دخل الرئيس الأسبق حسنى مبارك الإقامة الجبرية بمستشفى المعادى العسكرى كثانى حالة تعرفها مصر بشكل رسمى مُعلن وواضح، بعد الرئيس محمد نجيب، أول رئيس لمصر بعد سقوط الملكية، والذى تم عزله من قبل مجلس قيادة الثورة ووضعه تحت الإقامة الجبرية بعيدا عن الحياة السياسية لمدة 30 سنة، مع منعه تماما من الخروج أو مقابلة أى شخص من خارج أسرته. ويعيش مبارك الآن كما تريد السلطات له العيش، يقابل من توافق السلطات له على مقابلته ويمنع من مقابلة من ترفضه السلطات، وهكذا يكون المعنى المجرد والصريح للإقامة الجبرية، والتى تصنف ضمن أبرز العقوبات السالبة للحريات رغم أنها غير منصوص عليها فى قانون العقوبات، كما يخلو منها قانون الإجراءات الجنائية، وتفتقد للتشريع الذى يحدد آلية تنفيذها والشروط الخاصة بها، الأمر الذى يجعل الباب مفتوحا أمام السلطات فى التحكم بشكل مطلق فى حياة الشخص المحددة إقامته. وفى هذا السياق يقول الدكتور حسنين عبيد، أستاذ القانون الجنائى بجامعة القاهرة، إن الإقامة الجبرية تعرف على أنها صورة من التدابير الاحترازية الأمنية التى تتخذها السلطات مع من ترى من أشخاص تنتفى عنهم مبررات الحبس الاحتياطى، علما بأنها لا تمثل امتدادا للحبس الاحتياطى، كما أنها أقرب للاعتقال الإدارى ولا تمثله أيضا على اعتبار أن الحبس الاحتياطى يفترض وجود جريمة يعاقب عليها القانون، ويتم التحقيق فيها، كما أن الاعتقال الإدارى يفترض وجود شبهة جريمة. وأضاف عبيد أن الإقامة الجبرية كقرار يتم اتخاذها لاعتبارات معينة ترجع فى الغالب إلى طبيعة الشخصية المحددة إقامتها، والظروف العامة للدولة، كما أنها تعد صورة من صور تقييد الحرية التى يتم وضع الشخص بموجبها فى مكان معين لفترة زمنية لم يحددها المشرع، وترتبط فى حالة الرئيس الأسبق حسنى مبارك بالفترة المفروضة فيها حالة الطوارئ بحيث تنتهى مع انتهاء الإجراءات الاستثنائية التى تتخذها السلطات أثناء فترة الطوارئ المحددة بشهر. وينبه عبيد على أن الإقامة الجبرية تدخل فى إطار القرارات الاستثنائية المستندة إلى فرض حالة الطوارئ، ويتولى إقرارها الحاكم العسكرى بصفته رئيس الجمهورية أو من ينوب عنه. ويشير عبيد إلى أن ندرة إقرار الإقامة الجبرية على مدى أعوام طويلة داخل مصر، أسهم فى عدم وجود تشريع ينظمها، مشيرا فى الوقت نفسه إلى أنه يمكن إدراجها ضمن «بدائل الحبس الاحتياطى» المنصوص عليها بقانون الإجراءات الجنائية، علما بأن القانون لم يدرجها ضمن تلك البدائل صراحة بمسماها، ولكن تضمن إجراءات شبيهة بها. ويرى عبيد أن جميع ما يتعلق بالإقامة الجبرية من شروط وأوضاع وتعاملات تكون متروكة للسلطة التنفيذى وحدها هى التى تقرها وترفعها عمن ترى من أشخاص، إلا أنها تضمن قدرا من المرونة مقارنة بالحبس الاحتياطى والاعتقال حيث لا يرتدى الشخص خلالها الزى الأبيض الخاص بالحبس الاحتياطى، بحيث يكون له حق اختيار ما يراه من ملابس، كما أن العادة جرت على أنه يحق للشخص المحدد إقامته اختيار مكان إقامته خلال تلك الفترة فيما يعد صورة أخرى من صور المرونة. أما طبيعة الزيارات المقررة للشخص المحدد إقامته ودوريتها وإمكانية إجرائه لاتصالات هاتفية فهى مضمنة فى القرارات المتروكة للسلطة التنفيذية تنظمها كيفما تشاء، ويمكن لها منعها بشكل نهائى إذا ما ارتأت ضرورة ذلك فى ضوء الظروف العامة للدولة والظروف الخاصة بالشخصية المحددة إقامتها. كما يترتب على قرار الإقامة الجبرية منع هذا الشخص من السفر أو الانتقال خارج هذا المكان أو مغادرته ولكن يستطيع أن يتواصل مع أهله وذويه ويستقبل بعض الزائرين بعلم السلطات، كذلك تقطع الاتصالات ولكنها تكون متوافرة فى هذا المكان لحين اتخاذ إجراء قضائى معه. وأشار إلى أن هذه النوعية من القرارات يمكن أن تتخذ ضد أى شخص وليس ضد الشخصيات السياسية فقط. أما الدكتور عبدالله خليل، المحامى بالنقض والخبير فى القانون الدولى لحقوق الإنسان، فيؤكد على أن القانون الدولى يرفض الحد من حرية التنقل بدون أمر قضائى صادر بناء على اتهام سابق، لافتا إلى أن القانون الدولى يوجب أيضا أن تكون الإقامة الجبرية مؤقتة مثل كل القرارات الاستثنائية التى يصدرها الحاكم العسكرى، مثل تحديد مواعيد فتح وإغلاق المحال أو حظر التجول والإقامة الجبرية جميعها تعتبر ملغية عند إعلان انتهاء حالة الطوارئ دون الحاجة الى صدور حكم. وحول مدى التظلم من قرار تحديد الإقامة أمام المحاكم المصرية، ومحكمة القضاء الإدارى على وجه التحديد باعتبارها قرارا إداريا، قال خليل: إنه طبقا للقانون المصرى فإن أوامر الحاكم العسكرى استثناء، ووفقا لقضاء مجلس الدولة فإن هذه القرارات من أعمال السيادة ولا يجوز المطالبة بتعويضات عنها.