رحل صوت الجبل المطرب اللبناني الكبير وديع الصافي تاركًا خلفه تركة موسيقية تكفي لتخليد ذكراه لعقود قادمة، مئات الأغنيات التي شدا بها الراحل بين الرومانسية والوطنية وأغاني الأفلام، لكن بقيت أغنيته الشهيرة «عظيمة يا مصر» جواز مروره إلى قلوب ملايين المصريين، الذين تعلقوا بها، حتى إن المطرب الراحل ارتبط في أذهانهم بتلك الأغنية، لا سيما بعد أن حصل على الجنسية المصرية بعدها. توفي الصافي، صاحب أشهر صوت جبلي، عن عمر يناهز 92 عامًا بعد صراع طويل مع المرض حيث ولد في 24 يوليو 1921، ولفظ أنفاسه الأخيرة بمستشفى المنصورية ببيروت مساء الجمعة الماضية. الصافي لم يكن فنانًا عاديًّا بل كان له تأثير كبير على المنظومة الفنية بشكل عام فقد كان له أسلوب وشكل خاص ومتميز لم يستطع أحد أن يصل لمكانته، فقد فرض لونه وصوته الجبلي، وساهم في نشر الأغنية اللبنانية وكان له أسلوبه ومدرسته الخاصة في الغناء اختلف بها عن باقي مطربي جيله، وظلت هذه المدرسة باقية وهناك مجموعة كبيرة من المطربين العرب ساروا على منهجه في الغناء. قام وديع الصافي بالغناء للعديد من الشعراء والملحنين الكبار منهم مروان كرم، والأخوان رحباني، ومحمد عبد الوهاب، بليغ حمدي، وفريد الأطرش، إلى جانب أنه لحن معظم أعماله، وكان يرى أن تلحينه لنفسه يخدم صوته بشكل كبير لأنه كان يعشق فن الارتجال في الغناء وكان يتبارى في إدخال المواويل لأغانيه وقصائده. وعبر الموسيقار محمد سلطان عن حزنه الشديد لوفاة الصافي وقال: «الأمة العربية فقدت صوتًا من أقوى الأصوات الغنائية والتي أثرت بشكل كبير في الغناء، فوديع كان قيمة كبيرة وقامة فرحيله يعد خسارة للفن العربي بشكل عام. «كل يوم يسقط ويرحل قمة من القمم في حياتنا كعرب».. هكذا رأى الملحن حلمي بكر رحيل الصافي، وقال: الصافي فنان لن يتكرر مرة أخرى فهو أحد الأصوات القوية وذات قيمة في الوطن العربي، فلذلك عندما نفقد هؤلاء نشعر بزلزال في الأرض نظرًا لمكانتهم وفنهم العريق والذي لن ينسى برحيله أو رحيل عظماء الفن. وأشار بكر إلى أنه التقى بالراحل في باريس حيث كان من المفترض أن يكون هناك تعاون بيننا ولم يحدث ولكن هذا الفنان كان يحترم فنه ويقدره فقد أفنى حياته للفن، واعتبره معلمنا ومدرسًا لعالمنا العربي لما هو الفن الحقيقى. وأذكر واقعة أن الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب عندما كان يستمع لوديع الصافي في بيته ودون أن يشعر ينزلق من على كرسيه إلى الأرض من شدة انبهاره وإعجابه به، مما دعا عبد الوهاب ليقول له «أنت تعلمنا أدب الفن وليس الفن فقط». وروى الفنان عزت العلايلي اللقاء الذي جمعه بالراحل، وقال: إنه يتميز على المستوى الشخصي بالطيبة الشديدة وحب وعشق مصر والوطن العربي، كما أنه لم يكن مجرد مطرب فقط بل كان يحمل أفكارًا سياسية ويتميز بالحنكة الشديدة والدراية بكل الأمور. وديع الصافي كان مصري الهوى قبل أن يحصل على الجنسية المصرية، هذا ما يقوله، الإعلامي وجدي الحكيم، مضيفًا: لا تشعر أن وديع لبناني فكان عاشقًا لمصر ولشعبها وكان دائم التواجد بها فمن عشقه لها طلب من الرئيس الأسبق حسني مبارك أن يحصل على الجنسية المصرية ونظرًا لقيمته ومدى حبه لبلادنا فقد حصل عليها. وأضاف وجدي: أتذكر أن الراحل عند بداية تعرفه بالموسيقار بليغ حمدي الذي كان وقتها في سن صغيرة، حينها فوجئ وديع بشاب صغير يدخل عليه ويقول: إنه قام بعمل ألحان لعبد الحليم حافظ وتعاون معه حتى فوجئ بأنه يمتلك موهبة غير عادية، وحينها قدم له أغنيته الأشهر في تاريخه «على رمش عيونها». وواصل وجدى الحديث قائلا: إن وديع الصافي إنسان بسيط يتمتع بالأصالة فقد كان حريصًا على الاحتفاظ بالسير على نهج الفن المصري من خلال أم كلثوم وعبد الوهاب في الوقت الذي كانت هناك تيارات في لبنان ترفض هذا التوجه لكنه كان مصرًّا عليه، وكان الراحل لديه عمل سينمائي مع الفنانة صباح «منتهى الفرح» وغنى من خلاله أغنية لبليغ حمدي بعنوان «دار يا دار يا دار» وشاركها في عدد من الحفلات أبرزها تلك التي أقيمت بسينما ريفولي من خلال دويتو غنائي على المسرح.