تناقلت الأخبار ما قد يجرى مع مسلسل «القرن العظيم» التركى، المعروف فى بلادنا بعنوان «حريم السلطان». الفنانون الأتراك، ضد منعه، لكن السياسين، من حزب «العدالة والتنمية» يطالبون بوقفه.. وأصل الحكاية، حسب وكالات الأنباء، أن رئيس الوزراء أردوغان، فى زيارته الأخير لمصر، فوجئ بعتاب الرئيس المصرى، محمد مرسى، واستنكاره، للصورة التى أظهرت السلاطين العثمانيين على نحو ما جاء فى «حريم السلطان»، حيث يقدمهم «داخل قصور فارهة يتلاعب بهم حريمهم وأبناؤهم».. وأردف الرئيس المصرى قائلا «إن التاريخ العثمان جزء من تاريخ الأمة الإسلامية التى يعتز به المسلمون جميعا».
الواضح أن الرئيس التركى، المشغول بتنمية بلاده، وفتح الأسواق أمام منتجاتها، وتحسين علاقاته ببقية دول العالم، ومحاولة حل مشاكل الأقليات داخليا، ليس عنده الوقت لمتابعة الشاشة الصغيرة، أو الكبيرة، ولكن كلام الرئيس المصرى، دغدغ مشاعر أردوغان، المعادى لكمال أتاتورك، الذى ألغى «الخلافة العثمانية» واعتبرها من كراكيب الماضى المتخلف. وفيما يبدو أن الرئيس التركى إما أنه شاهد بعض الحلقات، أو قرأ تقريرا عنه، مما جعله ينزعج، ويهاجمه، وبينما ينظر البرلمان هناك فى شأن إصدار قانون يسمح بوقف «حريم السلطان» وما على شاكلته، يعبر أردوغان عن طموحه من ناحية، وحنينه للأيام الخوالى من ناحية أخرى، فيعلن «وظيفتنا.. أن نذهب إلى كل بقعة وصل أجدادنا إليها على ظهور الخيول».. ولم تعدم صحافة اسطنبول وأنقرة من يكتب: مصر تصدر لنا النواهى والممنوعات، ونحن نصدر لها السلع المفيدة. أما عن «الأيام الخوالى»، الحلوة، بالنسبة للعثمانيين الجدد، ومن يتعاطف معها، للأسف عندنا، فإنها، بالنسبة لنا، لم تكن أكثر من أيام حالكة السواد، فيكفى أن تفتح واحدة من مئات الصفحات التى كتبها ابن إياس فى «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» عما حل بمصر من مآس وكوارث وعنت وظلم، عقب غزو سليم الأول للبلاد عام 1517، حيث حرق الغزاة جامع شيخون، والبيوت المجاورة له، وصاروا «يقطعون رقاب العوام والغلمان»، ونهبوا الغلال والدواب، والأدهى أن جنود الخليفة العثمانى قاموا باختطاف البنات والصبيان لبيعهم فى أسواق العبيد بدعوى أنهم من أبناء الكفار.. وعقب ترحيل آلاف العمال المصريين المهرة، فى كل المجالات، إلى الاستانة، خرجت مصر من التاريخ طوال ثلاثة عقود، ووقع شعبها فى قبضة من لا يرحم، وبالضرورة، ارتفع دعاء «يا رب يا متجلى.. إهلك العثمانلى».
كلام الدكتور محمد مرسى عن أن «التاريخ العثمانى جزء من تاريخ الأمة الإسلامية...» فتح جروحا غائرة فى الذاكرة المصرية، تعود بألمها من جديد، حين نتذكر، فى اللحظات الحرجة، إبان ثورة عرابى، كيف أعلن الخليفة القاعد على كرسى الحكم، فى الإمبراطورية المترنحة، أن «الأفعال التى أجراها عرابى وأعوانه مغايرة لمصالح المسلمين» وبناء عليه يعتبر عرابى ورجاله «عصاة بغاة».. ولعل من الواجب أن يقال لأردوغان، وهو يتحدث بنشوة عن «كل بقعة وصل أجدادنا إليها على ظهر خيولنا»، أن سنابك تلك الخيول خاضت فى لحم ودم أبناء كل مكان اقتحمته، حاملة معها ألوانا من أشد العذابات ألما وابتكارا، تجدها فى «جسر على نهر درينا» لإيفو أندريتش، وتسمع صداها فى «الزينى بركات» لجمال الغيطانى.