بالتعاون مع وزارة الرياضة، مرصد الأزهر يستقبل مجموعة من طلبة جامعة الفيوم    النائب العام يشارك في منتدى النواب العموم لمجموعة الدول العشرين    أستاذ قانون دولي: إسرائيل انتهكت القرار 1701 آلاف المرات على مدار 10 سنوات    توني كروس يكشف تفاصيل عقده الأخير مع ريال مدريد    تعرف على مباراة المصري الأولى بالموسم الجديد    مصرع سايس بسبب جرعة مخدرات زائدة في أوسيم    القاهرة الإخبارية: 7 شهداء ومصابين إثر قصف استهدف مدرسة للنازحين فى بيت لاهيا    محمد هنيدي يحتفل بخِطبة ابنته نوفمبر المقبل    لماذا يختبرنا الله؟.. أسامة الحديدى يجيب (فيديو)    الذكاء الاصطناعي يستعد لإزاحة المحاسب والمبرمج.. 5 مهن قد تختفي قريباً    ميلان يحسم الشوط الأول أمام كلوب بروج في دوري الأبطال    «خريجي الأزهر» تشارك بمعرض مطبوعات «البحوث الإسلامية»    البرلمان الأوروبي يوافق على منح أوكرانيا قرضا ب35 مليار يورو من أرباح الأصول الروسية المجمدة    تشكيل أستون فيلا ضد بولونيا.. دوران أساسيا فى دورى أبطال أوروبا    كواليس الدورة الأولى لمهرجان هوليوود للفيلم العربى برئاسة دارين حطيط    برعاية جامعة الأزهر.. انعقاد المؤتمر العالمي للإعجاز العلمي في القرآن والسنة    وزارة التضامن الاجتماعي تكرم الفنان أكرم حسني في احتفالية الأب القدوة    نائب محافظ الجيزة تتفقد التجهيزات النهائية لمشروع الموقف الحضارى بمنطقة كوبرى الصحابة    غزل المحلة يتلقى خطابا من اتحاد الكرة بإيقاف الزنفلي 4 أشهر    استعدادا للأهلي.. كواليس تدريبات الزمالك اليوم    وزيرة التضامن تكرم عددًا من النماذج الملهمة في إطار مبادرة "الأب القدوة"    المكسيك تمهل المدارس 6 أشهر لحظر الوجبات السريعة    دَخْلَكْ يا طير «السنوار»!    حابس الشروف: مقتل قائد اللواء 401 أثر في نفسية جنود الاحتلال الإسرائيلي    بلاغ للنائب العام.. أول رد من الصحة على مروجي فيديو فساد التطعيمات    أمين الفتوى: النية الصادقة تفتح أبواب الرحمة والبركة في الأبناء    إعادة تنظيم ضوابط توريق الحقوق المالية الناشئة عن مزاولة التمويل غير المصرفي    قطار صحافة الدقهلية وصل إدارة الجمالية التعليمية لتقييم مسابقتى البرنامج والحديث الإذاعى    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    محافظ أسوان يتفقد مشروع إنشاء قصر الثقافة الجديد في أبو سمبل    صلاح البجيرمي يكتب: الشعب وانتصارات أكتوبر 73    هبة عوف: خراب بيوت كثيرة بسبب فهم خاطئ لأحكام الشرع    مساعد وزير الصحة: تنفيذ شراكات ناجحة مع منظمات المجتمع المدني في مختلف المحافظات    ولى العهد السعودى وملك الأردن يبحثان تطورات الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط    النائب العام يلتقي نظيره الإسباني لبحث التعاون المشترك    أزمة نفسية تدفع سائقا للقفز في مياه النيل بالوراق    نقيب المحامين يوقع مذكرة تفاهم مع وفد من هونج كونج ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي    بعد تصريحات السيسي.. الحكومة تطلب من "صندوق النقد" مد أجل تنفيذ إصلاحات البرنامج الاقتصادي    غادة عبدالرحيم: الاستثمار في بناء الإنسان وتعزيز الابتكار أهم ما تناولته جلسات مؤتمر السكان    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    جامعتا بنها ووسط الصين الزراعية تبحثان تعزيز التعاون المشترك    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    بعد التحرش بطالبات مدرسة.. رسالة مهمة من النيابة الإدارية للطالبات (تفاصيل)    «القومي للطفولة والأمومة»: السجن 10 سنوات عقوبة المشاركة في