نشرت جريدة الشروق فى عددها الصادر بتاريخ 12/12/2012 رأيا للسيد الأستاذ الدكتور/ جمال جبريل أستاذ القانون الدستورى، ومقرر لجنة نظام الحكم فى الجمعية التأسيسية، فيما يبديه الرافضون لمشروع الدستور من آراء، وليسمح لى سيادته فى أن أبدى الملاحظات الآتية على ما أبداه سيادته من رأى. أولا، ذكر سيادته «إن الرئيس يمارس صلاحياته من خلال حكومته، وأى صلاحية أخرى تأتى باسم الرئيس فهى من اختصاص الوزارة، وهذه مسألة تقنية يفهمها أساتذة القانون الدستورى»، واستشهد سيادته بنص المادة (141) من مشروع الدستور.
وبالرجوع إلى هذه المادة نجدها تنص على أن «يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، عدا ما يتصل منها بالدفاع والأمن القومى والسياسة الخارجية، والسلطات المنصوص عليها فى المواد (139) و(145) و(146) و(147) و(148) و(149) من الدستور».
ويلاحظ أن كلمة (بواسطة) معناها، لغة وفقها وقانونا، (بوسيلة) أو (بأداة)، فيكون الأصيل فى ممارسة السلطات وصاحبها هو رئيس الجمهورية ولكنه يمارسها بوسائل وأدوات هم رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، وهو ما يخالف ويناقض ما ذهب اليه سيادته من ان الرئيس يمارس صلاحياته من خلال حكومته، إذ أن هذه الكلمة الأخيرة لا يقوم لها معنى إلا من خلال النظام البرلمانى أى وجوب ألا يمارس الرئيس صلاحياته إلا بمشاركة وتوقيع رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء، وهو ما لا نجد له أى صدى فى مشروع الدستور المعروض للاستفتاء.
ثانيا، يلاحظ على المادة (141) أنه لا محل مطلقا لاستثناء المادة (139) من مشاركة رئيس مجلس الوزراء، ذلك أن المادة (139) انما تتكلم عن اختصاص رئيس الجمهورية باختيار رئيس مجلس الوزراء، فمن غير المتصور أن يكون لرئيس مجلس الوزراء أى دور فى اختيار نفسه حتى تستبعد المادة (139) من تدخل رئيس مجلس الوزراء فى تنفيذها.
ثالثا، أوضح سيادته تعليقا على المادة (141) ما نصه أن «الرئيس يعين رئيس الوزراء من الأغلبية البرلمانية لأنه لو جاء رئيس الحكومة من غير الأغلبية فإن البرلمان سيرفض ذلك». ويلاحظ أن هذا التوضيح من سيادته مناقض تماما لصريح نص المادة (139) من مشروع الدستور والتى تنص على أن «يختار رئيس الجمهورية رئيسا للوزراء ويكلفه بتشكيل الحكومة...» وذلك دون أن يتقيد الرئيس فى هذا الاختيار بأن يكون رئيس الوزراء من بين الحزب الحائز على الأغلبية فى الانتخابات البرلمانية او حتى الحائز على الأكثرية وإن لم تصل إلى نصاب الاغلبية.
رابعا، ويلاحظ على شرح سيادته للمادة (145) الخاصة بإبرام المعاهدات أنه قد أورد فى المادة عبارة لم يتضمنها النص الأخير لها فى المشروع الأخير المؤرخ فى 30/11/2012 المعروض حاليا على الاستفتاء، وهى عبارة المعاهدات (التى تحمل الخزانة العامة للدولة نفقات غير واردة فى موازنتها العامة)، فلم يتنبه سيادته إلى أن هذه العبارة كانت قد وردت فى النسخ السابقة على النسخة الأخيرة المؤرخة فى 30/11/2012، ولعلى ألتمس عذرا لسيادته أن هذه المادة كانت من بين المواد ال (155) التى عرضت ونوقشت ووفق عليها من الجمعية التأسيسية خلال الإحدى عشرة ساعة الأخيرة المنتهية فى السادسة من صباح الجمعة 30/11/2012 بحيث خص كل مادة 4 دقائق، ولا تعليق.
خامسا، قال سيادته إنه كان أحد الاثنين الرافضين لتمرير المادة (219) ولكنه رضخ لرأى الأغلبية. وإننى أشاركه الرأى فى رفضه وبحق لهذه المادة لما يرتبه وجودها من الخلاف فى الرأى حول تفسير مبادئ الشريعة الاسلامية، اذ يغنى عنها ما ورد فى المادة (2) من أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، هذا فضلا عن أنه لم تجر الصياغة الدستورية لمختلف الدساتير على إيراد مواد شارحة فى الدستور لمواد أخرى فيه، إذ إن الشرح والتفسير لمواد الدستور إنما هو من اختصاص المحاكم المختلفة وعلى رأسها المحكمة الدستورية العليا وهى ذات أحكام عظيمة بارزة فى هذا الخصوص.
سادسا، استنكر سيادته ما يذهب إليه المعارضون من ورود كلمة (المجتمع) فى المادة العاشرة الخاصة بالأسرة، وأنه لا تخوف من أن يقوم المجتمع بإنشاء الشرطة الشعبية وجلد الناس. ويلاحظ على ذلك أن فرض الواجبات والالتزامات العامة على المواطنين وإلزامهم بأدائها لا يكون إلا من قبل الدولة باعتبارها تملك سلطة الإلزام وتوقيع العقوبات المناسبة، وبالتالى فإن ذكر كلمة (المجتمع) بجانب الدولة فى الحرص على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية يفتح الباب لأن ينصب المجتمع من نفسه باعتباره صنو الدولة وشريكها فى أن ينشئ الجمعيات الاهلية أو غيرها من التنظيمات والجهات المدنية وشبه العسكرية لكى تجبر الناس على الالتزام بما تراه هذه التنظيمات والجهات من الطابع الأصيل للأسرة المصرية، هذا فضلا عن أن هذه عبارة إنشائية فضفاضة ليس لها مدلول دستورى أو تشريعى منضبط مما يفتح الباب على مصراعيه للخلاف.
سابعا، أما بخصوص المادة (33) الخاصة بالمساواة بين المواطنين فقد حذفت منها أسباب التمييز التى كانت مذكورة فى المادة (40) من دستور 1971 والتى كانت تنص على: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة». وقد حذفت هذه العبارة من المادة (33)، وبالتالى يثور التساؤل عن سبب الحذف مما يفتح الباب لإمكان التمييز استنادا لأحد الأسباب التى حذفت.
ثامنا، وأخيرا فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية العليا، فإن مشروع الدستور هو الوحيد من بين دساتير العالم الذى يحدد عدد أعضاء المحكمة بنص المادة (176)، ذلك أن هذا التحديد يستلزم بحكم اللزوم أن يتدخل المشرع ويعدل قانون المحكمة الدستورية العليا بحيث ينص صراحة فى المادة (3) منه على أن «تشكل المحكمة من رئيس وعشرة أعضاء» بدلا من النص الحالى من أن «تؤلف المحكمة من رئيس وعدد كاف من الاعضاء»، وهو ما كان يترك للمشرع المرونة الكافية لتحديد عدد أعضاء المحكمة بما يتناسب ويمكنها من أداء الاختصاصات المنوطة بها على الوجه الأكمل، لا سيما أن مشروع الدستور قد أضاف اختصاصا جديدا للمحكمة هو الرقابة السابقة على مشروعات القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية، مما قد يقتضى زيادة عدد أعضاء المحكمة لتمكينها من مباشرة هذا الاختصاص الجديد.