حملة إنقاذ نهر النيل.. وزير الري: إزالة 464 ألف حالة تعدٍّ على مجرى النهر    مدبولي: مشروعات الصرف الصحي تمثل أولوية هامة على أجندة المبادرة الرئاسية «حياة كريمة»    رئيس الوزراء يتفقد التشغيل التجريبي لمحطة معالجة الصرف الصحي بقرية برطباط غرب مغاغة.. صور    استعدادات قصوى خلال موسم حصاد الأرز لمواجهة «الحرق المكشوف» بالشرقية    «أبناء الأجير» قصة قصيرة للكاتب محمد عبد المرضي منصور    انقطاع كامل لخدمات الإنترنت شمال قطاع غزة    إبادة ممنهجة في غزة.. وإسرائيل تستهدف عشرات الفلسطينيين    أعضاء الكونجرس الأمريكي يؤكدون للسيسي دعم الولايات المتحدة لمصر    كولر يعقد محاضرة فنية للاعبين قبل مواجهة سيراميكا    موعد مباراة الزمالك ومنتدى درب السلطان المغربي لتحديد المركز الثالث بأبطال أفريقيا لكرة اليد والقناة الناقلة    أفشة: مباراة سيراميكا صعبة| وتعاهدنا على الفوز باللقب    تجهيز ملاعب الكرة الشاطئية لبطولة كأس الأمم بالغردقة (صور)    العثور على جثمان مجهول الهوية بمياه ترعة في الشرقية    قيمتها 30 مليون جنيه.. ضربات ناجحة لأباطرة المخدرات في المحافظات    تأجيل محاكمة بائع خضار استدرج شخص وقتله بشبين القناطر لجلسة الأربعاء    الداخلية تستعيد 11 مليون جنيه في ضربة قوية لتجار العملة    بعد نجاح حفل الاسكندرية.. محمد الطوخي يحيي «ليلة طرب» بمهرجان الموسيقى العربية    رسائل نجوم الفن ل منة عدلي القيعي بعد خطوبتها (صور)    مدبولي: نحرص على متابعة تنفيذ مشروعات تطوير الخدمات الطبية لكونها تأتي على رأس أولويات عمل الحكومة    يد الأهلي يواجه فلاورز البنيني في نهائي بطولة إفريقيا    نائب رئيس جامعة الأزهر: العلم الذي دعا إليه الإسلام لم يقف عند العلوم الشرعية أو العربية    عاجل: ارتفاع أسعار الدولار أمام الجنيه المصري اليوم    داعية بالأوقاف: الانشغال بالرزق قد يبعدنا عن ما طلبه الله منا    محافظ بني سويف يتابع العمل بمشروع رأس المال والإنتاج بالمدارس الفنية    الصحة: 4 آلاف من أطباء الزمالة المصرية سجلوا لحضور النسخة الثانية من المؤتمر العالمي للسكان    5 لاعبين أمام المحاكم.. ضرب إمام عاشور وسحر مؤمن زكريا الأبرز    التضامن: خطوط الوزارة الساخنة تستقبل 225 ألف اتصال خلال سبتمبر    وزير الصناعة يبحث مع اليونيدو الموقف الحالي لمشروعاتها بالسوق المصرية    «أسوان» تستعد للاحتفال بتعامد الشمس على وجه رمسيس في معبد أبو سمبل    الاحتلال يزعم اغتيال نائب قائد منطقة بنت جبيل في حزب الله    ضبط تشكيل عصابى تخصص في تقليد العملات النقدية وترويجها    ضبط 7 أطنان دقيق خلال حملات لمنع التلاعب في أسعار الخبز    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لمنطقة كفر طهرمس الأربعاء المقبل    خيري الكمار يكتب : رسالة إلى وزير الثقافة .. المهرجانات فى خطر    موعد مباراة يوفنتوس ضد لاتسيو في الدوري الإيطالي والقنوات الناقلة    14 عبادة مهجورة تجلب السعادة .. عالم أزهري يكشف عنها    بالصور- إقبال على حملة "انطلق" لقياس الذكاء وتقييم مهارات الأطفال بجنوب سيناء    مركز سقارة ينظم دورة للعاملين بالمحليات عن دورة "الخريطة الاستثمارية لمصر "غدا    التصرف الشرعي لمسافر أدرك صلاة الجماعة خلف إمام يصلي 4 ركعات    جامعة الأقصر تنظم ندوة تثقيفية عن انتصارات أكتوبر    «8 زلازال في 20 يومًا».. عباس شراقي يكشف أسباب الزلزال المتكررة في إثيوبيا وخطورتها    حزب الله يُعلن استهداف جنود ومواقع إسرائيلية    الشيخ أحمد كريمة يوجه رسالة لمطرب المهرجانات عمر كمال    رغم اعتراض ترامب.. قاضية تُفرج عن وثائق فى قضية انتخابات 2020    فرنسا تحث على دعوة أوكرانيا للانضمام إلى حلف "الناتو" فورا    أول تعليق لصاحب جواز سفر عُثر عليه بجوار يحيى السنوار بعد اغتياله.. ماذا قال؟    المخرج عمرو سلامة لمتسابقة «كاستنج»: مبسوط بكِ    لا داعي للأدوية.. وصفات طبيعية كالسحر تخلصك من الإمساك في 30 دقيقة    تجمع «بريكس» يدعم إنشاء تحالف للطاقة النووية    اللواء نصر موسى يحكي تفاصيل ساعة الصفر في حرب أكتوبر    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    كيف تطور عمر مرموش مع آينتراخت فرانكفورت؟.. المدير الرياضي للنادي الألماني يوضح    أفضل 7 أدعية قبل النوم.. تغفر ذنوبك وتحميك من كل شر    "الكهرباء كانت مفصولة".. غموض يكتنف حريق مخزن الخيش بالزقازيق -صور    تامر عاشور ومدحت صالح.. تفاصيل الليلة الثامنة من فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    منتج عمر أفندى يكشف حقيقة وجود جزء ثان من المسلسل    المخرجة شيرين عادل: مسلسل تيتا زوزو مكتوب بمصداقية ويناقش مشكلات حقيقية    دورتموند يعود لطريق الانتصارات بفوز على سانت باولي في الدوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرُبع الخالى
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 09 - 2012

