علاقات الارتباط بين الجنسين، الحائرة بين المحافظة والتحرر، هل تتوارى من نظرة المجتمع وتحتمى برومانسية مفرطة وآمال كبيرة، أم أنها تتجمل أمام ذاتها بشكل يجعل الوضوح مفسدا لها، بل أحيانا أداة للانتقام؟! كان من المفترض أن يكون مساء مميزا. يحتفل محمد و«صاحبته» بأول مرتب يتقاضاه من عمل جديد، ولكن ربما كانت الأجواء رومانسية أكثر مما يريد أو أنها كانت حميمة بشكل جعله يتحدث بصراحة كبيرة ليقول لصاحبته إنه رغم سعادته بهذه «العلاقة» إلا أنه لا يعتقد أنها ستنتهى إلى ارتباط وزواج، فتلك مرحلة أخرى ولها حسابات مختلفة تماما. ربما كان يراهن على درجة من تفهم صاحبته، لكن ما حدث أن الأجواء تفجرت، وانفصلا لفترة كان فيها حزينا ومتأثرا بحق. ولكن رهانه لم يكن خاطئا تماما فقد عادا «متصاحبين» مرة أخرى على خلفية من مصارحته السابقة التى خففها قليلا فى لقاء آخر بدعوته لها أن يظلا «الآن وهنا» وليتركا ما بعد إلى أن يأتى وقته. يقول محمد مبتسما: «لا أحد يقول ما قلت عادة رغم أن كثيرين يفكرون فيه، ولكننى أحببت أن أكون واضحا وألا يكون تصرفى موحيا بشىء لا يمكننى الالتزام به». من المحتمل أن مصارحة محمد أحزنت صاحبته التى تعول كثيرا على هذه العلاقة، ولكن من المحتمل أيضا أن مضمون هذا الوضوح ليس هو المشكلة، بل الوضوح نفسه، أن يقول فى صراحة أنها علاقة مؤقتة. وبعيدا عن حالة محمد وصاحبته بالتحديد فلكل حالة خصوصيتها فأن تكون علاقة الشاب بالفتاة مؤقتة بشكل يبدو متفقا عليه هو بالتأكيد أمر غير مألوف. هذا بالرغم من أن علاقات الأولاد والبنات فى المراحل المبكرة هى علاقات مؤقتة فى أغلبها، القليل منها فقط يستمر بشكل جدى، رغم ما قد يتردد بين الطرفين من كلمات شاعرية تتحدث عن حب العمر الخالد. ولكن إبقاء هذا الاحتمال مطروحا بشكل ضمنى يظل هو الخيار الظاهر أو الذى يجب إظهاره لأن الصورة الأخرى للعلاقة ليست جيدة. ستصبح فى هذه الحالة ما يعنيه التعبير: «بيمشى بيعرف بنات»، وهو ما قد يكون فى حق الولد مدحا أو ذما، بحسب السياق، ولكن تعبير: «بتمشى بتعرف ولاد» هو بصورة أكبر وأوضح ذم فى أخلاق البنت. هل هذا هو السبب فى كون الاعتراف بأن هذه العلاقة مؤقتة وعابرة بالنسبة للذكور أمر هين على العكس من الفتيات، يتفق مع ذلك محمد الجوهرى، طالب الهندسة بأكاديمية الشروق، ويقول إنه يلاحظ ازدياد نمط من العلاقات يسميه «تمثيل للحب بين الولاد والبنات» لفترة قبل أن يملوا من اللعبة و«يفركشوا». والتى يقول إنها تقترب من فكرة «المواعدة» أو «المصاحبة» فى الغرب أو الDating ، ولكنه فى الوقت نفسه يلاحظ أن الفتاة عادة هى التى تدفع العلاقة إلى شكل رومانسى مثالى بشكل قد يدفع الشاب أحيانا إلى الانزعاج. «هذه فكرة نمطية وقديمة بعض الشىء» تنتقد مى حسن، الطالبة بالجامعة الألمانية، ما يقوله محمد الجوهرى، وتقول: «أحيانا البنات هى التى تنزعج من الرومانسية الشديدة والارتباط الزائد من جانب الشاب إن أحست أن علاقتها به لا مستقبل لها». وتضيف أن تعبيرات مثل الDating أو Boyfriend وGirlfriend لم تعد تعبيرات مشينة، وإن كانت تعترف أن المقابل لها فى العربية ملتبس. تتوقف هنا لتقول أن تعبير «صاحبى» مثلا يحتمل معنى عاديا ومعنى خاصا، وأن مقابل ال Dating لا توجد لفظة موازية. الصحوبية، المصاحبة ، بيعرفوا بعض، هى أيضا ألفاظ غامضة. قد يبدو هنا أن هناك نمطا من السلوك لم يدخل إلى العامية العربية، ويجد تعبيره الأفضل فى الإنجليزية لذا تظل هى الأفضل للتعبير والأقرب لحياة من ينتمون لفئات اجتماعية بعينها. يبدو ذلك واضحا عندما تقول مى إن والدها- الذى تصفه بالمنفتح والذى أتم دراسته العليا فى أمريكا- جلس معها فى المرحلة الثانوية وقال لها أنه يعرف أن لها Boyfriend ، وهو لا يعتبر ذلك مشكلة بل شىء طبيعى، لكنه أكد على «الحدود» التى يجب مراعاتها فى سنها وفى