رائحة الموت لاتزال تتصاعد من عقار الموت بالساحل، فيما تواصل قوات الإنقاذ عمليات البحث عن الضحايا ورفع الانقاض للعقار المنكوب الذى راح ضحيته 8 اشخاص من بينهم 5 من أسرة واحدة. التقت «الشروق» سيد عبيد محمود، 42، وابنته رحمة، 9 سنوات، الوحيدين اللذين نجيا من الأسرة المنكوبة، التى كانت تستعد للعام الدراسى الجديد قبل أن يفاجئها القدر، لترحل الأم وثلاث بنات وطفل لم يتجاوز 3 سنوات، بعد انهيار العقار المكون من 5 طوابق والذى يقع بشارع محمد على دياب بمنطقة الساحل.
بالتزامن مع وصول «الشروق» إلى مستشفى الساحل، حيث يرقد العم سيد وابنته للعلاج، دخل أصدقاء وأقارب الرجل الذين أوصونا بعدم ابلاغه بوفاة زوجته وأولاده، واتفقنا على كتم السر «مؤقتا»، وهو الاتفاق الذى كان الطبيب المعالج لعائل الأسرة المنكوبة شريك فيه.
قبل وصولنا للدور الثالث، حيث يرقد «العم سيد»، شرح الدكتور سلامة قريطم الاستاذ المساعد لجراحة المخ والأعصاب بمستشفى الساحل، ل«الشروق»، حالة المريض الذى أصيب بكسر بالفقرات القطنية فى العمود الفقرى، وكسر آخر بعظمة «ترقوة الرقبة» من الجهة اليسرى، وكذلك كسر بالذراع اليمنى، إضافة إلى بعض الكدمات والخدوش.
واضاف قريطم إن حالة رحمة، ابنة العم سيد، لا تتعدى الخدوش والكدمات البسيطة، موضحا ان المستشفى أجرى الاشعات اللازمة للتأكد من سلامتها. وبمجرد دخول غرفة «العم سيد» بادر بالسؤال عن أولاده وحالتهم الصحية، ارتبك اصدقاؤه لكن الطبيب كان أسرع جوابا، إذ قال إن اولاده فى مستشفى معهد ناصر لتلقى العلاج، وابنته رحمة موجودة معه فى المستشفى نفسه وهى بخير، واعدا الأب بزيارة قريبة لها.
وبدأ العم سيد يروى المأساة «جابونى من تحت الانقاض.. ده بيت العيلة ويملكه أبويا وما عمره ما حصله حاجة بيتنا كان زى الفل».
يبيع العم سيد الملابس فى محل يستأجره بالقرب من منزله، ولا يوجد للمنزل أى أوراق قانونية أو تصاريح بناء، مثل كافة العقارات الموجودة بالمنطقة، التى يسكنها الآلاف.
يقول العم سيد إن زوجته اخبرته قبل دقائق من انهيار المنزل انها تسمع أصواتا من جدران المنزل، فما كان من الرجل الذى كان موجودا فى الدور الأسفل الذى يسكن فيه أبوه، إلا ان قال لها «خدى العيال واجرى»، ويضيف «بعدها لم أشعر إلا بأجزاء من سقف المنزل تسقط فوق رأسى».
يغالب الرجل دموعه وهو يقول إن المنزل كان مقسما لخمسة أدوار، فى كل منها شقتان، يسكن فيه هو ووالده، وأجروا بعض الأدوار للغير، كاشفا أنه أجرى بعض الاصلاحات فى الدور الأول قبل الحادث بأيام... وبصوت جريح أضاف «البيت اللى راح ده هيخلينى اتشرد أنا وعيالى».
ويحكى عن أسرته المكونة من 7 افراد هم زوجته، وابنته الكبرى هبة كانت ستدخل الصف الاول الثانوى، لتحقيق حلمها فى ان تصبح مهندسة، وابنته الثانية آية التى تدرس فى الصف الثانى الاعدادى، والثالثة فرح وتدرس بالصف الثانى الابتدائى، والابنة رحمة بالصف الرابع الابتدائى «وآخر العنقود» محمد الذى طال انتظاره لكنه لقى وجه ربه ولم يتجاوز الثلاث سنوات.
يتوجه العم سيد بالحديث إلى اصدقائه «عايز أشوف محمد ابنى..أوعى يكون حصل له حاجه.. دا ولد جاى بعد 4 بنات هو اللى هيسندنى لو حصلى حاجه».
أما رحمة التى ترقد بقسم العظام، وترافقها احدى جيرانها التى التقتنا وعلى وجهها ابتسامة عذبة فقالت «كنت بزق الطوب بايدى مش قادرة ارفعه من عليا لحد ما حد جه وجاب حديدة وشال الطوب ونزلونى لتحت فى الاسعاف».
وتضيف الطفلة أنها كانت نائمة هى وشقيقاتها الثلاث فى صالة المنزل وفجأة شعرت بهزة فى البيت واعتقدت انها هزة عادية وتابعت «اخواتى الثلاثة كانوا نايميين على الكنب فى الصالة ولقيت سقف البيت وقع علينا فصرخت». وواصلت رحمة رواية المأساة بالقول «انا اول واحدة شالونى من البيت وانقذنى الناس وكنت ساعتها صاحية بس مش حاسة باللى بيحصل اشتريت لبس المدرسة من حوالى يومين انا واخواتى الثلاثة، واشترينا الشنط عشان نبقى جاهزين للمدرسة وابويا دفع فلوس كتير فى شرا الحاجة وربنا يقومنى عشان اقدر أروح مع أصحابى».
وتابعت «يومها سهرنا لحد الفجر بنتفرج على التليفزيون وبعدين نمنا عشان نصحى على العصر كده زى كل يوم بس الصبح كنت صاحية عشان اروح الحمام واخواتى نايمين وفجاة وجدت البيت بيوقع كله علينا وحاولت أجرى بس البيت كان وقع قبل ما اتحرك، كان نفسى اصحى اخواتى ونلحق نجرى بس البيت وقع بسرعة».
وسألت رحمة «هم اخواتى فين انا من وقتها ما شوفتهمش هم فين وعاملين ايه»، لكن السؤال كان بلا إجابة.
وكان خالد الاتربى، رئيس نيابة الساحل، قرر حبس صاحب العقار عيد محمود على ذمة التحقيقات لحين ورود تحريات المباحث كما أمرت النيابة بالتحفظ على ملف العقار من رئاسة حى الساحل والاستعانة بالإدارة الهندسية لتحديد وضعية العقار.
فيما استمعت النيابة إلى اقوال صاحب العقار الذى قال إنه يعيش وابناؤه فيه منذ عام 1968، وإن انهيار العقار كان قضاءً وقدرا.