صدر دستور 1923، وأعقبه صدور قانون الانتخابات، وتم إجراء أول انتخابات برلمانية حرة فى مصر، خسر فيها رئيس الوزراء أمام مرشح الوفد، وفى المحصلة النهائية فاز فيها الوفد بأغلبية كاسحة، وشكل سعد زغلول حكومته التى عرفت بحكومة الشعب. لكن الشعب لم يهنأ بدستوره طويلا؛ فلم يأتِ الأمر على هوى الملك فؤاد ولا على هوى الإنجليز، وبدأت المعارك حول تفسير الدستور وتطبيقه بين حكومة الشعب والملك. صدر دستور 1923، وأعقبه صدور قانون الانتخابات، وتم إجراء أول انتخابات برلمانية حرة فى مصر، خسر فيها رئيس الوزراء أمام مرشح الوفد، وفى المحصلة النهائية فاز فيها الوفد بأغلبية كاسحة، وشكل سعد زغلول حكومته التى عرفت بحكومة الشعب. لكن الشعب لم يهنأ بدستوره طويلا؛ فلم يأتِ الأمر على هوى الملك فؤاد ولا على هوى الإنجليز، وبدأت المعارك حول تفسير الدستور وتطبيقه بين حكومة الشعب والملك.
قبل أن ينتهى عام 1924 كانت الحكومة الدستورية الأولى التى تشكلت فى 28 يناير سنة 1924 قد استقالت؛ تحديدا فى 24 نوفمبر 1924، فى أعقاب حادثة اغتيال السير لى ستاك باشا سردار الجيش المصرى وحاكم السودان العام، جاءت الاستقالة رفضا من سعد وحكومته للرد البريطانى على حادث الاغتيال الذى شكل تعدى على السيادة المصرية.
ومع استقالة الحكومة بدأ عصر الانقلابات الدستورية، ومصطلح الانقلاب الدستورى كان يقصد به خرق الملك لأحكام الدستور أو تعطيل العمل به أو تكليف حكومة لا تحظى بتأييد البرلمان بإدارة شئون البلاد مع تعطيل البرلمان إذا اصطدم بها.
بدأ أول الانقلابات الدستورية مع تكليف الملك لأحمد زيور باشا بتولى رئاسة الحكومة، سلمت الحكومة الجديدة بكل انتهاكات بريطانيا للسيادة المصرية، كما تم اعتقال ستة من نواب البرلمان، اثنان منهم بمعرفة القوات البريطانية وأربعة بمعرفة البوليس المصرى، رغم تمتعهم بالحصانة البرلمانية، وكانت أول خطوات الحكومة فى اليوم التالى لتوليها تعطيل البرلمان لمدة شهر، وقبل أن ينتهى الشهر بيوم واحد استصدرت الحكومة مرسوما بحل مجلس النواب، وتلاعبت فى قوانين الانتخاب حتى تأتى بمجلس على هواها، فألغت القانون الذى أقره البرلمان للانتخابات المباشرة وأعادت العمل بالقانون الذى يقضى بإجراء الانتخابات على مرحلتين، وفى نفس الوقت أجرت انتخابات جديدة للمندوبين، رغم أن القانون القديم كان ينص على استمرار المندوبين فى عملهم لمدة خمس سنوات، كما عدلت الحكومة الدوائر الانتخابية لتضمن نجاح مرشحى حزب الاتحاد الذى أسسه زيوار باشا.
ورغم الضغوط التى مارستها الحكومة فاز الوفد بالأغلبية مرة أخرى، وتشكلت وزارة من حزب الاتحاد والأحرار الدستوريين والمستقلين، ولم تنل الحكومة ثقة البرلمان ورفض الملك استقالتها وحل البرلمان للمرة الثانية فى يوم انعقاده، وعطلت الحكومة إجراء الانتخابات ضاربة عرض الحائط بأحكام الدستور.
ولما استمرت الحكومة فى تعطيل الانتخابات اجتمع البرلمان من تلقاء نفسه فى 21 نوفمبر سنة 1925 فى فندق الكونتينتال بميدان الأوبرا، وقرر البلمان عدم الثقة بالحكومة واعتبار نفسه فى حالة انعقاد دائم، وبعد يومين أصدر أربعة عشر من الأمراء بيانا طالبوا فيه الملك بإعادة الحياة الدستورية.
وبعد مماطلة اضطر الملك إلى إعادة العمل بقانون الانتخاب الذى أصدره برلمان 1924، وأجريت الانتخابات فى ظل توافق بين الوفد والأحرار الدستوريين والحزب الوطنى، وفاز الوفد بالأغلبية وتم الاتفاق على أن تكون رئاسة البرلمان للوفد ويتولى عدلى يكن رئاسة الحكومة التى تضم الوفد والأحرار الدستوريين، وتوالت على البلاد ثلاث حكومات ائتلافية، إلى أن وقع الانقلاب الدستورى الثانى فى صيف 1928، عندما أقال الملك فؤاد وزارة النحاس باشا عقب استقالة بعض الوزراء من حزب الأحرار الدستوريين.
