من 28 تجربة لإعادة هيكلة دعم الطاقة، نجحت 12 واحدة فقط فى تحقيق اهداف الهيكلة، فما هو السبب وراء فشل التجارب الاخرى؟، كان ذلك موضوع بحث للمؤسسة الدولية التى يقترن اسمها بخطط تحرير أسعار الطاقة فى شتى انحاء العالم، صندوق النقد الدولى، وتركزت رؤية الصندوق حول اسباب فشل هيكلة الدعم فى العديد من التجارب على عدم ثقة الشعوب فى الحكومات وعدم قدرتها على التواصل مع المواطنين والتفاوض معهم على طريقة تحرير الطاقة. عادة لا يدرك الرأى العام حجم ما يتم انفاقه على دعم الطاقة، واذا ادرك فإن ثقته قليلة فى ان الحكومة ستستخدم الوفورات الناتجة عن تحرير سعر الطاقة بشكل رشيد خاصة فى الدول التى لها تاريخ طويل من الفساد وقلة الشفافية، كما تقول دراسة للصندوق جاءت بعنوان «دروس اصلاح دعم الطاقة».
وبالرغم من التأييد القوى للصندوق لتحرير أسعار الطاقة، معتبرا ان الاغنياء يستفيدون من الدعم عن غير وجه حق، الا انه لا ينكر أن عملية التحرير تلك تؤثر على الفقراء فى حالات كارتفاع تكاليف وقود الطهى والانارة وارتفاع أسعار البضائع والاغذية مع تحرير أسعار الطاقة، هذا إلى جانب ان الطبقات المتوسطة تقاوم تحرير أسعار الطاقة لأنها تعتبرها من المنافع التى تحصل عليها من الدولة، كما يقول الصندوق.
وفى هذا السياق، ينصح الصندوق بتطبيق سياسات حريصة لاستيعاب اوجه النقد المختلفة التى تواجه عملية تحرير أسعار الطاقة منها حسن اختيار توقيت عملية التحرير، ففى تركيا على سبيل المثال مرت عملية تحرير أسعار الطاقة فى فترة نمو اقتصادى وتحسن لمستوى المعيشة لدى المواطنين «مما اعطى الرأى العام الثقة فى ان الاصلاحات تسير فى الاتجاه الصحيح». كما أن المقاومة الشعبية لتحرير الطاقة تكون منخفضة فى وقت انخفاض التضخم، «بالرغم من ان اصلاح الدعم لا يمكن تأجيله وعادة يكون مطلوبا كجزء من الجهود لتحجيم التضخم وتحفيز النمو»، كما يضيف الصندوق.
وتمرير عملية تحرير أسعار الطاقة فى فترات تتسم باستقرار أسعار الطاقة عالميا، لا يعنى بالضرورة امكانية العودة إلى الدعم، حيث يرصد التقرير أنه مع ارتفاع أسعار النفط عالميا فى 2008 اضطرت دول كانت ربطت أسعار الطاقة لديها بالسعر العالمى إلى العودة مؤقتا عن هذا الاتجاه كغانا واندونيسيا.
والتواصل مع الرأى العام أحد العوامل الرئيسية التى ركز عليها التقرير لضمان نجاح عملية تحرير سعر الطاقة، وفى هذا السياق يقدم الصندوق تجربة إيران عام 2010 كأحد النماذج على هذا النجاح حيث قامت الدولة بحملة روجت بين الرأى العام ان الهدف الرئيسى من استبدال تقديم الطاقة بأسعار مدعومة بتوفير تعويضات نقدية للمستهلكين، كان لتقليل الحوافز على الاستهلاك المفرط للطاقة وعمليات تهريبها، كما قدمت الحكومة الإيرانية التعويضات النقدية للمواطنين قبل رفع أسعار الطاقة مما عزز الثقة.
التواصل مع الرأى العام يأتى ايضا من خلال اشراكه فى اعداد خطة اعادة هيكلة الدعم، كما حدث فى ناميبيا التى استشارت المجتمع المدنى فى عملية اعداد آلية التعويض عن ارتفاع أسعار الطاقة وتوجيه الدعم لسكان المناطق المتطرفة.
وتحسين جودة الخدمة احد أهم عوامل اقناع الرأى العام بجدوى عملية تحرير الطاقة، كما يظهر من رصد الصندوق لتجربة الفلبين وتركيا فى تحرير أسعار الكهرباء، ف«الناس عادة لا يرغبون فى دفع أسعار أعلى فى ظل عدم تحسن جودة الخدمة»، مشيرا إلى ضرورة ان يقترن تحرير الكهرباء بمعالجة عيوب التشغيل وتخفيض معدلات الخسائر فى توزيع الكهرباء.
ونجحت كينيا فى مواجهة المصاعب القوية التى قابلتها فى بداية تحرير أسعار الكهرباء بعد الدخول فى مفاوضات مع المستهلكين، كما تقول المؤسسة الدولية، بينما تقدم اندونيسيا نموذجا على فشل تحرير أسعار الوقود بسبب عدم اقتناع الرأى العام، حيث ساد اعتقاد أن عملية اصلاح هذا الدعم موجهة لمصلحة جماعات قوية ونفاذة بالمجتمع.
وتتعدد الافكار المطروحة لتعويض المواطنين من تحرير أسعار الطاقة وفقا للصندوق، من الدعم المالى للفقراء لشراء الطاقة بسعر ملائم لهم، إلى دعم احتياجاتهم الشخصية لانقاذهم من السقوط فى الفقر بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، كما يوصى الصندوق بأهمية توجيه وفورات دعم الطاقة إلى الانفاق على التعليم والصحة والبنية الاساسية وشبكة الحماية الاجتماعية.