● تدور منذ عامين على مقربة من إسرائيل، الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، مأساة رهيبة. فقد قُتل حتى الآن أكثر من 90 ألف شخص، وجُرح عشرات الآلاف، وهُجّر مليون شخص جرّاء الانتفاضة الشعبية ضد نظام بشار الأسد. ولو كانت هزة أرضية حدثت فى سوريا لكانت إسرائيل سارعت إلى تقديم المساعدة. فإسرائيل تحب القيام بمبادرات إنسانية كجزء من دبلوماسيتها العلنية، ومن أجل تسجيل النقاط لمصلحتها. لكن فى كل ما يتعلق بسوريا، فإن إسرائيل تتنحى جانبا كعادتها عندما يقوم العرب بالتقاتل فيما بينهم. ● لا تعبأ إسرائيل بالقتلى الذى يسقطون فى سوريا، فالذى يهمها هو ما يحدث هناك. إنها تتوقع نشوب حرب جديدة فى لبنان، وتتخوف من سيطرة التنظيمات الإسلامية المتشددة على سوريا، ولهذا سارعت إلى التنسيق مع الأردن وتركيا لمواجهة احتمال سقوط الأسلحة الكيميائية فى يد طرف ما، كما قامت بتكثيف قواتها فى الجولان، وتحذّر الذين يطلقون النار على أراضيها بإطلاق النار باتجاههم.
● وفى سياق تبرير نتنياهو تقديم الاعتذار إلى تركيا، كتب فى صفحته فى فيس بوك: «لقد شكلت الأزمة فى سوريا، والتى تزداد خطورة يوما بعد يوم، الاعتبار الأساسى بالنسبة إلى». وأضاف: «سوريا تتفكك، ومخازن الأسلحة الضخمة الموجودة لديها بدأت تقع فى يد أطراف متعددة. والخطر الأكبر هو وقوع مخازن السلاح الكيميائى فى يد التنظيمات الإرهابية. إن الوقائع فى سوريا، وبينها تمركز عناصر من الجهاد العالمى على حدودنا فى الجولان، تشكل تحديا كبيرا لأمننا. ونحن نتابع عن كثب ما يجرى هناك ومستعدون للردّ بما هو ملائم».
● ومرة أخرى يبدو من كلام نتنياهو أننا مستعدون لمواجهة ما يحدث، وأننا حاضرون للردّ الملائم، لكن ليس هناك كلمة واحدة من نتنياهو عن القتلى، ولا كلمة أسف على المأساة الدائرة هناك.
● لقد وافقت إسرائيل سرا على إقامة مستشفى موقت على الحدود السورية، وعالجت عددا من الجرحى السوريين فى بعض مستشفياتها. وهى فعلت ذلك متخوفة، فإسرائيل معتادة فقط على التهديد والحرب، لا على مواجهة وضع يتدفق فيه مئات الجرحى السوريين على السياج الحدودى، وهى تتخوف من بقاء هؤلاء اللاجئين فى أراضيها، ومن أن يبدأوا بالبحث عن عمل.
● لكن مثلما استخدم نتنياهو الأزمة فى سورية ذريعة من أجل استئناف العلاقات مع تركيا، فإنه يستطيع أيضا تحويل المأساة السورية إلى محرك سياسى، وأن يشق لإسرائيل طريقا مباشر ا إلى سوريا.
● ففى ظل الغموض الذى يسود الوضع فى سوريا حاليا، فإن الدول العربية والغربية جميعها على حد سواء، تبذل كل ما فى استطاعتها من أجل التأثير أو البقاء على صلة بالنظام الجديد الذى سيقوم فى سوريا. وضمن هذا الإطار تقوم السعودية وقطر بتمويل المعارضة وتسليحها، وترسل الولاياتالمتحدة المساعدات الإنسانية، وتدرّب فى الأردن مقاتلو الجيش السورى الحر، ويموّل الحكم الكردى فى كردستان المعارضة الكردية فى سوريا ويسلّحها، ويجرى استخدام الأردن وتركيا كقاعدتين لوجستيتين خلفيتين، من أجل استيعاب اللاجئين السوريين. فى ظل هذا كله، ينبغى لإسرائيل ألاّ تراقب الوضع عن بُعد منتظرة انتهاء «الحكاية» السورية كى تقرر ما إذا كان هناك شريك سورى لها أم لا، إذ ثمة فرصة لديها الآن كى تشكّل مجموعة من الشركاء.
● وفى الواقع فإن الثوار السوريين لا يطلبون من إسرائيل السلاح، ولا المبادرة إلى الهجوم على القصر الرئاسى فى دمشق. صحيح أن هؤلاء الثوار، فى أغلبيتهم، ينتمون إلى تنظيمات راديكالية ويعتبرون إسرائيل عدوتهم القومية، لكن لهذا السبب بالذات، ثمة أهمية كبيرة للمساعدة الإنسانية التى من أجل تسهيل استيعابها يمكن تسميتها «مساعدة استراتيجية»، فالذى يقبل بالحصول على مساعدة من إسرائيل، لابد له من أن يمنح الشرعية للعلاقات السياسية معها.