسها باعتبارها المدافع عن الحقوق العربية، بينما ينصب تركيزها الاستراتيجى الحقيقى على الخليج. ومرة أخرى، لا يعنى هذا أن نتوقف عن الضغط من أجل الاعتدال، والإصلاح، وتحقيق تقدم بالبلد تلو الآخر. كما لا يعنى أننا نستطيع تجاهل الاستخدام المفرط للقوة باسم الأمن. ولكن يعنى أننا يجب أن نتقبل حقيقة أن حلفاءنا العرب مثلهم مثل إسرائيل لديهم كل سبب للتخوف من مفاوضات الولاياتالمتحدة مع إيران حتى يتأكدوا من أن أمنهم لن يتم المساس به. ويعنى أنه ينبغى لنا أن نفهم دوافعهم نحو مصر، ونبحث ما إذا كنا نخلط بين الحاجة إلى تشجيع الجيش المصرى للتحرك نحو شكل أكثر قابلية للتطبيق الديمقراطى، وبين وهم أن هناك طريقا بديلا قابلا للتطبيق يمكن أن نستمر فيه بمصداقية.
وهذا يعنى أننا يجب أن نتفهم ونحترم مبررات المملكة العربية السعودية وكل دولة إقليمية صديقة أخرى مرة أخرى بما فى ذلك إسرائيل تتشكك فى مواقفنا الأخيرة وسياساتنا والتزاماتنا الحالية. وبينما يمكن لكل من يتحدث إلى خبراء في وزارة الخارجية الأمريكية والقيادة المركزية الأمريكية، ويلاحظ التعاون الأمنى بيننا وبين الدول العربية، أن يرى تقدما حقيقيا فى العديد من مجالات التعاون الأمنى مع المملكة العربية السعودية والدول العربية، سوف يجد الكثير جدا من أقوالنا وسياساتنا فى التعامل مع سورياوإيران ومصر وغيرها من الدول وكذلك التركيز المستمر على الديمقراطية المجردة بغض النظر عن الواقع المحلى تخلق أسبابا كثيرة جدا تدفع السعوديين وغيرهم من العرب إلى الخوف وعدم الثقة. على الأمريكيين أن يعيدوا التفكير فى 9/11، وأن يضعوا أنفسهم فى مكان دول المواجهة العربية. ماذا ينبغى أن نفعل؟ وكيف يمكن أن نرى سياسات العالم والولاياتالمتحدة إذا كنا مكانهم؟