فى بعض الأحيان من الضرورى إجراء مقارنات تاريخية. ففى مايو 1974، أنهى هنرى كيسنجر جولاته المكوكية التفاوضية بين موشيه دايان وحافظ الأسد بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى هضبة الجولان، وهو ما زال ساريا حتى اليوم. بعد مرور عامين على ذلك، أطلعنى موظف كبير فى واشنطن على صورة وثيقة من السفارة الأمريكية فى سوريا تُظهر مشاركة كتائب من الجيش السورى فى الحرب الأهلية فى لبنان. وفى اليوم التالى نشرت صحيفة «هاآرتس» الخبر فى مكان متواضع، خشية أن يكون المقصود هو بالون اختبار أمريكى للحكومة والرأى العام فى إسرائيل.
وفى الواقع، دخل الجيش السورى ببطء إلى لبنان، فى الوقت الذى كان رئيس الحكومة يتسحاق رابين مترددا فى اتخاذ موقف منه: هل عليه إدانة خرق السيادة اللبنانية من جانب جيش معاد؟ أم يأمل فى أن يؤدى الوجود العسكرى للجيش السورى فى لبنان إلى كبح العناصر الإرهابية.
وقد قبلت إسرائيل يومها، سواء طوعا أم غصبا عن إرادتها، بالوجود العسكرى السورى فى لبنان، وطلبت من دمشق التوقف عند خط معين وهمى على بعد واضح من خط الحدود معها. فهل نحن اليوم أمام المعضلة نفسها، لكن بصورة معاكسة؟ لقد دخل حزب الله إلى سوريا، وهو يستعد لقتال الثوار.
ومن الواضح أنه كلما اعترف الغرب بحقيقة أن بشار الأسد استخدم السلاح الكيميائى، وكانت إسرائيل أول مَن أشار إلى ذلك، برز تراخى هذا الغرب إزاءه. ويبدو أن التوقعات باقتراب نهاية الأسد سيحل محلها التقدير القائل إن التعادل، مع تفوّق الجيش والحكومة، هو الذى سيطبع الحرب الأهلية الدائرة لدى جارتنا الشمالية الشرقية لفترة طويلة.
إذا كان صحيحًا أن الأسد بات قريبا من أن يخلق تواصلًا جغرافيًا من الجنوب حتى شاطئ البحر فى الشمال ومن إعادة إحتلال مدينة حمص فإن معنى ذلك أن محور الشر المؤلف من إيران وسوريا وحزب الله سيكون هو المنتصر، وسيُنظر إلى باراك أوباما وكأنه شخص لا يعوّل عليه، ولا سيما فى الوقت الذى تغرق تركيا فى أزمة داخلية. تنظر إسرائيل إلى المشهد من حولها، وتشعر بأنه ليس عليها أن تفعل شيئا، لأنها غير قادرة على معرفة أى من الاحتمالين السيئين هو الأفضل بالنسبة إليها.