مجتمعنا الشرقى على حد تعبيره. تقول إنها أحست بالارتياح، وأن ذلك ساعدها على تحديد شعورها بينها وبين نفسها. ثم توضح: «ربما يجد بعض الشباب متعة خاصة فى سرية العلاقة وكونها محظورة فيبالغون فى الرومانسية ويظهرون علاقتهم كأنها الحب الخالد الذى يواجه التحديات والمصاعب والمجتمع». ولكن بعد علم والدها، تقول أنها أحست أنها متصالحة مع فكرة الانجذاب العادى بين الجنسين، الذى تشبعه علاقة يشعر فيها كل طرف أنه محل اهتمام من الجنس الآخر، ويستمتعان بقضاء الوقت معا والظهور مرتبطين أمام الأصحاب والأقران. تضيف: «رغم أننا دائما نستخدم كلمة «حب» إلا أن الأمر قد يتطور إلى «حب حقيقى» وقد لا يتطور». على سبيل التجربة علاقة المواعدة والتى نضطر دائما لإضافة التعبير الإنجليزى Dating ليبدو معناها واضحا طورت فى الغرب نوعا من التقاليد أو الإتيكيت الخاص بها، فهى علاقة ارتباط ناتجة عن إعجاب ربما يكون عابرا، ولكن هدفها الواضح قضاء الوقت والاستمتاع معا، وقد يتضمن ذلك علاقة جنسية، ولكن ذلك لا يعنى شيئا إلا أن قرر الطرفان أنهما يرغبان فى «علاقة حب جدية»، قد تتضمن الانتقال للإقامة معا، ثم يتطلب الأمر اتفاقا آخر لتنتقل العلاقة إلى شكل أكثر جدية وهو الزواج. تفاصيل هذه العلاقة المرفوضة من الغالبية الساحقة من فئات مجتمعنا هى التى تشكل صلب العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية الأمريكية والأوروبية الأكثر رواجا. مسلسل فريندز Friends مثلا. يقول محمد إن هذه الدراما ليست بلا تأثير ولكنه يعتقد أن هناك مشكلة كبيرة فى مجتمعنا تجعل فى مواجهة هذا التأثير تعنتا كبيرا فى القبول العلنى بعلاقات عادية بين الشباب والفتيات، حتى الخطوبة التى يفترض أنها مرحلة تعارف قبل الزواج تم الاتفاق على أنها مرحلة التزام وتتضمن عادة «شبكة» لضمان هذا الالتزام. ويضيف مستنكرا: «هل من المفترض أن تكون أول فتاة أعرفها بشكل وثيق هى الفتاة التى أصبحت زوجتى فعلا؟ وقبل أن أعرفها جيدا يجب أن أحضر أهلى وأذهب لخطبتها؟». يستدرك أنه لا يوافق أبدا على كل التقليد الغربى وعلى وجود الجنس قبل الزواج ولكنه لا يرى المشكلة فى أن يدع المجتمع شابا وفتاة يقيمان علاقة وثيقة يتعرفان فيها على بعضهما والأهم «يجربان بعضهما فيها»، على حد تعبيره. «التجربة» بمعناها العميق والتى تتضمن معايشة هى ما يقصده محمد، فهو على كل حال يبرر عدم وجود مستقبل لعلاقته بصاحبته باختلافات جذرية بين طموحاتهما، وبين كيفية الحياة التى يتمناها كل منهما واختلافات تخص أسرتيهما، لكنه يعتقد أن علاقته بصاحبته على قدر كبير من العمق والتفهم. ولكن بعض تجارب هذه العلاقات تتفاوت فى ذلك وقد تصل فى بساطتها فى رأى البعض أو سطحيتها فى رأى آخرين إلى كونها مجرد ارتباط شبه عشوائى بأى فرد من الجنس الآخر. لحظة «الانفصال» أحيانا هى التى تشى بذلك. «إيه يعنى لما سبتينى بشكل مش معقول أنا عايز أسيبك م الأول لكن مكسوف أقول» هو مطلع أغنية لفرقة «بلاك تيما»، يراها محمد الجوهرى تنطبق بشكل كبير على الكثير من العلاقات العابرة التى يراها حوله تبدأ وتنتهى. إيقاع الأغنية الراقص يزيد حماسة جمهور حفلات الفرقة فى ساقية الصاوى وهو الجمهور الذى لن تحتاج لملاحظة لتدرك أن متوسط الأعمار فيه يدور حول العشرين أو ربما أقل. يزداد صخب الشباب ويضحكون فى مرح كلما عبر الشاب المفترض فى الأغنية عن حنقه وغضبه منتقما من الفتاة: «مسكنتك خلت قلبى يدق، وقعت فى حبك ليه؟ أنا حاسس إنى كنت بألُق فى جزمة حبك دى!». وترتفع صيحات الذكور تحديدا عند مقطع: «ماضيكى مش لطيف، ودمك مش خفيف، وشيطانك اللى جوه حيوانك الأليف.. أمّال لو كنتى حلوة كنتى عملتى إيه؟!». ماضيها هنا ربما لم يكن إلا نفس صورة علاقتهما، ولكن صرخة الشاب الجريح تنادى على «أذن المجتمع» ليحرج فتاته وينتقم منها بسلاح «الوضوح» الذى لن يؤذيه.