جريمة ختان الإناث    إصابة 3 أشخاص في حادث سير بالعريش    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    حقيقة إلغاء حفل مي فاروق بمهرجان الموسيقي العربية في دورته ال32    كوريا الشمالية تنفي إرسال قوات لروسيا لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    الاعتماد والرقابة الصحية تنظم ورشة عمل للتعريف بمعايير السلامة لوحدات ومراكز الرعاية الأولية    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع رئيس اتحاد الكرة بشأن نهائي كأس السوبر المصري    مواعيد صرف مرتبات أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر 2024 لموظفي الجهاز الإداري للدولة    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    بينهم صلاح.. أفضل 11 لاعبا في الجولة الثامنة من الدوري الإنجليزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وليس كل العنف يأتى من القاعدة
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 01 - 2011

فى مقال سابق أكدتُ على مسئولية الدولة فى تهيئة البيئة التى تمنع إفراز العنف ضد مواطنيها ممن يختلفون فى دينهم عن دين الأكثرية. واليوم أقدم نموذجا لتقصير الدولة فى أداء تلك المسئولية من واقع التجربة العراقية على نحو يضفى عمقا عربيا على الظاهرة.
●●●
فى 22 أكتوبر الماضى نشرت جريدة الحياة اللندنية خبرا بعنوان «توزيع كتاب عن التربية المسيحية فى بعض مدارس البصرة كان خطأ». وتفصيل الخبر يقول إن الكتاب المذكور كان قد طُبع فى عهد بول بريمر فى إطار مساعى لتدريس مادة التربية الدينية المسيحية فى المدارس، إلا أن تلك المساعى واجهت معارضة شديدة قى حينها، فما كان من وزارة التربية العراقية إلا أن قامت بإيداع النسخ المطبوعة فى مخازنها.
لكن والكلام على لسان سلمان داوود رئيس لجنة التربية والتعليم فى محافظة البصرة «قلة أعداد المسيحيين فى البلاد وعدم توزيع الكتاب أدى إلى ملء مخازن الوزارة، فقامت بتوزيعه على المحافظات لتخزينه فى المخازن التابعة لمديرياتها»، واستطرد قائلا «تم توزيع الكتاب اشتباها ولا دليل على توزيعه بناء «على خطة».
للوهلة الأولى يتكون انطباع من عنوان الخبر ومن التفاصيل السابقة مؤاده أن الأمر يتعلق حصرا بمحافظة البصرة، وأن توزيع الكتاب على مدارس المحافظة مع عدم وجود مسيحيين بين طلابها تسبب فى خلق مشكلة للمسئولين فيها.
لكن عندما نقرأ مزيدا من التفاصيل نتبين أن المسألة تتعلق بعموم الدولة العراقية. يقول نقيب المعلمين فى محافظة البصرة جواد المريوش «إنه ليس لدينا فى قانون وزارة التربية الحالى ما يتعلق بوجوب تدريس الديانة المسيحية، بل لا يوجد من بين كوادر الوزارة من هو متخصص بتدريس هذه المادة».
كان الخبر صادما إلى الحد الذى دفعنى لجمع معلومات عن سياسة العراق فى تدريس الأديان، فعرفت أن المدارس الحكومية لا تسمح بتدريس غير الدين الإسلامى وأن هذا التقليد يعود إلى تاريخ ظهور الدولة الحديثة فى العراق فى العشرينيات. وبذلك يكون العراق المحتل فى مطلع القرن قد تحرر من الاستعمار البريطانى ثم أعيد احتلاله بواسطة أمريكا وبريطانيا فى الألفية الثالثة، وتغير نظامه من الملكية إلى الجمهورية، وفى إطار الجمهورية نفسها من التسلط إلى الديمقراطية المفترضة، بل إن شكل الدولة نفسها تغير من بسيطة قبل 2003 إلى فيدرالية بعد هذا التاريخ. وظلت سياسة تدريس الأديان على حالها تقاوم التغيير وتكرس واقع التمييز الديني. ومع أن من وصلوا إلى السلطة مع الاحتلال انقلبوا على كل تراث صدام حسين واجتثوا حزبه، إلا أنهم حافظوا بالتزام على ما ورثه صدام حسين من العهد الملكى.
