كتب فريدريك ويرى مقالا نشرته نشرة صدى بتاريخ 12 فبراير، أشار فى بداية مقاله إلى أنه فى الذكرى الثانية لانطلاقة الربيع العربى، تتأرجح المنطقة الشرقية الغنية بالنفط فى المملكة العربية السعودية بين مرارة الخيبة وبوادر الأمل. فقد ألهمت الثورة فى تونس وميدان التحرير الناشطين المنتمين إلى الأقلية الشيعية هناك، فنظّموا احتجاجات للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين، وتطبيق إصلاحات سياسية، ووضع حد للتمييز. وبعد القمع الحكومى الذى أسفر عن سقوط 15 قتيلاً (تتحدّث بعض المصادر عن مقتل 21 شخصاً)، واعتقال أعداد كبيرة من الناشطين، لم تنحسر المعارضة بل تطبعها حالياً سجالات حادة بين الأجيال حول الأهداف والاستراتيجيات وآفاق التغيير الحقيقى. ويضيف ويرى «يبرز ذلك فى شكل خاص فى العوامية، تلك البلدة الشيعية الفقيرة التى تحيط بها بساتين البلح فى المنطقة الشرقية». فمن يريد دخولها عليه الاعتماد على الأدلاّء المحلّيين لتجنّب الحواجز الرسمية المنتشرة على الطرقات الرئيسية. وعندما يدخلها، يجد بلدة مكتظّة بورَش تصليح السيارات، والمبانى المتهاوية، والشباب الغاضبين.
●●●
وينقل ويرى عن أحد رجال الدين المحليين إن «العوامية هى فوّهة البركان وحسب. وحجم البركان لا يُقاس بفوّهته». يطالب الناشطون الشباب فى محافظة القطيف المجاورة بمقاربات جديدة وأكثر جرأة تختلف بوضوح عن الحوار الحذر الذى يتبنّاه الجيل الأكبر سناً من المفكّرين والناشطين الذين يُعرَفون ب«الإصلاحيين». فالبعض، ولاسيما فى العوامية، يعتبر أن هذه الشخصيات التى كانت موضع تقدير قبلاً، بعيدة عن الواقع ومقرّبة جداً من الحكومة. وقد بلغ هذا الاستياء أوجه فى صيف العام الماضى، عندما أصدر 40 رجل دين شيعياً بياناً يحظّر التكتيكات العنفية. وكان الهدف منه التصدّى لتسلّل عناصر إجرامية مسلّحة إلى التظاهرات، بيد أن عدداً كبيراً من الناشطين الشباب رأوا فى البيان مخططاً يرعاه النظام لخنق الاحتجاجات.
أما الناشطون والمفكّرون الشيعة الأكبر سناً فمعجبون بحماسة الشباب، لكنهم يشتكون من افتقارهم إلى البرنامج والتنظيم. لقد بُذِلت محاولة لتوحيد المجموعات المختلفة فى المنطقة الشرقية فى إطار «ائتلاف الحرية والعدالة»، لكنها منيت بالفشل. ربما توحى الصفحات التى تملكها مجموعات أخرى عبر موقع «فيس بوك» بأن هناك درجة من التنظيم والتماسك، إلا أن الواقع على الأرض مغاير. ينتقد البعض سذاجة الشباب لاعتقادهم أنه بإمكان معارضة محلية الطابع، تقودها أقلّية مذهبية، إطلاق تحرّك واسع النطاق على طريقة ميدان التحرير.
ويصفّق فريق آخر فى الجيل الأكبر سناً للشباب معتبراً أنهم «يتخطّون الأيديولوجيا» ويبتعدون إلى حدّ كبير عن المذهبية فى مطالبهم، إذ يرفضون العقيدة الثورية الإيرانية التى ألهمت الإصلاحيين فى البداية، ويتجنّبون عموماً الانقسامات الفقهية المبهمة بين المرجعيات الشيعية المتعدّدة. وعند الحديث معهم، اعتبر العديد منهم أن آية الله العظمى على السيستانى هو مرجعيّتهم المفضّلة لأنه لا يتدخّل فى شؤونهم السياسية؛ حتى أن أحدهم ذهب إلى حدّ وصفه ب«المرجعية العلمانية».
●●●
ويؤكد أن الشباب الشيعة فى المنطقة الشرقية ومع ناشطين أكبر سناً لديهم استعداداً قوياً للانخراط مع رجال الدين والإصلاحيين السلفيين فى مختلف أنحاء المملكة، فى مستهل حديثه معهم. ويحصل الجزء الأكبر من هذا التبادل بعيداً عن منتديات «الحوار» التى يرعاها النظام، والتى يرى فيها عدد كبير من الناشطين وسيلةً لتطويق أى نوع من التنسيق الهادف إلى فرض إصلاحات فعلية، وضبطه. فعلى سبيل المثال، أطلقت مجموعة من الشباب الشيعة مؤخراً حملة عبر موقع «تويتر» لدعوة السنّة فى جدّة إلى المشاركة فى احتفال لمناسبة المولد النبوى الشريف.