كانت الشجرة العجوز الوارفة تستقر فى الربع الأخير من الرصيف الملاصق لتلك السفارة المطلة على نيل القاهرة ،لا تعرف متى غُرِست بذرتها على وجه التحديد لكنك تثق فى أنها صارت ملمحا أساسيا من ملامح هذا المكان حتى لكأنها نشأت معه أو لكأنه خُلِق من رحمها. عندما كنت أحتاج أن أصف بدقة الطريق لغريب يزورنى لأول مرة كنت أضع الشجرة فى جملة مفيدة، فأقول على ناصية الشارع تنتصب شجرة ضخمة تتشابك فروعها وتتداخل أغصانها فلا يمكن لعين أن تخطئها. كان الزوار يتندرون سرا وأحيانا علانية على أن تكون شجرة من علامات الطريق، لكن عندما كان هؤلاء يصلون إلىَ بسلام كانوا يعترفون أنهم لاحظوا وجود الشجرة. فى بلد تُغتال فيه الأشجار من أجل طرد أسراب الطيور التى تعشش بين ثناياها، أو مد خطوط المترو بين سيقانها، أو هدم الڤيلات القديمة التى تُظلل بناها والناس، هل يُصبح غريبا أن نُعَرف الشوارع بما تبقى مطلا عليها من أشجار؟

●●●

أكثر من مرة لفتتنى الشجرة الطيبة إلى لسعات برد الخريف فى الصباح الباكر وما كنت أشعر بها أو لعلنى كنت أتجاهل هذا الشعور، فقط عندما كنت أمر عليها وأرمق أوراقها المتساقطة تصنع سجادة ربانية بعرض الشارع من اللونين الأخضر الذابل والأصفر، كنت أنتبه إلى أن الوقت قد حان كى أتسلق السلم المعدنى المتأرجح وأتحسس ملمس الصوف فى الجزء العلوى من الخزانة لأستبدل الثياب التى تشع دفئا بأخرى خفيفة.

