عيار 21 الآن بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم ببداية تعاملات الصاغة بعد الارتفاع الجديد    شاهد مباشر.. الموعد النهائي لمباراة مصر وبوتسوانا في تصفيات أمم إفريقيا بعد تأجيلها    دنيا سمير غانم تحتفل بعيد ميلاد زوجها رامي رضوان (فيديو)    أطفال ضمن ضحايا مجزرة القصف الإسرائيلى على مخيم المواصى فى خان يونس.. فيديو    إبراهيم نور الدين: أنا شاطر إداريًا وكان هناك التفاف حول قرار تعييني مدير فني للتحكيم وأشكر بيريرا    عامر العمايرة: الأهلي يحصل على 155 ألف دولار من انتقال تريزيجيه للريان    مجزرة خان يونس.. أول تعليق من حماس حول وجود عناصرها في موقع الاستهداف    وفاة صاحب صوت شخصية موفاسا في فيلم The Lion King    حبس وغرامة مليون جنيه.. عقوبة إدارة مركز تجميع بلازما الدم بدون ترخيص وفقًا للقانون    مجزرة إسرائيلية فى خيام النازحين بمواصى خان يونس تسفر عن عشرات الشهداء والمفقودين    مجزرة خان يونس.. إسرائيل تُعلن القضاء على 15 عنصرا من حماس    وزير الزراعة يزف بشرى سارة لمزارعي قصب السكر والبنجر    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. اليوم 10 سبتمبر 2024    حزب العدل يشيد بتعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية    مصدر ليلا كورة: كهربا يعتذر عن عدم الحضور للتدريبات.. والأهلي يطبق اللائحة    داري خرج من الإحماء مصابًا.. رائعة دياز تقود المغرب لهزيمة ليسوتو (فيديو)    انتشال جثة فني ماكينات أسفل عقار الزيتون المنهار (صور)    لماذا يعد آيفون 16 برو ماكس الأفضل على الإطلاق؟    مصرع شخصين وإصابة 11 آخرين فى حوادث طرق    مجلس القضاء الأعلى يقر مشروع الجزء الثاني من الحركة القضائية للعام القضائي 2024/ 2025    جوتيريش: الموت والدمار في غزة هو أسوأ ما شاهدته خلال فترة ولايتي    «من حقك تعرف» .. هل يجوز وضع شرط بعدم التعدد فى وثيقة الزواج؟    تبادل إطلاق نار بين حرس الحدود الاسرائيلي ومهربين في صحراء النقب    مستشفى الرياض المركزي.. صرح طبي عملاق في كفر الشيخ| صور    عاجل - الجنيه ينتفض أمام الدولار في البنوك.. كم سعر العملة الِأمريكية الآن؟ (تحديث جديد)    إصابة سيدة في حريق هائل بمخزن كاوتش بمركز اطسا بالفيوم    ارتفاع في درجات الحرارة.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الثلاثاء    البطل الأولمبي محمد السيد: صلاح ورونالدو الأفضل وهاخد شوبير في ماتش خماسي    «طبيب مزيف» يجري جراحة مستعينا بمقاطع «يوتيوب».. والنهاية مأساوية    وجبة فاسدة.. العناية الإلهية تنقذ عمال مصنع بأكتوبر من الموت    إخلاء سبيل صاحبة إعلان ميلودي من قسم أكتوبر    "مصر ضد بتسوانا".. مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء والقنوات الناقلة    محمد الأتربي: تغييرات مرتقبة في المناصب القيادية بالبنوك الحكومية (فيديو)    هل طلبت زوجة عصام صاصا خلوة شرعية معه في السجن؟.. فيديو توضح ما حدث    شيرين توجه رسالة لجمهورها بعد الفوز بجائزة غنائية.. ماذا قالت؟    برج الدلو.. حظك اليوم الثلاثاء 10 سبتمبر 2024: حل مشكلات الماضي    هنغاريا تعتزم تحويل مساعدات دفاعية إلى تشاد بدلا من أوكرانيا    أوقاف الفيوم تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف من المسجد الكبير بالصعيدي    بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.. ننشر حركة قيادات النيابة العامة    وزير الزراعة عن أسعار البطاطس والطماطم: مصر الأرخص في العالم.. ولا زلنا ندعم الخبز والبنزين    أيمن الشريعي: سأترشح على منصب رئيس الرابطة    مواعيد وخطوات الكشف الطبي للطلاب المستجدين بجامعة بنها 2024-2025    حققوا أموال طائلة.. تفاصيل إحالة عدد من منتجي البيض للنيابة بتهمة رفع الأسعار    حدث بالفن| موقف محرج لابنة نجمة وثري يعرض على فنانة مرتب شهري وأول تعليق لبدرية طلبة بعد العملية    سامح قاسم يكتب: سيد درويش.. من ألحان الفقراء إلى صوت الشعب    شارك صحافة من وإلى المواطن    على باب الوزير    حملة مكبرة لإزالة الإشغالات بأسواق المنشية للأسبوع الثاني    سعاد صالح: لا يجوز للزوج أن يأخذ مليمًا واحدًا من زوجته إلا بإذن    سعاد صالح توضح حكم ارتداء الشباب للبناطيل المقطعة -(فيديو)    «البياع» رئيساً للمكتب الفني و «أبو زيد» مديراً لإدارة التحفظ    أنجولا تتصدر المجموعة السادسة بالفوز على السودان 2-1    تعرف على فوائد تناول الأسماك يوميًا لمرضى السكري    تضم أدوية ضغط وسكر وأورام.. ضخ 113 مليون عبوة جديدة للصيدليات    جائز بشرط.. الإفتاء توضح حكم إقامة مجالس الذكر في المساجد والجهر بها    سامح حسين يعود إلى الشاشة الصغيرة ب "برامودا"    رمضان عبد المعز: الصلاة تمحو الذنوب وتخفف الأعباء عن المؤمنين.. فيديو    «التعليم» تصدر كتابًا دوريًا لتنظيم إجراءات صرف المقابل المادي لمعلمي الحصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إهمال الأطباء
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 08 - 2012

