- مروان قدم وثائق ممتازة أشعرت الإسرائيليين بأنهم يجلسون داخل عقل السادات.. لكنه كان الطعم. - 5 شخصيات فقط كانت على علم بحقيقة مروان.. ومهمته كانت تخدير الإسرائيليين وإخفاء الاستعداد للحرب. - السادات أمر مروان بإبلاغ الإسرائيليين بموعد حرب أكتوبر لتحقيق حزمة من الأهداف الماكرة. - مروان حصل على 100 ألف دولار مكافأة عن موعد الحرب.. وأخفى الكثير من أسرار الاستعداد للحرب. ضمن الاهتمام البالغ فى إسرائيل هذا العام بالذكرى الأربعين لحرب أكتوبر، وما يصاحبه من سيل من المقالات والتحليلات والوثائق التى تكشف عن أسباب الهزيمة، نشرت مجموعة من المؤرخين والمحللين العسكريين الإسرائيليين، والمعروفة باسم «منتدى ألفريدو» الفصل الثانى من «كتاب انتصار منخفض التكاليف»، الذى حرره المقدم احتياط فى المخابرات العسكرية، شمعون مينديز، وخصصه بالكامل للحديث عن عملية الخداع التى خطط لها وأشرف عليها الرئيس الراحل أنور السادات فى زرع أشرف مروان داخل جهاز المخابرات الإسرئيلية (الموساد) الإسرائيلى. بدأت عملية الخداع، كما يقول منديز عام 1969، عندما بدا أن حرب الاستنزاف تراوح مكانها ولا يوجد حل فى الأفق على المدى القصير، فعندئذ بدأ الرئيس جمال عبدالناصر فى اللعبة على المدى البعيد. ويرجع المؤرخ الإسرائيلى الفضل فى عملية زرع مروان إلى الرئيس السادات، ولكنه يؤكد أنه لولا موافقة عبدالناصر لما كان من الممكن توريط صهره فى عملية التجسس، وإذا كان معظم المؤرخين ينسبون الفكرة لعبدالناصر، فإن منديز يرى أن الأمر يمكن تفسيره على أن السادات هو صاحب الفكرة ومنفذها بينما كان عبدالناصر هو من منح التصريح الرسمى بتنفيذها. ويستدل المؤلف على ذلك بما ذكره السادات فى مذكراته من أن عبدالناصر بعد هزيمة 1967 كان يقول له عندما يدرسان بعض الأمور: افعل ما تراه؛ لأننى أعتمد عليك. ويخلص منديز إلى أنه من الصعب أن يكون عبدالناصر فى ظل حالته الصحية وإصابته بمرض السكر قادر على وضع خطة بعيدة المدى، إذ إن زرع جاسوس مثل اشرف مروان يحتاج إلى كثير من الصبر والتفكير العميق والخداع وبراعة التفكير. وأضاف أن السادات قرأ الكثير من الكتب العسكرية، ولكنه لم يقرأها لمجرد المتعة، بل للاستفادة منها، واعتاد أن يشاهد أفلاما حربية وقارن هذه الافلام بالواقع، وهو ما يعتبر مستوى مرتفعا من الفهم، كما درس جيدا الحرب العالمية الأولى، التى كانت تعتمد على القتال البرى، ولم تكن شجاعة القوات البرية البريطانية تجدى نفعا لولا الدعم اللوجيستى الذى كان معتمدا على النقل البحرى. ومضى قائلا إن أهم ما استفاد منه السادات هو الخداع الذى مارسه البريطانيون خلال الحرب العالمية الثانية، وكان لديه حاجة قوية واستعداد لممارسة هذا الخداع. ويقول المؤلف إن السادات نشأ فى بيئة ترى أنه على المرء أن «يتغدى بعدوه قبل أن يتعشى بيه»، ولذلك لا ترى عيبا فى الكذب من أجل دحر العدو، وقد أفاد ذلك السادات فى التخطيط لعملية الخداع الكبرى فى حرب أكتوبر، وفقا