●●●
هكذا لم يشعر أحد بوجود عنف معنوى ضد مسيحيى العراق من خلال تجاهل تدريس دينهم، ثم جاء تنظيم القاعدة و نقل العنف المعنوى إلى العنف المادى، وكان يمكن لأى تنظيم آخر من داخل العراق نفسه أن يحذو حذوه، بل إن هناك بالتأكيد من هذه التنظيمات من يتعاون مع القاعدة لأن أفراده تربوا على النظرة الدونية لمعتقدات الآخرين.
عندما سألتُ عن المنطق وراء إنكار دولة بالغة التعدد الدينى كالعراق حق مواطنيها من غير المسلمين فى دراسة مبادئ دينهم فى مدارسها، سمعت عجبا. قيل لى ما سبق وورد فى الخبر من أنه لا يوجد بين كوادر وزارة التربية مدرسون مؤهلون لهذا الغرض.
قيل أيضا إن الجماعات المختلفة بوسعها تدبير دراسة دياناتها بوسائلها الخاصة، وإنه فى كل الأحوال لا تُحسب درجة الدين فى مرحلة البكالوريا ضمن مجموع الطلاب.
يقفز هذا المنطق على نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من دستور العراق الصادر عام 2005 والتى تنص على أن هذا الدستور «يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد فى حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والآيزيدين والصابئة المندائيين»، وكأن تدريس العقيدة ينفصل عن حماية الحقوق الدينية، هذه واحدة. والأخرى أن تكرار مقولة عدم وجود كوادر جاهزة لتدريس الديانات المختلفة ليس له إلا معنى واحد هو خلو الوزارة من ممثلين للجماعات الدينية المختلفة، و هذا يحدث فى نظام يتأسس على المحاصصة الطائفية. والثالثة أن جعل دراسة الديانات غير الإسلامية مسئولية المنتمين إليها يشرع الأبواب أمام تفسيرات مغلوطة للدين إما عن سوء نية وإما دون قصد. والرابعة أن افتراق طلاب المدارس الحكومية فى حصة الدين وقسمتهم إلى جماعتين إحداهما تتلقى مبادئ عقيدتها وتتعلم شئونها والأخرى تلهو وتلعب، يكرس فى نفس الفريق اللاهى الشعور بأنه زائد عن الحاجة وأن مبادئ دينه فى مرتبة أدنى من دين الأكثرية العراقية. أما أكثر الحجج تهافتا فهى محاولة إخراس أى دعوة لتدريس الديانات غير الإسلامية بالقول إن الدين فى مرحلة معينة لا يدخل فى حساب المجموع، رغم أنه لا علاقة منطقية البتة بين الحاجة إلى تعلم أصول الدين وعملية التقييم والدرجات.
●●●
إن خبر الحياة الذى لم يحظ باهتمام أحد أخطر فى تقديرى بما لا يقاس من أى خبر يتعلق بالتعدى على كنائس المسيحيين أو خطف رهبانهم أو تخييرهم بين الموت والنزوح من العراق، لأن العنف المادى يحسب على الفرد أو التنظيم الذى يمارسه ولا يزر غيره وزره، أما العنف المعنوى الذى يكمن فى سياسات التنشئة والتشغيل والتنمية فإنه يتعلق بالدولة نفسها. هو أمر جيد جدا أن نتسابق إلى إدانة الاعتداء على إدانة الكنائس و المصلين لكن المطلوب أن نتوقف عن تهيئة البيئة التى تفرز منفذى هذه الاعتداءات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.