«أنا كنت مهتم بالموضوع لأن قضايا الشباب مش سياسية بس. فى قضايا اجتماعية الحزب محتاج يتعامل معها غير البطالة. طرحت الفكرة وكان فيه موافقة عليها». هذه هى أسباب اهتمام الحزب الوطنى اليوم بقضية إدمان المخدرات، كما يشرحها محمد كمال عضو أمانة السياسات. كمال يرأس لجنة الشباب وهى إحدى لجان السياسات المتخصصة، وقد عرض الفكرة فى ورقة الشباب التى تم تقديمها فى مؤتمر الحزب الوطنى السنة الماضية. الأسبوع الماضى، وقبل ثلاثة أيام من الاحتفال باليوم العالمى لمكافحة المخدرات اجتمعت لجنة الشباب بأمانة السياسات لمناقشة سياسات مكافحة الإدمان. لقاء حضره جمال مبارك، وبعيدا عن الشكل الإجرائى كون جمال مبارك أمين السياسات، يبدو أن الحزب الوطنى يريد أن يعطى ثقلا سياسيا لهذه «السياسة المتكاملة» وهكذا شاركت فى الاجتماع أيضا الوزيرة الجديدة مشيرة خطاب وزيرة الدولة للأسرة والسكان. يعتقد كمال الذى يدير أيضا مركز أبحاث الدول النامية بجامعة القاهرة «أن الحزب لديه إرادة لعمل شىء قابل للتنفيذ على أرض الواقع». والدليل؟ تم تشكيل مجموعات عمل. «مجموعة تعمل عل علاج الإدمان ومجموعة تعمل على جزء الوقاية والأخيرة تدرس الجزء التشريعى». كمال رفض الإفصاح عن أسماء الأشخاص أو أعدادهم واكتفى بالقول أن هناك مجموعة من الخبراء ومن الجهاز التنفيذى فى الدولة ومن الإعلاميين يدرسون المشروع الذى سيطرح على المؤتمر القادم للحزب الوطنى نهاية أكتوبر. وتتلخص الفكرة فى إنشاء مصحات لعلاج الإدمان فى المحافظات تكون تابعة للحكومة بمعنى أن يكون العلاج مجانيا أو برسوم قليلة، هذا الدور التأهيلى يريد الحزب الوطنى أن يصاحبه دور وقائى لتوعية المجتمع بالإدمان والإخطار المترتبة عليه، أو بمعنى آخر حملة إعلامية. والاثنان بحاجة إلى إعادة صياغة تشريعية لتشديد العقوبات أو سد الثغرات فى القانون. مجلس وصندوق ولجنة .. الرؤى قديمة لا تثير الكثير من الدهشة. منذ أكثر من 20 عاما صدر قرار جمهورى بتشكيل المجلس القومى لمكافحة وعلاج الإدمان، ويرأسه رئيس مجلس الوزراء وهو «يختص بالتنسيق بين الوزارات والهيئات والمؤسسات ووضع السياسات واقتراح التشريعات فى مجال مكافحة وعلاج الإدمان»، وكان المجلس تابعا لوزارة الشئون الاجتماعية. وقبل 4 سنوات خرجت الوزيرة أمينة الجندى بتصريحات تشبه كثيرا ما يتردد اليوم من «أن المجلس أطلق خطة المواجهة القومية للمخدرات خلال المرحلة المقبلة من خلال مناقشة عدد من الخطط والسياسات العامة التى سوف يقوم الصندوق بتحويلها إلى برامج». وتحدثت «عما قام به المجلس من عقد مؤتمرات وإصدار دورية علمية» وعن «آلياته المبتكرة». انتقل الملف بعدها إلى وزير التضامن الاجتماعى على المصيلحى، الذى قال وقتها كلاما مشابها مثل «أهمية رفع درجة الاستعداد لمواجهة ظاهرة المخدرات ورفع الوعى بأهمية الوقاية من الإدمان وخاصة للشباب وأهمية توفير المصحات ومراكز التأهيل المختلفة». ثم أصبح المجلس القومى مسئولية مشيرة خطاب فى وزارة السكان. ويعتقد محمد كمال أن لدى الوزيرة رؤية متطورة عن كيفية مكافحة الإدمان. الوزيرة صرحت منذ أيام قليلة «أن خطبة الجمعة ستكون للتوعية بمخاطر الإدمان والمخدرات فى جميع مساجد الجمهورية، حيث سيتناول خطباء المساجد مشكلة تعاطى وإدمان المخدرات وموقف الإسلام من التدخين والمخدرات وتأثيم تعاطيها». فهل من جديد؟ علاج 800 حالة سنويا بعد ولادة المجلس بثلاث سنوات أنشئ صندوق باسم مكافحة وعلاج الإدمان وهو هيئة عامة تتبع أيضا رئيس الوزراء و«تهدف لمكافحة الإدمان ودعم برامج العلاج والتأهيل». المركز كانت ترأسه حتى الأسبوع الماضى الدكتورة نجوى الفوال قبل أن يحل مكانها عمرو عثمان. رفضت نجوى الفوال الحديث للشروق فى أى أمر متعلق بالإدمان وأسباب تعثر الصندوق حتى الآن فى تحقيق تقدم نوعى تجاه حل هذه المشكلة، فعلى مدار 20 عاما عالج الصندوق حوالى 12 ألف حالة فقط، بواقع 800 حالة سنويا تقريبا. الأرقام تقول إن فى مصر ما يقرب من 7 ملايين شخص أو أقل بقليل يتعاطون المخدرات والأخطر أن أكثر من 80% منهم من الشباب والأطفال أى من الفئة العمرية من 8 سنوات إلى 30 سنة. الأرقام تقول أيضا إن المصريين ينفقون 18 مليار جنيه على تعاطى المخدرات سنويا. «الموضوع كارثى»، هذه ما يقوله نبيل عبدالفتاح مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية. «فلم نشاهد أى أثر للصندوق أو للمجلس فى ضبط تمدد جرائم المواد المخدرة ولا حتى على مستوى متابعة الحالات». يعتقد عبدالفتاح أن الأمر مرتبط «بظاهرة موت السياسة فى مصر» وأن غالبا هذا النوع من المشروعات والأفكار المتعلق بأمانة السياسات فى الحزب الوطنى يكون فيه «مبالغات سياسية تعكس فجوة ضخمة بين ما يحلم به بعض الموظفين فى الحزب أو اسرى المقاعد الوثيرة وبين الواقع». بتعبير مختلف يعتقد عبدالفتاح «أن معظم، وليس كل، ما تطرحه أمانة السياسات هو محاولة للبروز أمام قادة النظام للحصول على موقع وزارى أو موقع برلمانى. هى دوافع ذاتية لبعض الشخصيات فى حين أن المطلوب أن يصاحب مكافحة الإدمان عمل سياسى واقتصادى مواز. «باختصار فلسفة جنائية ومتابعة وتدريب على أعلى مستوى». الباحث بمركز الأهرام يستشهد بتجربة وزير الداخلية الأسبق أحمد رشدى ويقول إن «ذكاء رشدى والنزعة الإصلاحية لديه ومهنيته الأمنية الرفيعة لم تكن وحدها كافية وكان لابد أن تكون جزءا من منظومة. حروب الباطنية والبرلمان «باى باى رشدى» كانت جملة وداع تجار المخدرات لوزير الداخلية وكانت أيضا الاسم الذى أطلقوه على نوع جديد من الحشيش قاموا بتوزيعه احتفالا برحيل الرجل الذى خاض ضدهم حربا شرسة فى الباطنية. كان ذلك فى منتصف الثمانينيات وكانت هى المرة الأبرز التى أظهرت فيها الحكومة عضلاتها فى عملية مكافحة المخدرات على الأقل بالشكل الأمنى. فى اللعبة السياسية كانت القصة أكثر إثارة. فقد نجح بعض تجار المخدرات فى دخول البرلمان وكانوا أعضاء بالحزب الوطنى الحاكم وأطلق عليهم حينها «نواب الكيف» شنت المعارضة عليهم هجوما حادا وانتهى الأمر فى 1991 بخروج أربعة من هؤلاء النواب من مجلس الشعب. ومن حينها أصبحت اللعبة السياسية فى قصة مكافحة الإدمان أكثر تواضعا وأقل إثارة، وقابلة للاستخدام فى أنواع الحملات السياسية والانتخابية، فى أى وقت. حتى إن أيمن نور مرشح الرئاسة فى 2005 وعد فى برنامجه الانتخابى بحملة قومية لمكافحة الإدمان، والتفاصيل لا تختلف عما قاله السابقون، أو ما يقوله الحزب الوطنى الآن. محمد كمال يؤكد أن الأمر قد يختلف هذه المرة «الحزب يساند الفكرة وبالتالى يمكن أن يدفع عن طريق نوابه فى البرلمان إلى تعديل التشريعات ويدعم فى نفس الوقت الحكومة لتوفير التمويلات اللازمة للعلاج والتوعية». القيادى فى الحزب الوطنى يتحدث عن «حملة قومية تشارك فيها المؤسسات القومية والجمعيات الأهلية. أى حد يحب يشارك، أهلا وسهلا». لماذا إذن لم يدعم الحزب حملة عمرو خالد؟. «أى حملة؟ لم أسمع بها». د. محمد كمال ينفى أن تكون هناك أى علاقة بين فكرة الحزب وحملة «حماية» التى تبناها الداعية العام الماضى لعلاج خمسة الآلف مدمن فى العالم العربى والتى قال منسقو الحملة وقتها إن أحمد نظيف رئيس الوزراء وافق على رعايتها، ثم لا حس ولا خبر. فى حملة عمرو خالد غنى شعبان عبد الرحيم ضد عقار التخدير الشائع: «على الترامادول أنا حاتكلم ويا ريت ما حدش يغمز لى حاجات غريبة على بلدنا بتأذى وتضر ولادنا» ترى ما هى الأغنية التى ستحمل شعارات وأهداف الحملة القادمة للحزب الوطنى؟.