للمؤلف. ويضيف مينديز أن «هناك العديد من أوجه الشبه بين قضية أشرف مروان وكثير من قصص الخداع المخابراتى فى الماضى، لكنها لم تكن تقليدا لها وإنما كانت ابتكارا مستقلا. لم يكن مروان أول من عرض على الإسرائيليين التجسس مقابل اموال، فقد عرض البعض على السفارة الإسرائيلية فى لندن عروضا مماثلة ورفضوا جميعا». ويتابع: «كان ذلك جزءا من خطة السادات. كانت الوثائق التى عرضها أشرف مروان ممتازة، ولم تكن ثمة مشكلة فى معرفة كيف حصل عليها، كانت القصة مثيرة للشكوك لكنها كانت تنطوى فى داخلها على الطعم، فقد شعر الإسرائيليون أنهم يجلسون بالفعل داخل عقل السادات ويعرفون كل أفكاره، لكن هذا الإحساس اللطيف، كما يقول المؤلف، كان إحساسا كاذبا». ويقول إن السادات السادات «استعان فى عملية أشرف مروان بتجربة رئيس الوزراء البريطانى ونستون تشرشل الذى كان يقدره وتعلم منه الكثير. كان تشرشل يرى فى الخداع لعبة عقلية وتعامل معه بجدية. ولذلك أنشأ وحدة خاصة بالخداع تابعة له أطلق عليه مكتب المهام الخاصة (LCS)، وكان العاملون فيها من الشخصيات الأكاديمية البارزة من الطبقة الأرستقراطية فى بريطانيا». ويضيف: «كانت جميع وحدات الاستخبارات البريطانية تابعة لهذا المكتب، ومنح قائدها الشاب صلاحيات واسعة وصلت إلى حد أنه كان يعطى تعليمات فى بعض الأحيان لتشرشل ورزفلت (الرئيس الأمريكى الأسبق فرانكلين روزفلت) بالتوجه إلى أماكن معينة أو قول عبارات محددة فى خطاباتهم. وقد استطاع هذا المكتب تجنيد قائد المخابرات العسكرية فى ألمانيا النازية الأدميرال فيلهام كناريس. ويقول المؤلف الإسرائيلى إن «الصلاحيات التى منحها الرئيس السادات لأشرف مروان بوصفه سكرتيرا للرئيس للمعلومات فى المجال العسكرى، والتى كشف عنها النقاب فى عام 2009 تتفق تماما مع برنامج عمل مكتب العمليات الخاصة البريطانية والصلاحيات التى منحها له تشرشل». ويمضى قائلا «كان على السادات أن يحافظ على سرية عملية مروان فلم تكن أية جهة استخبارية على معرفة بمهمته، ولم يعلم بها سوى خمسة أشخاص: الرئيس عبدالناصر ونائبه السادات ووزير الحربية الفريق فوزى، ومدير المخابرات العامة أمين هويدى وأشرف مروان نفسه». ويتابع أن «قضية زرع مروان كما يقول المؤلف، قضايا التجسس المعروفة لكن التقنية كانت متطورة جدا، ففى عمليات الخداع عموما ينقل العملاء للعدو قليل من المعلومات،فى حين أن فى حالة أشرف مروان فتحت المخابرات المصرية أمام المخابرات الإسرائيلية جميع أسرار مصر. وهو ما قال عنه تسفى زامير رئيس الموساد فى كتابه إن أشرف مروان أتاح لنا النظرة الأولى إلى أدق أسرار الإدارة المصرية. نقل إلينا مروان فى اللقاءات الأولى معلومات بالغة الأهمية تتعلق كلها بالمجال العسكرى، ويبدو أنه أدرك أن هذه المواد هى تذكرة دخول إيجابية من وجهة نظرنا، وكأنه كان يتفاخر أمامنا انظروا ماذا أستطيع أن أفعل». ويرى المؤلف أنه «من الصعب تحديد مهمة أشرف مروان الرئيسية، فبعيدا عن المقولة العامة بأن مهمته