يؤرخ الدكتور محمد عفيفى، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، لظهور أزياء خاصة بالموظف المصرى مع انتشار فئة «المطربشين» فى منتصف القرن التاسع عشر. أما قبل عصر محمد على فكان موظف الدولة يرتدى العمامة حتى بداية تأسيس الدولة الحديثة وعودة البعثات العلمية. « الزى كظاهرة اجتماعية يرتبط بمتغيرات المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، « كما يرى الدكتور عفيفى الذى يربط بين الطربوش كرمز للاحترام والمكانة الاجتماعية وظهور طبقة الأفندية، فكبار الموظفين تميزت طرابيشهم بالانتفاخ وكان يتم كيها ببراعة، بينما الموظف البسيط كان « طربوشه مزيت ومطبق». وقد لجأ الموظف وقتها لبعض التفاصيل لتكتمل معالم صورته النمطية، منها المنشة لهش الذباب والمصنوعة من خيوط الحرير أحيانا ومن ذيول الخيل تارة أخرى حسب الامكانات.
قميص الموظف كان لابد وأن يكون أبيض اللون، ومن هنا ظهرت تسمية «ذوى الياقات البيضاء». ولأن نظافة قميصه كانت دوما عنوان أناقته، فإن الموظف كان يرتدى علي أكمام القميص غطاء داكن اللون حتى لا يتسخ، خاصة أن معظم الأقلام وقتها كانت مصنوعة من الكوبية أو الحبر الشيمى. أما ياقة القميص فكانت دوما «منشية»، يتم خلعها وفصلها عن القميص كى تغسل أو تستبدل فى حالة استهلاكها بدلا من شراء قميص جديد، وذلك لدواع اقتصادية. كما كانت رابطة العنق إحدى المفردات الأساسية فى زى الموظف، وإن ارتدى بعض الموظفين «بابيون» ولكن فى المناسبات الرسمية فقط، كما تصف الدكتورة علية عابدين، أستاذة الأزياء بكلية الاقتصاد المنزلى. يضيف الدكتور محمد عفيفى» موظف: زمان كان على درجة عالية من الأناقة والاعتناء بمظهره الخارجى. لقد كان جدى مثلا يشغل وظيفة مرموقة بأحد الأقلام الحكومية، وراقبت كيف كان يقوم بتنظيف حذائه بعناية فى يوم العطلة، وكانت له طقوس خاصة فى ذلك: يقوم بتلميعه بالورنيش ثم يستخدم الفرشاة مرة أخرى، ثم أخيرا يقوم بإضفاء لمسة أخيرة عن طريق قطعة قماش من القطيفة. وكان من غير اللائق أن يدخل الموظف على رؤسائه بحذاء مترب أو قميص متسخ أو طربوش غير مكوى».
ثم جاءت ثورة 52 فغيرت كثيرا فى أزياء الموظفين... تصف مثلا مصممة الملابس ناهد نصر لله كيف كان الزعيم جمال عبدالناصر يتحرر أحيانا من رابطة العنق كنوع من رفض التبعية الغربية، مما دعم ظهور الموظف فى أفلام الحقبة الناصرية بشكل مختلف. مثلا ظهر شكرى سرحان مشمرا عن أكمامه، إيذانا بوجود شكل جديد للموظف. تضيف ناهد نصر لله: «لما ارتدى عبدالناصر بدلته الصيفية الشهيرة صارت زيا لموظف الحكومة بشكل تلقائى، خاصة وأنها من نوعية الملابس الاقتصادية الملائمة لمناخ مصر الحار ومتوافرة فى محال القطاع العام، إذ كان الاستيراد ممنوعا».
بدأ التدهور فى هيئة الموظف منذ السبعينيات، بسبب ارتفاع نسبة التضخم مع ثبات دخل الموظف بعد اعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادى. من ناحية أخرى، بدأت الوظيفة «الميرى» تفقد من بريقها أو « تترييف» كما يقول البعض، بحكم وجود العديد من الشباب المتعلمين القاهريين على جبهة القتال منذ 67. ساد إذا «ذوق فلاحى» على ملابس موظفى الدواوين الحكومية، كما يؤرخ الدكتور محمد عفيفى، وأصبحنا نرى فى جولاتنا داخل المؤسسات الموظف «أبو بلوفر مقطوع» أو الموظفة التى ترتدى قماشات صناعية لا تتناسب وطبيعة الجو فى مصر «فتفوح منها رائحة العرق». استمر هذا التدهور فى ملابس الموظف وصاحبه تدهور فى الذوق العام، « فقبح الشارع انعكس على مظهر الموظف داخل الديوان».