لن أكتب ولكنى راوٍ ماهر من يريد أن يعرف حكايتى لا يمكن أن يخطئنى لأن شوارع الاسماعيلية تعرفنى جيدا المسن البالغ من العمر اكثر من ثمانين عاما الذى يسير فى الشوارع مرتديا بذلته العسكرية المعهودة ونياشينه كلها معلقة على صدره، «أنا حديد» جملتى المفضلة التى تصف حالتى وحالة ذاكرتى الجيدة حيث لاتزال تسرد أحداث المعارك الحربية دون نسيان أدق التفاصيل، ولذلك أحمل ميكروفونا يدويا أروى فيه لكل من يريد أن يعرف أمجاد الأبطال الحقيقيين لحرب أكتوبر ولم يذكرهم التاريخ. أنا «شزام» شيخ الفدائيين فى الإسماعيلية شاركت فى جميع الحروب التى خاضتها مصر ضد الاحتلال بداية من حرب 48 وحتى حرب أكتوبر المجيدة، «شزام» ليس اسمى الحقيقى وانما أطلقه عليَّ أحد الضباط الإنجليز وتعنى الطير الجارح، وذلك بعدما فاجأتهم بإحدى عملياتى حيث استخدمت مجموعة أغنام كوسيلة لإعاقة مرور عدة سيارات تابعة للقوات الإنجليزية وانقضت عليهم بشكل سريع من أعلى احدى الأشجار فور توقف السيارات فبدوت لهم كالطائر وتمكنت من قتل الجنود دون أن يستطيع أحد اللحاق بى.
جئت للإسماعيلية مع أسرتى عام 1936 وكان عمرى 8 أعوام وعايشت أحداثا متعددة من تعدى الانجليز على المواطنين وشكلت بداخلى غضبا وحزنا ظل ملازما لى حتى انضممت للمقاومة الشعبية فى سن ال17، بعدما شاهدت واقعة لم أتمالك نفسى أمامها، كنت أتجول فى حى الأفرنج ورأيت جنديا انجليزيا يحاول الاعتداء بالقوة على سيدة كانت تسير بصحبة زوجها ويضربانه حتى يترك زوجته، فخطفت البندقية من الجندى وضربته حتى تمكنت السيدة وزوجها من الفرار، وقتها قررت أن أنضم للمقاومة الشعبية وأشارك فى جميع الحروب وأقسمت ألا أتزوج حتى تتحرر مصر من احتلال الأعداء.
أجمل ما فى العمليات الفدائية انها احتاجت للتنكر فى أكثر من شخصية وزى وهو ما برعت فيه، فارتديت فى إحدى المرات ملابس بائع على عربة برتقال وأخفيت بداخلها قنبلة يدوية وتوقفت على كوبرى سالا حيث يتجمع الجنود الانجليز وابتعدت عن المكان بالاتفاق مع احد الأشخاص الذى تظاهر بالحديث معى حتى انفجرت القنبلة ولقى جميع الجنود مصرعهم.
كنت الفدائى الوحيد الذى شارك فى حرب أكتوبر ومساء أول يوم من الحرب تركز قصف المدفعية الاسرائيلية عند منطقتى الفردان والقنطرة شرق، فقرر أحد قادة فرق المشاة تدمير مدفعية العدو بالتسلل عبر القناة وإشعالها بالبنزين، فتسللت زحفا على تبة مرتفعة حتى وصلت إلى موقع العدو وأشعلته باستخدام البنزين وشعرت بسعادة غامرة قضت على الخوف بداخلى.
تعرضت كثيرا للطلقات النارية ولكن حماية الله كانت تحيطنى من أى مكروه، والتحقت للعمل بهيئة قناة السويس بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر، وكنت على عهدى لمصر وهبت عمرى لحريتها لذلك تزوجت فى عمر الستين وأنجبت ولدا «عبدالله» وفتاة «هاجر»، وحصلت على عدة شهادات تقدير والعديد من الأوسمة والنياشين.
سوف أحمل قصتى وعلم مصر وأجوب شوارع الاسماعيلية أحكى لمن لم ير ولم يعرف حرب أكتوبر إلى أن أواجه الموت وجها لوجه الذى طالما طاردنى فى شبابى ولم ينل منى.
محمد محمود خليفة قائد مجموعات المقاومة الشعبية بمدن القناة