لكن على الرغم من كل هذه الجهود، يرى ويرى أن التواصل يتعثّر بسبب تجذّر المذهبية فى المجتمع السعودى والسياسات الحكومية. لايزال عدد كبير من الإصلاحيين السلفيين يتردّدون فى التقرّب كثيراً من الشيعة. والمثل الأبرز فى هذا الإطار هو موقف الداعية السلفى، سلمان العودة، المعروف بتصريحاته الاستفزازية والذى يحظى بشعبية واسعة، إذ لمّح علناً إلى الإصلاحات الديمقراطية، وتخلّى إلى حد كبير عن الخطاب المذهبى، حتى أنه استقبل وفوداً شيعية. غير أن الشيعة فى المنطقة الشرقية يشتكون من أنه لم ينتقل إلى مرحلة التعاون الفاعل خوفاً من إثارة نفور قاعدته السنّية.
هذا فضلاً عن أن تداعيات الأحداث فى سورية على المجتمع السعودى لم تساعد على التنسيق فى مجال الإصلاحات. ففيما يؤطّر رجال الدين الموالون للنظام الحرب الأهلية فى عبارات مذهبية، مشوِّهين صورة العلويين، يتعرّض الشيعة فى المنطقة الشرقية إلى ضغوط متزايدة، إذ يُعتقَد أن عدداً كبيراً منهم يتعاطف مع نظام الأسد، مع أن نمر باقر النمر، وهو على الأرجح الأعلى صوتاً بين الأئمة الشيعة، دعا إلى سقوط بشار. كما أن تصريحات المسؤولين السوريين (والإيرانيين) تصبّ الزيت على النار؛ فما يدفع الحكومتَين السورية والإيرانية إلى الاهتمام بشؤون المنطقة الشرقية هو الترويج لجداول أعمال تخدم مصالحهما الخاصة فى المنطقة.
●●●
يضيف ويرى «على مشارف الذكرى الثانية لما يُعرَف محلياً ب«الثورة الشرقية»، ليس واضحاً ماذا تغيّر منذ مارس 2011، إن كان هناك من تغيير» حيث اتّخذت الحكومة بعض الخطوات الرمزية للتخفيف من حدّة المذهبية و«حماية الوحدة الوطنية»، بما فى ذلك إغلاق المحطات التليفزيونية التى بثّت خطاباً مناهضاً للشيعة، وتعيين نائب شيعى إضافى فى مجلس الشورى غير المنتخَب، وبناء مركز للحوار بين الأديان فى أواخر نوفمبر 2012 (فى فيينا فى النمسا، فى مؤشّر معبِّر عن حدود الحوار داخل السعودية). لكن الأهم هو إقالة الأمير محمد بن فهد الذى يحكم المنطقة الشرقية منذ عام 1985، من منصبه. كان الشيعة فى المنطقة يلقّبون الحاكم ب«السيد 50/50» فى إشارة إلى الحصص التى يُقال إنه يقتطعها لنفسه فى العقود المحلية، وهى التسمية التى يطلقها أيضاً الناشطون البحرينيون على رئيس وزرائهم الفاسد، خليفة بن سلمان آل خليفة. وفى حين لقيت إقالة محمد بن فهد ترحيباً فى الأوساط المحلّية، ظلّ عدد كبير من الناشطين متشائمين بشأن آفاق التغيير الحقيقى، مشيرين إلى أن سياسة المنطقة الشرقية تُدار مركزياً من الرياض، وتحديداً من وزارة الداخلية، وليس من الحاكمية المحلية.
●●●
وفى ختام المقال، يستشهد عدد كبير من الأشخاص فى المنطقة الشرقية بتحقيق شامل فى الاضطرابات فى المنطقة الشرقية، نشره مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية فى أكتوبر 2012، وجرى تسريبه إلى موقع إلكترونى معارض. فالتقرير المؤلّف من 125 صفحة والذى يستند إلى مقابلات موسَّعة أُجريَت فى المنطقة الشرقية، لافت بموضوعيّته وتطرّقه بالتفصيل إلى أسباب المعارضة فى المنطقة الشرقية بوصفها مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية متجذِّرة، بعيداً من التفسيرات المعهودة التى تتحدّث عن إجرام أو نوايا تخريبية مدعومة من إيران.