مع تواصل الصراع المحتدم في سوريا، قام أحد الصحفيين السوريين بزيارة الأحياء العلوية في دمشق، حيث يحظى الرئيس المحاصر بشار الأسد بدعم من الكثيرين هناك ممن يرون أن هناك مؤامرات خارجية تحاك للنظام. يقول الصحفي إنه على الرغم من أن هذه المنطقة يعرف عنها بأنها منطقة آمنة ومحصنة تحصينا جيدا، فإنه واجه صعوبة في الحصول على سيارة أجرة تقله من ميدان الأمويين في قلب دمشق إلى حي المزة 86 شرق العاصمة.
ويضيف "كان جميع سائقي سيارات الأجرة يرفضون أن يقلوني إلى هناك خوفا على أنفسهم، وقال أحدهم إن "هذه مناطق للعلويين، وإنه يمكن أن نختطف أو نقتل".
وتقطن تلك المنطقة عائلات أفراد الجيش وعناصر قوات الأمن ومعظمهم من العلويين، التابعين لإحدى طوائف الشيعة التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد.
أما السائق الوحيد الذي قبل بنقلي إلى هناك كان قد أرسل عائلته إلى قريته في هضبة الجولان، بعد أن بدأت الاضطرابات في سوريا منذ مارس/آذار عام 2011.
وقال الصحفي، "عندما أردت أن أضع حزام الأمان، قال لي: "ليس مهما أن تضعه الآن، فهناك أناس كثيرون يلقون حتفهم طوال الوقت".
ويعتقد العلويون، خاصة ممن يتبعون مؤسسات الجيش وقوات الأمن، أن سوريا تواجه مؤامرة خارجية، وأن ما تمر به الآن لن يؤدي إلى إسقاط الرئيس الأسد.
"صُلب النظام"
وأثار الاستقطاب الطائفي بين الأقلية العلوية الحاكمة والسنية التي تمثل الأغلبية المخاوف من وقوع هجمات انتقامية في الأحياء العلوية، إلا أن الحياة اليومية تسير بشكل طبيعي وكأنه ليس هناك قتال.
تنتشر الإعلانات واللافتات وصور الرئيس الأسد في كل مكان، بينما تنتشر أيضا في قلب ذلك الحي شعارات مكتوبة على الجدران من قبيل: "الأسد أو يوم القيامة".
يقول سعيد، وهو محام وأحد أبناء الضباط الكبار في قيادة الجيش السوري النظامي: "تعتبر هذه المنطقة صلب النظام، فأنا لا أرى أية علامة للانشقاق، لا في الجيش ولا في السلطات الحاكمة. فكلهم بمثابة قبضة واحدة، وليس من السهل أن يتم اختراقهم".
وفي هذا الحي ذي الطبقة المتوسطة، يلعب الأطفال في الأزقة النظيفة، ويتجول المراهقون في شوارعها، كما يمكن لقاطنيها أن يتسوقوا لشراء احتياجاتهم حتى ساعات متأخرة من الليل.
ويمثل العلويون في سوريا، وخاصة في دمشق، العمود الفقري للنظام، حيث أن عائلة الأسد التي تحكم البلاد منذ عام 1970 تنتمي إلى هذه الطائفة.
وعلى الرغم من أن التقديرات تتفاوت، إلا أن سعيد قال إن هناك ما يقرب من 500 ألف علوي يسكنون في دمشق التي يقطنها ما يقارب مليوني شخص، غالبيتهم من السنة.
وتابع سعيد: "إن هناك خوفا يتزايد بين الناس، فهم لا يشعرون بالأمان خارج هذه المنطقة. وعندما أحتاج للخروج خارجها، فإنني لا أسلك الشوارع الجانبية، وأحاول ألا أبقى في الخارج حتى ساعات متأخرة". "خطر خارجي"
تطل هذه المنطقة على العاصمة دمشق، وتقع على سفوح قصر الشعب، أحد القصور الرئاسية في سوريا حيث يستقبل فيه الرئيس زواره الرسميين.
وتحيط بالقصر مناطق سكنية أخرى تابعة للعلويين من الجيش وقوات الأمن، من بينهم قوات الحرس الجمهوري.
ويعيش أبو باسل، أحد جنرالات الجيش وهو في العقد السادس من العمر، في منزل متواضع يحوي أربع غرف في هذ الحي.
وفي غرفة المعيشة، كما هو الحال في كل المنازل الأخرى في المنطقة، تبرز صورة للرئيس السابق حافظ الأسد، والد بشار.
ويعتقد أبو باسل، الذي يقود وحدة عسكرية تقوم بعمليات في ريف دمشق، أن هناك حربا طائفية تدار من الخارج ويشارك فيها جهاديون وإرهابيون يتم شنها على سوريا.
ويرى أيضا أن الولاياتالمتحدة هي التي تقود هذه الحرب، إلى جانب دول أخرى كقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا.
وأكد أبوباسل أن "الجيش السوري لن يسمح لهم بإسقاط نظام الحكم، أو أسلمة الدولة، أو جعلها تخضع لسيطرة التكفيريين".
وأضاف: "إننا كمؤسسة عسكرية لا يمكننا قبول ذلك. فواجبنا كجيش وطني يحتم علينا أن نحافظ على الأمن المدني، مع حماية الدولة من أي خطر خارجي يواجهها".
وقد أعرب أبو باسل عن دهشته هو وزملاءه عندما خرجت التظاهرات، كما كان كرر الرواية التي تنشرها الحكومة عن "المجموعات الإرهابية المسلحة" التي تتسلل إلى المناطق الحضرية والريفية.
وقال إن الجيش، كهيئة عسكرية، لا يقتل المدنيين العزل أبدا، بل يساعدهم ليبتعدوا عن مناطق الخطر، التي يجري "تطهيرها من الإرهابيين".
وتابع أبو باسل: "في البداية كنا ندافع عن السيد الرئيس ونخرج في مظاهرات مؤيدة له. إلا أن الوضع يختلف الآن. فأنا لا أقاتل اليوم من أجل بشار، بل أقاتل من أجل مستقبل أبنائي، ومن أجل مجابهة هذه الهجمة الطائفية". "وحدة وطنية"
دفع الخوف من الاختطاف أو القتل على يد مقاتلي المعارضة العديد من العائلات العلوية للعودة إلى المنطقة الساحلية، ملاذ العلويين في سوريا، لكن قوات الأمن والجيش ظلت داخل وحداتها.
وفي أعقاب التفجير الذي نجح في قتل أعضاء من "خلية الأزمة" التابعة للنظام السوري في دمشق في تموز/يوليو الماضي، قام أبو علي، وهو لواء جيش في الثالثة والأربعين من عمره، بإرسال عائلته إلى المنطقة الساحلية. وقال إن هذا يمنحه الحرية ليقاتل من أجل "القيادة السياسية" ضد "هؤلاء الإرهابيين".
وقال أبو علي، وقد كان قائد سرية عسكرية شاركت في يوليو/تموز في تمشيط حي الميدان جنوب غرب العاصمة، إنه وزملاءه يقاتلون من أجل "الحفاظ على الوحدة الوطنية ومنع الانقسام".
ويتابع قائلا: "نحن ندافع عن أنفسنا ضد هجمة وحشية تشنها دول الخليج التي تدعم الجهاديين، فهم يرسلون الجهاديين من كل أنحاء العالم لمحاربتنا، ويريدوننا أن نبقى صامتين. إننا لن ننسحب أبدا حتى نطهر دولتنا".