«من أكبر الخطايا التي يمكن أن يرتكبها النظام الحاكم والأحزاب المؤيدة له، في حق الثورة الديمقراطية التي أراد الشعب إرساءها في 25 يناير».. بهذه الكلمات استهل الفقيه القانوني المستشار طارق البشري، تصريحاته ل"الشروق"، أمس الخميس، تعليقاً على مشروع القانون الذي تقدمت به الهيئة البرلمانية لحزب الوسط، ومطالبات قيادات جماعة الإخوان، بخفض سن تقاعد القضاة من 70 إلى 65 أو 60 عاماً. ويرى البشري، أن المبادئ الديمقراطية للثورة تقوم في الأساس على أن الدولة لها سلطات ثلاث، مستقلة عن بعضها البعض، لا تتدخل إحداها في عمل الأخرى، هي التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأن الواقع الآن يؤكد وجود محاولات من السلطتين التنفيذية والتشريعية للتدخل في عمل السلطة القضائية، وفرض الوصاية عليها، ومحاولة النيل من استقلالها الذي اكتسبته على مدار عشرات السنوات. وأضاف البشري، أن الدولة المصرية الحديثة قامت منذ نحو 150 عاماً على عمادين أساسيين، هما القوات المسلحة والقضاء، ومثل استقرار هاتين المؤسستين وقدرتهما على الاستمرارية وتعبيرهما عن عموم المجتمع المصري أهم ضمانات تماسك جهاز الدولة المصرية، ويجب على النظام الحالي أن يعي هذه المسألة ولا يحاول الانتقاص من صلابة المؤسستين. وشدد البشري، على أن الإقدام على خفض سن تقاعد القضاة يعتبر في حد ذاته «جريمة ضد مبدأ استقلال القضاء؛ لأنه في حقيقته قرار بعزل آلاف القضاة من مناصبهم، تماماً مثل النص الذي وضع في الدستور لتحديد عدد أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وخفضهم إلى رئيس و10 أعضاء فقط، لإبعاد عدد من أعضائها».
وأكد البشري، أنه وكما وصف من قبل هذا النص الدستوري بأنه موصوم ب«الانحراف»؛ لأنه كان مقصود به أشخاص بعينهم، وافتقد قاعدة العمومية والتجريد، فإن مشروع قانون خفض سن التقاعد يكون أيضاً موصوماً بالانحراف التشريعي من قبل أن يصدر للأسباب ذاتها.
وحول ما يتردد من أن خفض سن تقاعد القضاة يهدف إلى تصحيح الإجراءات التي كان يتخذها الرئيس المخلوع حسني مبارك بمد سن تقاعد القضاة كنوع من المجاملة أوالمحاباة لبعض رؤساء الهيئات القضائية، أوضح البشري أنه لا يلمس في الوقائع الحالية أي رغبة صادقة نابعة من نوايا حسنة لتصحيح الأوضاع، بل يلمس «محاولة للسيطرة على القضاء ودفعه في الاتجاه الذي يسير فيه النظام فقط».
ورداً على الاتهامات التي توجه للقضاء والقضاة بالتبعية لنظام مبارك، وعدم الجدية في محاكمة رموز النظام السابق، شدد البشري على أن كل القوى التي أدارت البلاد بعد الثورة سقطت في خطأ جسيم، بأن عجزت عن إقامة محاكمات سياسية لرموز النظام السابق، تعاقبهم على الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب المصري، وحاولت القوى السياسية الآن التغطية على هذا الفشل بتحميل القضاء فوق طاقته، ومطالبته بأن يحكم سياسياً في قضايا جنائية.
واستطرد البشري: «ليس من سلطة ولا صلاحية القضاة أن يحكموا بالتوجهات السياسية أو في الجرائم السياسية، ولذلك فالقوى السياسية تحملهم أموراً خارجة عن قدراتهم وسلطاتهم القانونية، للتغطية على فشلهم في محاسبة رموز النظام السابق سياسياً»، مبدياً استنكاره الشديد للحملة الإعلامية والسياسية التي توجه للقضاء حالياً.