«شىء لله يا أم هاشم»، بصوتها الضعيف تنادى على ساكنة الضريح الذى تجلس بجواره، تسأل ربها من مقامها الرفيع أن يشفى ابنتها المريضة، وكلما أكدت لله أنها طرقت كل الابواب قبل أن تلجأ لبيت من بيوت أحبابه، زاد ايمانها وأملها فى أن ذلك المنبر سيكون بابا للخير والسعد. السيدة هالة أم لطفلة تبلغ من العمر تسع سنوات، هى ابنتها الوحيدة، أنجبتها بعد طول انتظار، لكنها بعد أن أتمت سنواتها الخمس أصابها مرض السكرى. «كل الناس بتقوللى ان المرض ده لما ييجى للصغيرين يبقى مالهوش علاج، لكن أنا عشمى كبير فيك يا رب، تشفيهالى، وتعافيها من كل داء»، لم تفلح كلمات الاقارب والأهل فى اقناع الأم بأن مرض السكر أصبح واحدا من أكثر الامراض انتشارا فى مصر، كما أن المصريين يتعايشون معه كمرض الضغط. أم هاشم هو اللقب الذى يطلق على مشهد السيدة زينب بنت على بن بى طالب، الموجود بأحد أقدم أحياء القاهرة، والذى يكون الاقبال على زيارته كبيرا خاصة فى الشهر الكريم. المشهور أن المشهد مبنى فوق القبر الذى يروى بعض المؤرخين أن صاحبته السيدة زينب أخت الحسن والحسين رحلت إلى مصر بعد معركة كربلاء ببضعة أشهر، واستقرت بها 9 أشهر، ثم ماتت، ودفنت حيث المشهد الآن. يأتى إليه الوافدون من كل أنحاء مصر، ويقيمون أياما وليالى بالقرب من المسجد فى ذكرى مولدها، ثم تقام الاحتفالات الكبرى ليلة المولد التى تعد أحد أهم وأكبر الاحتفالات الشعبية الدينية فى مصر، بعد الاحتفال بذكرى مولد الحسين، الذى يقع مشهده بالقرب منها. يقال ان المشهد بنى على قبر السيدة زينب من عام 85 هجريا، وورد ذكر المشهد ووصفه عند الرحالة الكوهينى الأندلسى الذى دخل مصر فى عصر المعز لدين الله الفاطمى، ووصف أن الخليفة المعز هو من أمر بإعمار المسجد، وبناه ونقش على قبته ومدخله. وفى القرن العاشر الهجرى أعاد الأمير عبدالرحمن كتخدا القازوغلى تعميره وتشييده، وبنى مقام الشيخ العتريس الموجود الآن خارج المسجد ونقش على المقصورة «يا سيدة زينب يا بنت فاطمة الزهراء مددك». ثم اهتمت أسرة محمد على بعد ذلك بالمسجد اهتماما بالغا، وتم تجديده عدة مرات. وفى العصر الحالى تمت توسعة المسجد لتتضاعف مساحته تقريبا. الا أن عددا من المؤرخين أنكر وجود السيدة زينب بنت على فى هذا المكان، بل وأنكر بعضهم دخولها مصر من الاساس، ومنهم عبدالرحمن بن الحكم، الذى ألف عدة كتب فى أخبار مصر وجملة الصحابة الذين دخلوها، وليس فيهم ذكر زينب الكبرى، ورحلتها إلى مصر، ومعاصره محمد ابن الربيع الجيزى الذى ترجم للصحابة والصحابيات الذين دخلوا مصر. كل الأقاويل عن وجود السيدة الكريمة فى المسجد أو عدم وجودها، أو حتى عدم دخولها مصر من الاساس، لا تعنى شيئا بالنسبة لمن تعودوا اللجوء إلى بيت الله، كذلك اللاجئون للدعاء عند مشهدها، والمتبركون بالافطار فى رحابها، ترتفع أصواتهم رغم كل الانكارات قائلين «شىء لله يا أم هاشم».