من دون أن يدرى العساكر الأربعة الذين كانوا يجلسون تحت الشجرة فى حراسة السفارة أنى ضممتهم إلى قائمة أصدقائى فإننى بالفعل كنت قد ضممتهم. تبهجنى رؤيتهم وهم يفترشون جرائد تنضح حروفها بزيت الطعام ويقضمون فى شهية ساندويتشات الطعمية مستترين بفروع الشجرة من أعين المارة لأنهم تَربَوا على أن للطعام حُرمته. ويطمئننى عليهم ظل الشجرة من لهيب الصيف يشوى أجسادهم الناحلة فيما تمرق أمام عيونهم سيارات مغلقة النوافذ يهب على وجوه قائديها هواء بارد لكنه مصنوع. لم تكن الشجرة بالتأكيد كتلك التى صورها توفيق الحكيم فى رائعته المسرحية « ياطالع الشجرة» مثمرة تطرح البرتقال والمشمش والتين والرمان، فشجرة الحكيم لم توجد أصلا إلا فى خياله وفى أدبه الرمزى أو العبثى، ومع ذلك فإنها مثل شجرة الحكيم كانت تنتج الظل والستر لمن يحتاج إليهما.

●●●

منذ متى بدأت الشجرة العجوز تنحنى؟ منذ شهور والأرجح حتى منذ سنين، لكن انحناءتها فى الأسابيع القليلة الماضية بدت أوضح من أى وقت مضى. تهدلت فروعها السامقة حتى كادت أن تلامس الأرض، وفارقت جذورها القوية التربة التى توغلت بعيدا فى أعماقها، وسقطت أوراقها الندية فى غير الخريف فقدمت إنذارا فصليا كاذبا لمن كانوا يضبطون مواقيت الفصول على أوراقها. أعطتنا الشجرة الجميلة كل المؤشرات على أن أنها تحتضر، ومع ذلك لم نفهم أنها تموت، لم نفهم ليست هى الكلمة الدقيقة فالأفضل القول إننا لم نهتم.

لم يُغثها أحد منا بل راحت عرباتنا تناور ببراعة مع تآكل المسافة الفاصلة بين فروعها والأرض فنفوز أو نعتبر أننا فزنا-عندما نفلت من براثن أغصانها المائلة. لم يٌغثها عمال السفارة التى كانت الشجرة تحرس جدارها، ولعلهم حتى ارتاحوا من تَطفل فروعها على حديقتهم وكأنه ممنوع أن يُختَرق حرَمَ الحديقة وأمن السفارة حتى من فرع شجرة. لم يغثها أىُ من سكان العمارات الضخمة المطلة عليها ولا تَذكر لها أنها كانت تُرطب ليله وتبهج ناظره. حتى إذا جاء يوم وجدنا الشجرة العجوز تنبطح أرضا وكأنها تقدم لنا احتجاجها الأخير فتربك المرور وتجبر الجميع على أن يغير مساره ويتوه فى شوارع الحى الخلفية.

●●●

فى مسرحية «ياطالع الشجرة» لم يكن يوجد أثاث ثابت، بل ظهر كل شخص على المسرح حاملا أثاثه ولوازمه بيده، وعندما سقطت الشجرة المطلة على نيل القاهرة تكرر المشهد نفسه فنقل العساكر الأربعة مقرهم إلى شجرة مجاورة لكنها ضامرة وغير ساترة ولا مُظلِلة. بدا الربع الأخير من رصيف السفارة خاليا اللهم إلا من بعض مخلفات الشجرة : بقايا جذع عقيم وفروع ذابلة لا هى تسد الطريق ولا هى تستحث أحدا على مواراتها. فهل كُتِب الإهمال على الشجرة حية وميتة؟ بل هل كانت هى أصلا مجرد «شجرة»؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.