لم أضبط نفسى متلبسا فى أى وقت بالتعاطف مع طريقة الشيخ محمود شعبان فى طرح الأفكار والنقاشات والمجادلات السياسية والدينية. لكن مساء الأحد الماضى وجدت نفسى متعاطفا كليا مع محمود شعبان الإنسان وهو محتجز فى خيمة يقال إنها فى ميدان التحرير ويتعرض لأبشع أنواع الانتهاكات اللفظية. إذا صح أن الفيديو المتداول للواقعة صحيح فمعنى ذلك أن بعضنا وصل إلى أحقر درجات الانحطاط الإنسانى، وأن استمرار الأزمة الراهنة كفيل بوصولنا إلى هاوية سحيقة بلا قاع. محمود شعبان كان نجما طوال العام الذى حكم فيه مرسى ودغدغ مشاعر المتطرفين فى المعسكر الإسلامى باعتباره الفارس الذى يتصدى للعلمانيين والشيوعيين والليبراليين. فجأة وجدنا الرجل داخل خيمة يقال بالتحرير وكأنه رهينة مختطف، ويتعرض لأبشع أنواع الانتهاك. الذين كانوا يسخرون منه فى الخيمة، ليسوا ثوارا، وليسوا آدميين، ولو كانت تلك هى الثورة، فلتذهب إلى الجحيم. الثائر الحقيقى لا يهين إنسانا حتى لو كان عدوه الذى يقاتله، ثم سقط فى أسره. الثورة يفترض أنها تنقلنا إلى مساحة أعلى وأرحب من الرقى والنبل والاحترام وكل ما هو سامى. لا يدرك الذين سخروا من محمود شعبان أنهم أكثر من أساءوا للثورة والثوار، والطبيعى أن المعسكر الإسلامى سوف يقتنص هذه الفرصة التى جاءته على طبق من فضة لكى يقولوا: «انظروا.. هؤلاء الليبراليون وتلك هى أخلاقهم». ما حدث ضد محمود شعبان لا يمكن تبريره تحت أى ظرف، لكن نلفت النظر إلى أنه يأتى فى سياق الشيطنة المتبادلة بين طرفى الأزمة فى مصر الآن. وصلنا إلى مرحلة يتم قطع أصابع وقتل المختلفين معنا فى رابعة العدوية، بعد ان قطعنا شوطا كبيرا فى عملية الشيطنة، وبالتالى فإن ما فعله هؤلاء الشباب مع محمود شعبان يبدو متسقا مع المزاج العام السائد فى الشارع. عندما يعتقد بعض المتطرفين فى التيار الإسلامى أنه لا حل إلا بالتخلص من «الكافرين» وأن «قتلاهم فى الجنة وقتلى الآخرين فى النار»، وعندما يعتقد بعض المتطرفين فى التيار الليبرالى أنه لا حل للمشكلة الراهنة إلا بإبادة الإخوان وكل من والاهم، فالمنطقى أن يحدث ما حدث لمحمود شعبان. الخطوة التى لا يريد معظمنا الالتفات إليها هى أن هذه الروح تتلبس كثيرا من الناس، صار نفى الآخر وإنكار وجوده أمرا طبيعيا. عندما تناقش مثقفا ويقول لك إن التخلص من الإخوان هو أفضل حل للمشكلة الراهنة، وعندما تناقش معارضا ويقول لك إن كل الليبراليين عملاء للصهيونية والماسونية ويحل قتلهم، فلا تندهش عندما تشاهد ما حدث للشيخ محمود شعبان. والأخطر عليك ألا تندهش إذا وجدت ما هو أخطر من استجواب شعبان وتعذيبه نفسيا. عدم إيجاد حل مشرف للمشكلة الراهنة سيقود إلى ما هو أخطر من الشيطنة والخطف والتريقة، سنتفاجأ قريبا لا قدر الله بعمليات عنف من منفلتين فى الجانبين تقود إلى أن أسوأ الكوابيس يمكن أن تتحقق. نريد حلا سياسيا توافقيا، ودولة قوية قادرة ومدنية تحترم كل مواطنيها ولا تفرق بينهم على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو المعتقد أو المذهب، وللأسف يبدو هذا التمنى بعيدا فى هذه اللحظات.