قبل شهور قال لى مصدر مسئول من أهل الحكم إن لديهم أدلة لا تقبل الشك بأن الطرف الثالث الفعلى الذى وقف وراء معظم العمليات المشبوهة هو الولاياتالمتحدة، وبعض من يرتبط بها فى الداخل. المعلومة لم تكن صادمة لكنها كانت غريبة، وعندما حاولت إقناع هذا الشخص بنشر المعلومة على لسانه نفى بإصرار، وحتى عندما حاولت استئذانه فى نشرها بصيغة مبهمة رجانى ألا أفعل لأسباب رآها تخص الظروف وقتها. احترمت رغبة المسئول وتناسيت المعلومة، حتى قرأت، أمس الأول، ما قالته الدكتورة فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولى السابقة فى شهادتها أمام محكمة جنايات القاهرة فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى المصرية.
أبوالنجا تحدثت عن أشياء كثيرة أبرزها أن أمريكا اعتقدت أن مصر بلا رابط خلال الثورة وأنها أدخلت أموالا إلى مصر بطريقة غير رسمية تم استخدامها فى محاولة اختراق السيادة المصرية وهدم جهاز الشرطة والقضاء على مؤسسة الجيش، وأن ما حصلت عليه المنظمات فى ستة أشهر من عمر الثورة يعادل ما حصلت عليه فى ست سنوات.
إذن أهمية ما كشفته أبوالنجا هو أنه يقال رسميا للمرة الأولى على لسان شخص كان حتى أيام قليلة مضت نائبا لرئيس مجلس الوزراء. وهو يعكس إلى حد كبير تفكير المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كان حاكما.
نستنتج من ذلك أيضا ان العلاقات بين الإدارة الأمريكية والمجلس العسكرى لم تكن فعلا على ما يرام، ونستطيع أن نعرف سر السعادة التى انتابت واشنطن لخروج أبوالنجا من الحكومة للدرجة التى جعلت مصادر تقول إن خروج هذه السيدة كان أحد مطالب واشنطن لاستمرار المعونة.
لنترك كل ما سبق جانبا ونسأل سؤالا بديهيا هو: إذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى كان حاكما قد توصل إلى أدلة حاسمة أو حتى لمؤشرات قوية على دور تخريبى للولايات المتحدة فى الداخل المصرى.. فلماذا التزم الصمت؟ ولماذا لم يبادر إلى فضح هذه المخططات؟ّ.
هل صمت حفاظا على استمرار المعونات أم لا؟لم يكن قادرا لأسباب كثيرة على الدخول فى مواجهة سياسية مفتوحة مع واشنطن، أم لأسباب لا نعرفها؟!.
ما أتذكره جيدا أنه عندما قالت التحقيقات فى القضية أن الولاياتالمتحدة تحاول اختراق السيادة المصرية فإن غالبية الشعب تعاطفت مع المجلس الأعلى وخرجت هاتفة ضد واشنطن وضد معوناتها، لكن وبدلا من استمرار الموقف الرسمى صامدا، فوجئنا به ينهار ويتم تهريب المتهمين «فى عز الظهر»، وقالت تسريبات وقتها إن الولاياتالمتحدة هددت مصر بأساليب شتى ولوحت بإرسال قوات لإخراجهم بالقوة.
عندما تغيب الشفافية تكثر الشائعات وبالتالى لم يخرج علينا مسئول ليحكى لنا الحقيقة بالضبط، ما يوقعنا فى حيرة بشأن الروايات المتضاربة حول القضية.
لنترك الماضى ونسأل سؤالا يخص الحاضر والمستقبل هو: إذا كانت واشنطن أصرت على تمويل منظمات أهلية غير مسجلة وتعمل بالسياسة من وراء ظهر الحكومة المصرية، فهل لاتزال تواصل هذا العمل أم تم تسوية الأمر؟!.
السؤال الثانى: ما هى الصيغة التى تنوى إدارة الرئيس محمد مرسى وحكومة الدكتور هشام قنديل أن تتعامل بها مع واشنطن بشأن هذا الأمر؟!.
السؤال الثالث والأخير: إذا صح كل ما سبق من تسريبات.. فهل كان لذلك دخل بالموقف الأمريكى من الصراع الذى كان موجودا على هرم السلطة فى مصر بين محمد مرسى وحسين طنطاوى؟!.