تم تكليف محمد محمود باشا رئيس حزب الأحرار بتشكيل الحكومة التى سميت حكومة القبضة الحديدية، نسبة إلى مقولته الشهيرة: «سأحكم البلاد بيد من حديد ثلاث سنوات قابلة للتجديد».
بدأ محمد محمود حكمه بتعطيل البرلمان ثم حله وتعطيل عدد من مواد الدستور لمدة ثلاث سنين تنتقل فيها سلطة التشريع للملك، وأصدر الملك عدة تشريعات لحماية الانقلاب الدستورى ظهرت فيها للمرة الأولى فى التشريع المصرى مصطلحات «التحريض على كراهية النظام والازدراء به».
لم يدم الانقلاب الدستورى طويلا، فقد وصلت المفاوضات المصرية البريطانية إلى نقطة تحتاج لاتخاذ قرار مدعم بتأييد شعبى لمعاهدة مصرية بريطانية، فضغطت بريطانيا من أجل إعادة البرلمان والنظام الدستورى، فاستقالت حكومة محمد محمود فى 2 أكتوبر 1929 وتولى عدلى يكن الحكم وأجرى انتخابات برلمانية أتت بالوفد إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى.
شكل النحاس باشا الوزارة فى الأول من يناير سنة 1930، ودخلت الحكومة فى مفاوضات فاشلة مع الإنجليز حيث رفض النحاس باشا تقديم تنازلات لهم فى تلك المفاوضات، الأمر الذى أثار غضبهم ودفعهم إلى تأييد الملك فى انقلاب دستورى جديد سريع، وكانت للملك دوافعه للإطاحة بالنحاس وبالدستور، فقد بدأت الحكومة عملها بإحالة 8 من كبار الموظفين إلى التقاعد لمشاركتهم فى الانقلاب الدستورى السابق، واضطهادهم للشعب وإهدارهم لحقوق المواطنين وحرياتهم، كما وضعت الوزارة مشروع قانون محكمة النقض والإبرام فى صيغته النهائية وعطله الملك بدعوى أن الوقت ليس مناسبا له بعد، ومشروع قانون بنك التسليف الزراعى الذى أثار على الحكومة نقمة الدوائر المالية الأجنبية والمرابين الأجانب والمتمصرين لأنه كان سيحد من استغلالهم للفلاحين.
لكن الصدام الأكبر مع الملك جاء لسببين الأول تدخله فى اختيار أعضاء مجلس الشيوخ المعينين ضاربا عرض الحائط بأحكام الدستور التى كانت تعطى للحكومة حق ترشيح الأسماء وللملك حق إصدار القرار فقط، وكان هذا الأمر مسار نزاع دائما بين السرايا والحكومة خاصة فى ظل حكومات الوفد التى كانت تصر على التمسك بحقوقها الدستورية، وعلى أن تجعل من مصر ملكية دستورية يتراجع فيه دور الملك المباشر فى السياسة لحساب الحكومة المؤيدة من البرلمان.
أما الأمر الثانى فكان مشروع قانون محاكمة الوزراء الذى أصرت حكومة النحاس باشا على إصداره متضمنا نصوصا تقضى بعقاب الوزراء الذين ينقلبون على دستور الأمة أو يحذفون حكما من أحكامه أو يغيرونه بغير الطريق الذى رسمه الدستور، أو يخالفون حكما من أحكامه الجوهرية، فضلا على محاكمة أى وزير يبدد أموال الدولة العامة، وكان غرض الحكومة صيانة النظام الدستورى وحمايته من العبث والانقلابات، وقد رفض فؤاد توقيع مرسوم إحالة القانون إلى البرلمان لمناقشته.
عندئذ قدم النحاس استقالت حكومته فى 17 يونيو 1930، وأكد فيها أن سببها عدم تمكنه من تنفيذ برنامجه، واتجه النحاس باشا إلى مجلس النواب وأعلن أن الوزارة قدمت استقالتها وحدد أسباب الاستقالة، وغادر البرلمان، إلا أن المجلس قرر بعد مناقشة قصيرة تجديد الثقة بالحكومة. لكن فؤاد قبل استقالة الوزارة يوم 19 يونيو وفى اليوم التالى كلف إسماعيل باشا صدقى عدو الشعب وعدو الدستور بتشكيل الوزارة لينفذ نية الملك المبيتة بالتعدى على دستور الأمة، ويغتال حقوقها التى اكتسبتها عبر نضال طويل بدأ منذ ثورة 1795 فى القاهرة، وليبدأ أخطر انقلاب دستورى فى تاريخ مصر.