سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مصانع على النيل للبيع.. كيف تحولت أراضي القطاع العام ل «نقمة» على الصناعة؟ الاحتجاجات العمالية ضد تحويل نشاط الشركات وتخسيرها كان أساس دعاوى بطلان الخصخصة
فى بلد تشهد فيه أسعار الأراضى ارتفاعا مستمرا حتى فى فترات الركود، يصبح تفكيك الصناعة وتحويل أراضيها إلى النشاط العقارى امرا مربحا، هكذا تبدو العديد من الروايات عن مصير صناعات مهمة خصخصتها الدولة بهدف تطويرها، ثم اتجهت الإدارات الخاصة بعد بيعها لهدم مصانعها وبيع اراضيها للاستثمار العقارى، وهو الاتجاه الذى لا يزال يثير احتقانا فى الأوساط العمالية بالشركات المخصخصة، سواء التى صدرت احكام بإعادتها للدولة او التى لا تزال تحت إدارة القطاع الخاص. «الخصخصة فى ذاتها ليست شرا مستطيرا يجب مقاومته، كما أنها ليست خيرا مطلقا يتعين أن تذلل أمامه الطرق وتفتح الأبواب على مصراعيها «هكذا عبر قضاة القضاء الإدارى فى أحد احكام إلغاء حالات الخصخصة عن مفهومهم لعملية بيع اصول الدولة للقطاع الخاص، معتبرين ان الخصخصة تهدف بالأساس إلى «رفع الكفاءة الإنتاجية للمنشأة التى تم تخصيصها وتحسين أدائها»، كما عبر الحكم القضائى. وان كانت سلسلة الأحكام التى صدرت بإلغاء علميات خصخصة شركات عامة فى قطاعات مختلفة استندت بالأساس إلى الطعن فى التقييم المتدنى للأصول وقت بيعها للقطاع الخاص، إلا أن ما فجر تلك قضية بالأساس وأوصلها لباب المحاكم كانت الاحتجاجات العمالية التى نشبت فى مواقع الإنتاج بسبب تحول العديد من الشركات بعد الخصخصة للخسائر، واتجاه إدارات القطاع الخاص لبيع أصول تلك الشركات من اراض ومعدات، الامر الذى جعل الخصخصة تخرج عن هدفها الرئيسى من «رفع الكفاءة» و«تحسين الأداء». «لقد كانت المخالفات فى تقييم الشركات المبيعة أمرا صارخا لذا ركزت الدعاوى المطالبة ببطلان بيعها على تلك النقطة، ولكن تظل قضية الحفاظ على نشاط الشركات وعدم تصفية أصولها من اهم قضايا الخصخصة»، كما يقول خالد على، المحامى الذى شارك فى كل القضايا المرفوعة ضد عمليات بيع لأصول الدولة. وتضم العديد من الدعاوى التى شارك فيها خالد قصصا عن شركات صناعية دخل الاستثمار العقارى كجزء من نشاطها، مثل شركة المراجل البخارية، حيث قامت الشركة المشترية لها بعد تفكيك المعدات ونقلها إلى موقع آخر «بتحويل أرض الشركة إلى سوق عقارية واستثماريه هدفها المصلحة الخاصة، مخالفين السبب الذى تغيرت الملكية من أجله ودون مراعاة للبعد القومى والاجتماعى والوطنى»، كما جاء فى نص الدعوى التى انتهت بقبول الطعن فى خصخصة المراجل. «لقد كان الهدف من خصخصة المراجل البخارية دعم خطة مستقبلية لوزارة الكهرباء لإنشاء عدد من محطات القوى الكهربائية الضخمة التى تستخدم بها المراجل ذات السعات الكبيرة لتوليد الطاقة الكهربائية، وهذا لم يحدث بل ان الطاقات الإنتاجية للشركة حاليا معطلة»، كما يضيف على. البيع بسبب الخسارة! وتبرر العديد من إدارات الشركات الخاصة عمليات بيع الاراضى بالحاجة إلى موارد مالية تحتاجها الشركة، الا ان النقابات العمالية بتلك الشركات ترى ان إدارة المشترى للشركة هى السبب فى تعرضها للخسارة، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء فى تقرير اعده اتحاد العاملين المساهمين واللجنة النقابية بشركة القاهرة للزيوت والصابون وقدماه لهيئة سوق المال، تعرض لعملية بيع مصنع القناطر الخيرية التابع للشركة لتغطية خسائر الشركة، قالا فيه ان المشترى «تسلم إدارة الشركة فى 2/7/2005 وكان بها مخزون بضائع كبير من الخامات والإنتاج التام ومستلزمات الإنتاج»، معتبرين ان اداء الشركة تردى بعد ذلك بسبب «سوء إدارته»، مضيفين «وكأن المستثمر قام بالاستثمار فى الشركة لنظرته فى قيمة الأراضى الخاصة بالشركة، حيث ان اراضى الشركة تقع جميعا داخل القاهرة الكبرى». «حالات بيع الاراضى والاعتماد عليها كمصدر مهم لإيرادات الشركة ظهرت بشكل فج للغاية فى الشركات العاملة فى مجال المنسوجات، لأن العديد من