فى وقفة عيد الفطر زار سيادة وزير الصحة مستشفيين، مصطحبا معه كاميرات التليفزيون المصرى، انتظر معاليه مع مريض بالاستقبال لمدة ثمانى دقائق حتى جاء الطبيب، وانطلق بعد هذا التقصير الواضح يعلن أن إهمال لأطباء هو سبب التعديات التى يشتكون منها، وقامت الكاميرات التى اصطحبها سيادته بالمطلوب منها فى إذاعة هذا الكلام على أوسع نطاق.. وبعيدا عن أن هذا التصريح تحريضا واضحا وخطيرا ضد الأطباء، سيؤدى بالتأكيد إلى مزيد من التفاقم للظاهرة المرعبة للاعتداء على المستشفيات.. بعيدا عن ذلك يكشف هذا التصريح عن درجة عالية من عدم الإلمام بأسباب الاعتداء على المستشفيات، وعدم معرفة لظروف عمل الأطباء.

•••

الحقيقة أن عددا كبيرا من التعديات على المستشفيات، تحدث كاستكمال لمشاجرات بين الأهالى تبدأ خارج المستشفى، حيث أصبحت المستشفيات ساحات مفتوحة للمعارك نتيجة لإضراب الأمن عن القيام بعمله، وعدد آخر من التعديات يحدث عندما يعلن الطبيب عن وفاة مريض، وعندما يقرر الطبيب تحويل حالة تستحق التحويل، أو عندما يرفض تحويل حالة لا يرى أنها تستحق التحويل، وتحدث التعديات عندما لا يجد المريض مكانا بالعناية المركزة أو بالحضانة، أو عندما يطلب منه دفع مقابل للخدمة الصحية فى المستشفيات الحكومية، ويكون هذا المقابل أكبر من قدرته، أو عندما يطلب منه الطبيب شراء مستلزمات العلاج من خارج المستشفى، باختصار يحدث الاعتداء لأسباب عديدة تكشف عن ضعف إمكانيات المستشفيات، وعدم رضا المواطنين عن الخدمة الصحية، وبل انعدام ثقتهم بالكامل فى الأطباء والمستشفيات الحكومية.. ولكن هل معنى كلامى أنى أنفى نفيا كاملا تهمة الإهمال عن الأطباء؟

للأسف أنا لا أستطيع أن أنفى تهمة الإهمال عن بعض الأطباء، ولكن إذا كانت الزيارات المفاجئة للمستشفيات جزءا من خطة يراد منها النهوض بالمستشفيات، وليس مجرد تقديم كبش فداء للرأى العام الغاضب من المستوى البشع للعلاج المجانى فى المستشفيات الحكومية، إذا كان الإصلاح هو الغرض، وجب علينا تفهم الظروف التى تؤدى لتدهور الخدمة الصحية، وإصلاح الخلل فيها، حتى يكون لعقاب المخطئ مردود إيجابى، وليس مجرد تفريج مؤقت للسخط.