كانت تخدير الإسرائيلية والسماح بشن الحرب بشكل مفاجئ، فإن الوضع كان أكثر تعقيدا. فقد أنتجت عقلية السادات الخصبة والماكرة مفهوما جديدا ومخالفا لما كان يؤمن به الإسرائيليون. انقسمت مهمة أشرف مروان إلى قسمين : تقوية التصور الإسرائيلى التقليدى بأن مصر لن تشن الحرب طالما لم تحصل على سلاح متكافئ لما تملكه إسرائيل، والقسم الثانى أن يخفى عن الإسرائيليين النقاط الرئيسة التى قد تلقى الضوء على الاستعداد للحرب». ثم ينتقل المؤلف المؤزلف الإسرائيلى إلى الحديث عما يصفه بالمعضلة الكبرى فى قضية أشرف مروان والتى تتعلق بتحذير مروان للإسرائيليين من شن الحرب عشية يوم السادس من اكتوبر، وهو ما حاول البعض تقديم تفسيرات نفسية له من قبيل أن مروان نشأ لديه إحساس بالتعاطف مع مشغليه. لكن المؤرخ الإسرائيلى يرى أنه لا يوجد تفسير واحد لذلك، بل عدة تفسيرات واعتبارات قد يتناقض بعضها مع بعض. فمن وجهة نظر السادات لم يكن الضرر الحادث من تحذير الإسرائيليين من نشوب الحرب كبيرا، لأن الزمن المتبقى حتى بداية الحرب لم يكن ليمكن الإسرائيليين من عمل الشىء الكثير. وفى مقابل هذا الضرر إن حدث كانت هناك مجموعة من الاحتمالات التى وضعها السادات فى الحسبان: أولا: أن الحرب ستعقبها بالضرورة مفاوضات سياسية مهمة، ولم يرغب السادات فى أن يفقد مروان مصداقيته لدى الإسرائيليين، وأراد أن يكون أنبوب التاثير السياسى على صانعى القرار فى إسرائيل. وقد حصل مروان على مكافأة خاصة من رئيس الموساد تسفى زامير عن التحذير بالحرب بلغت مائة ألف دولار. ثانيا: أن تحذير مروان كان من شأنه أن يضع القيادة الإسرائيلية تحت الضغط، ويجعلها تتخذ قرارات خاظئة كأن تهاجم الطائرات الإسرائيلية هجمات خاطفة على حائط الصواريخ المصرى، وقد كان المصريون مستعدين لمثل هذا السيناريو. وفى جميع الأحوال سينظر إلى إسرائيل على أنها دولة عدوانية. ثالثا: «إن إسرائيل لو شنت هجمات جوية أو استدعت قوات الاحتياط دون أن يقدم أعداؤها سببا وجيها لذلك، لكانت قد كشفت نفسها أمام (وزير الخارجية الأمريكى آنذاك هنرى) كيسينجر الذى حذرها مرارا من شن هجوم على مصر. لكن إسرائيل كما لم تقع فى الفخ الذى نصبه لها السادات»، على حد قول. وفى نهاية هذا الفصل من كتاب «حرب منخفضة التكاليف»، يقر المؤلف الإسرائيلى عشية حرب أكتوبر قد يخلق انطباعا بأن عملية زرعه قد فشلت، لكن الأمر لم يكن كذلك، فقد أدى مروان مروان مهمته بنجاح، وزرع المفهوم المصرى عن الحرب فى العقل الإسرئيلى. وكانت قمة نجاحه فى صيف عام 1973، عندما لم يخبر الموساد الإسرائيلى بوصول طائرات الميراج من ليبيا، وصواريخ سكود من الاتحاد السوفيتى، أو الاتفاق بين السادات والملك فيصل عن تفعيل سلاح البترول، أو تعهد السوفييت بدعم مصر أثناء الحرب وغير ذلك من الأمور الحاسمة التى أخفاها عن الموساد. وفى المقابل أبلغ مروان الموساد عن خطر الحرب فى شهرى أبريل ومايو عندما لم يكن السادات مستعدا بعد لشن الحرب لأسباب عملياتية».