فروعها كان منشئا على طريق النيل والرياحات، حتى يتاح نقل القطن إليها فى صنادل، الأمر الذى جعل اراضى تلك الشركات قيمة للغاية فى مجال النشاط العقارى»، كما يقول على، مشيرا إلى عمليات بيع الاراضى الواسعة فى شركات كالنيل لحليج الأقطان. مازالت الأزمة مستمرة ولا تزال محاولات بيع اراضى الشركات المخصخصة تتسبب فى قيام العديد من العمال فى المواقع الانتاجية بالاحتجاج على ما يرونه مقدمات لتقليص نشاط الشركة بما يعرضهم لفقد وظائفهم، كشركة المعدات التليفونية التى نشرت اعلانا فى احد الصحف، فى 25 ابريل الماضى، عن معاينة لبعض اصول الشركة وهو ما اعتبره العمال أحد الإجراءات التمهيدية لبيع اصول الشركة لحل ازمتها المالية. وكانت الشركة التى أشهرت إفلاسها تحقق، قبل الخصخصة فى عام 1999، دخلا سنويا يتراوح بين 30 و40 مليون جنيه، و«تساهم فى دعم موازنة الدولة»، كما تقول الدعوى المرفوعة للطعن فى خصخصتها، مشيرة إلى ان الغرض من خصخصة الشركة الرابحة كان «تطوير معدات الاتصالات فى مصر» و«إتاحة فرص عمل جديدة» و«دفع التصنيع المحلى» و«زيادة الدخل القومى». عمال شركة «مصر للهندسة والعدد ميكار» كانوا قد أعلنوا عن وقفة احتجاجية على سياسات الشركة مؤخرا، وبحسب مذكرة للعمال حصلت عليها «الشروق»، فإن عقد بيع الشركة كان يشترط «قصر استغلال الارض المقام عليها الشركة فى نشاطها الحالى او التوسع فيها ما لم يمنع المشترى او يضطر او يصبح من الصعب عليه ذلك لسبب خارج عن إرادته»، الا انه منذ عام 2011 قام صاحب الشركة بتجريفها وتقسيمها إلى اجزاء وبيع جزء من الشركة وهو الثلث، كما يرصد تقرير العمال، مضيفا ان المشترى قام بعمل جراج وبنزينة بالمساحة التى بيعت له، ثم قام ببيع معدات الأصول الثابتة والورش والآلات الموجودة بالشركة على انها خردة، ثم قام بإنشاء ابراج سكنية داخل الشركة وعلى اراضى الشركة وهى منشأة صناعية. وتعتبر دعوى الطعن فى خصخصة «المصرية للنشا والجلوكوز»، أن الشركة تعرضت منذ الخصخصة ل«نزيف» مستمر و«تآكل للأصول» «بدلا من تنميتها والنهوض بها»، حيث ترصد عشرين مزادا علنيا منذ ابريل 2012، شملت مبانى ومخازن تابعة للشركة. «ليس لدينا تصورا واضحا عن حجم عملية التصفية للصناعات العامة بعد الخصخصة بسبب الإقبال على بيع الاراضى»، كما تقول هبة خليل، المسئولة عن ملف القطاع العام فى المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة إلى أن الحالات التى يتداولها القضاء طفت إلى السطح بفضل احتجاجات العمال «ولكن هناك العديد من الحالات الاخرى من الخصخصة لا نعرف عنها شيئا». سياسة جديدة لوزارة الاستثمار منذ قيام الأزمة المالية العالمية وقطار الخصخصة شبه متوقف، وفى الوقت الحالى «ليست هناك أية نوايا للمضى قدما فى حالات خصخصة جديدة»، كما أكد مسئول حكومى طلب عدم ذكر اسمه، وما تبقى من اصول تحت ولاية قانون قطاع الأعمال العام، لسنة 1991، هو 145 شركة، بحسب بيانات وزارة الاستثمار. وإن كانت الشركات الباقية مع الدولة تحقق صافى ارباح فى مجمل أدائها، بلغت 3 مليارات جنيه فى عام 2012، الا ان هناك العديد من الشركات التى تسعى الدولة إلى وقف نزيف خسائرها واخرى إلى تطوير ادائه. وفى مجال السعى إلى ضخ استثمارات جديدة لإعادة هيكلة القطاع العام، تبرز اصول الشركات العامة من الاراضى كأحد الحلول لتوفير التمويل، ولكن بشكل أكثر رشادة تحافظ على النشاط الصناعى القائم وتطوره. «سنبحث كيفية استغلال الاصول غير الانتاجية بالشركة كالأراضى والمخازن لتوفير التمويل المطلوب فى الفترة المقبلة»، كما يقول عزت محمود، رئيس مجلس ادارة شركة عمر افندى، التى عادت إلى الدولة بعد الخصخصة. وتسعى كذلك القابضة للقطن والغزل والمنسوجات والملابس إلى تطبيق خطة لإعادة هيكلة شركاتها التابعة بتكلفة 4 مليارات جنيه، «ستشتمل على اجراءات لنقل ودمج بعض الشركات التابعة للقابضة، وبيع بعض الأراضى المملوكة لها بهدف توفير تمويل لتكاليف مشروع التطوير»، كما قال فؤاد عبدالعليم، رئيس الشركة القابضة.