سادت حالة من القلق الشديد في وزارة الري وقطاع مياه النيل، على مدار اليومين الماضيين، في أعقاب اتخاذ السودان إجراءات غير معلنة، بإعادة جميع أنشطتها في مبادرة حوض النيل، دون التشاور مع مصر؛ في الوقت الذي انشغلت فيه القاهرة بمعالجة الموقف بعد تحويل مجرى النيل الأزرق في إثيوبيا. كانت السودان أعلنت تجميد أنشطتها في مبادرة حوض النيل، يونيو 2010، عقب توقيع دول منابع النيل على اتفاقية "عنتيبى" بالتنسيق مع مصر، والتي جمدت عضويتها أيضًا، ولكن بشكل غير معلن، حيث التزمت الدولتان بقرار مشترك بوقف أي نشاط أو المشاركة في تمويل ميزانية المبادرة، لحين الوصول إلى آلية قانونية جديدة للتعامل في ظل التوقيع المنفرد على اتفاقية "عنتيبي".
وحذرت مصادر حكومية تتعامل مع ملف حوض النيل من خطورة الموقف بسبب اعتماد مصر بشكل أساسي في صياغة موقفها مع دول منابع النيل والمجتمع الدولي على التنسيق مع السودان، مؤكدًا أنه إذا كان هناك خلاف في الغرف المغلقة، فإن الدولتين كانت تتبعان موقف مشترك في النهاية.
وأوضحت المصادر، أن خطورة تراجع السودان في موقفها نحو فك تجميد النشاط، يكمن في إمكانية اقتناعها بالتوقيع على اتفاقية "عنتيبى"، التي ترفضها مصر ولا تعترف بحقها في مياه النيل، لافتًا إلى أن السودان بدأت تتخذ هذه الإجراءات دون التنسيق مع مصر وأقدمت على حسمها بشكل نهائي، في ظل انشغال مصر بالتعامل مع تحويل إثيوبيا لمجرى النيل الأزرق.
وأكد المصدر، أن موقف مصر أصبح صعبًا، لافتًا إلى أن التنسيق مع السودان كان يضيف للموقف المصري شرعية دولية.
وأضافت المصادر، أن هناك تخوفات حكومة من مفاجأة قد تفجرها السودان في الاجتماع القادم لوزراء مياه حوض النيل في المبادرة المقرر عقدها في 21 من يونيو الجاري، في جوبا، مشيرًا إلى أن أغلب الآراء السودانية التي ترد إلى مصر الآن تتمحور حول قبولها التوقيع على الاتفاقية الإطارية "عنتيبى"، ولكن مع إضافة ملاحق في الاتفاقية تثبت بها الحقوق السودانية التاريخية في مياه النيل.
ومن جانبه، أعلن مسؤول حكومي بملف المياه في السودان، أن الموقف السودان غالبًا ما يتم بالتنسيق مع الجانب المصري، وهو ما يبدو واضحًا في الاجتماعات المشتركة التي كانت تعقد بين مسئولي ملف المياه في السودان ومصر قبل أي اجتماع عام لحوض النيل، إلا أنه قال «القاهرة تظل تعاملنا معاملة الأخ الأصغر .. رغم وجود خلافات فنية وسياسية في رؤية البلدين، إلا أننا كنا نخرج من الغرف المغلقة متفقين على أولوية مشتركة».
وقلل المسئول السوداني، الذي تحدث ل«الشروق» باقتضاب، رافضًا ذكر اسمه، من مخاوف مصر من تغير في الموقف السوداني، خاصة بعد قرار إثيوبيا ببناء سد النهضة قائلا: «نحن على قناعة بأن هناك منافع من السد على السودان ويجب أن تنظر القاهرة إلى هذه المنافع قبل التخوف من افتراضات قلة حصتها من المياه».
وأكد أن السودان ليس لديه مشكلة في المياه، في الوقت الذى لم يستغل فيه السودان حتى الآن كامل حصته السنوية من مياه النيل والمقدرة ب18.5 مليار متر مكعب من المياه، معددًا الفوائد التي سيجنيها السودان من السد، في مقدمتها حماية السدود السودانية، وتنظيم المياه التي تغرق الخرطوم وعدد من الولايات السودانية مع فيضان كل عام.
وأضاف المصدر، أن التنسيق والاتصالات بين مصر والسودان لا تزال قائمة ويحاول المسئولين من الطرفين تقريب وجهات النظر، رافضًا التعليق على إمكانية توقيع السودان على اتفاقية "عنتيبى"، قائلا: «الأمر متروك للقيادة السياسية .. وأن الفنيين يرون إمكانية إلحاق البنود الخلافية في ملحق منفصل بالاتفاقية».
يُذكر أن الاتفاقية الإطارية لمياه النيل قد تم التوقيع عليها من 6 من دول منابع النيل، ويوجد بها خلاف على 3 بنود تقضي بإلغاء الحصص التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل وتعطي لكل من الدول المطلة على النهر الحق في الاستخدام العادل والمنصف للمياه، بما يحقق الأمن المائي، فضلا عن عدم الاعتراف بالإخطار المسبق، وتكريس مبدأ تفعيل القرارات بالأغلبية، وليس بالإجماع كما تشترط مصر.
ورد وزير الموارد المائية والري، محمد بهاء الدين، على هذه التخوفات في تصريحات ل«الشروق»، قائلا، إن هناك نوعًا من الاختلاف في الأولويات في الرأي المصري والسوداني، ولكن في النهاية هناك تنسيق مشترك ودائم بين الدولتين، وهناك موقف ثنائي وتحرك مشترك بين الدولتين تجاه كل الجوانب الخاصة بملف مياه النيل.
وأضاف "بهاء الدين"، أنه في الزيارة الأخيرة للرئيس محمد مرسي إلى السودان، أكد خلالها الرئيس عمر البشير، أنه لا تراجع ولا تغير في موقف السودان تجاه اتفاقية "عنتيبي"، ولا يمكن التوقيع عليها بشكلها الحالي.