•••

لذلك سأسمح لنفسى أن أوضح لمعالى وزير الصحة، بعض تفاصيل عمل الطبيب فى وزارة الصحة.. نوبتجية الطبيب بالاستقبال أو بالعناية المركزة، 12 ساعة فى بعض المستشفيات و24 ساعة فى مستشفيات أخرى، فهل يمكن لأى إنسان أن يمضى 24 ساعة يعمل بصورة متصلة؟! أم أن طول فترة النوبتجية معناه أن هناك موافقة ضمنية على فترات للراحة والأكل تتخلل وقت النوبتجية؟! عموما هذه المشكلة يمكن حلها ببساطة إذا تم تحديد ساعات النوبتجيات فى أقسام الطوارئ بست ساعات أو ثمانى ساعات حد أقصى، حتى نستطيع إلزام الطبيب بقضاء فترة النوبتجية كلها واقفا فى مكان عمله، دون أن يحتاج لفترات راحة بسكن الأطباء.

أما المشكلة الأهم من ذلك فهى طريقة تعامل الأطباء مع المرضى، حيث إن الكثيرين منا يتعاملون بفتور، أو بجفاء مع مريض يحتاج كجزء أساسى من العلاج أن يشعر باهتمام الطبيب وتعاطفه، حتى يثق أن طبيبه يعطيه العلاج الأمثل.. وسأحاول هنا أن أشرح للمواطنين ولمعالى الوزير، وضع هذا الطبيب حتى نستطيع أن نقيمه تقييما أمينا قبل أن ننصب له المشانق.

هذا الطبيب يا معالى الوزير يتقاضى 40 جنيها فى النوبتجية الليلية (من 8 مساء إلى 8 صباحا) ويتقاضى حوالى 6 جنيهات فى النوبتجية النهارية (من 8 صباحا إلى 8 مساء)، فى حين أن الشغالة المنزلية تتقاضى فى تنظيف المنزل الذى يستغرق 6 8 ساعات عمل نهارية، حوالى 60 إلى 100 جنيه، حسب الحى الذى تعمل به.. وهذا الطبيب يتقاضى بعد 7 سنوات دراسة راتب 250 جنيها، ويتقاضى حوافز تصل إلى 600 جنيه بالقاهرة، و800 بالوحدات الريفية، وحوالى 1500 جنيه بالمناطق النائية والحدودية.. طبعا انتظام صرف الحافز هذا فى علم الغيب، والبحث عن الحوافز المتأخرة يقتضى رحلات مكوكية عديدة بين الإدارة والمديرية والمالية!

هذا الطبيب يا معالى الوزير يطلب منه دفع مصاريف سنوية لدراسة الماجستير حوالى 2000 جنيه للعام الدراسى الواحد، وبعد أن يحصل على الماجستير ويصبح أخصائى ملء السمع والأبصار، يتقاضى أجرا لا يصل بحوافزه ونوبتجياته إذا تم صرفها إلى أجر أمين الشرطة!

هؤلاء الأطباء يا معالى الوزير يملأهم إحساس بالمرارة نتيجة للظلم الواقع عليهم، الحقيقة أنه من المستحيل أن تتوافر للأطباء القدرة على التعامل بصبر وحكمة وتفاؤل مع مرضاهم، وهم أنفسهم يعانون من إحباط وحالة نفسية شديدة السوء، لا يجد أغلبهم مخرجا منها إلا بالبحث عن فرصة سفر للعمل بالخارج.

•••

بعد كل هذا أحب أن يكون واضحا أننى لا أدافع عن الإهمال أو سوء معاملة المريض مهما كانت دوافعه، ولكنى أصر على أننا يجب أن نبدأ فى إصلاح حالة الفوضى والقذارة والعجز الفظيع فى إمكانيات المستشفيات، حتى تتحول المستشفيات لأماكن لائقة لتقديم خدمة طبية معقولة، وفى هذه الحالة فقط نستطيع معاقبة المقصر، وفى هذه الحالة فقط يكون العقاب جزءا من عملية الحساب والعقاب الضرورية للإصلاح، أما الآن فأنا لا أرى فى جولات سيادة الوزير وتوقيع بعض الجزاءات هنا أو هناك، سوى نوع من توجيه غضب المواطنين الحانقين على بشاعة حال المستشفيات، لينفجر فى وجه الأطباء، حتى لا يتحول هذا الغضب لمطالبات بإصلاح جذرى لسياسات الصحة الفاسدة التى طال تعذيبها لنا مواطنين وأطباء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.